ص1      الفهرس    المحور 

قراءة في كتاب :

حقوق الإنسان والديمقراطية

منصف بندحمان

صدر للأستاذ محمد سبيلا عن سلسلة شراع، كتاب بعنوان "حقوق الإنسان والديموقراطية"، استهله بمقال لأسرة شراع عن تجربتها الفتية في الإنتاج والتوزيع وفي اختياراتها الفكرية والصعوبات التي تلاقيها، والإقبال الذي وجدته من طرف قرائها، باعتبارها سلسلة ثقافية متميزة لا يتعدى ثمن عددها 10 دراهم، يساهم فيها كتاب كبار، وتدفع باتجاه وعي مغير متفتح، وذلك باعتراف منابر دولية. وختم بمقال للأستاذ عبد الإله بلقزيز بعنوان "طوبى للغرباء" نوه فيه بالباحث وجرأته الفكرية وكفاءته العلمية وإطلاعه الواسع واجتهاداته المتواصلة، والكتاب عبارة عن اثني عشر مقالة، إضافة للتقديم والمقال الختامي، وقد جاءت فصوله كالتالي :

مقدمة : يا أمة في عينها خور

الحقوق الثقافية وأساسها الفلسفي

الكونية والخصوصية في خطاب حقوق الإنسان

حقوق مطاطية أم حقوق حديدية

السوق الرأسمالية العالمية

من صفاء المثال إلى كدر الاستثمار

موت الإنسان

الطابع الأخلاقي للسياسة

من التسامح كشفقة إلى التسامح كحق

شروط المجتمع الديمقراطي

التسامح والديمقراطية

الديمقراطية مطلب النخبة

الرأسمالية هل هي ديمقراطية بطبيعتها

مقال ختامي

وقد نـهض هذا البحث على رؤية فلسفية يحكمها التساؤل والنبش في البني العميقة وخلخلة الحقائق وتفكيكها. فتم النظر إلى جملة قضايا شائكة في موضوع حقوق الإنسان والديمقراطية، وانطلق من مبدأ التشكيك وإزالة القدسية وإماطة اللثام عن قضايا تبدو براقة وجدابة. فحاول أن يجد الخيط الرفيع الذي يراوح بين المجتمعات المتقدمة والمتخلفة، والمصالح التي تحرك الدول الغنية للتحكم في مسارات الدول الفقيرة، ودفعها لتبني قضاياها واهتماماتها. وكذا أسباب قبول هذه الأخيرة بشروط الدول العظمى، وكيفية إدماجها للديموقراطية رغم تباين السياقات والتجارب كذا الصعوبات والمعيقات التي تعترض طريق تحققه. وكيف تصبح الإنسانية وسيلة لاكتساح الأسواق وفرض الهيمنة والغلبة…الخ وسنقوم بتلخيص لفصول هذا الكتاب لاعتقادنا أنه يتميز بالعمق والمعرفة الضروريين، وبـهدف تجميع الأفكار والرؤى للخروج برؤيا شاملة عن منهجية الكاتب ومختلف المباحث التي تناولـها، خاصة إذا علمنا أن كتابه عبارة عن مجموعة من المقالات ينتظمها خيط رفيع وهو مفهوم الديموقراطية وحقوق الإنسان بين الفكر والممارسة، وهو مجال شاسع وشائك وساخن.

1 - الفصل الأول - الحقوق الثقافية وأساسها الفلسفي :

قدم الأستاذ سبيلا في مقاله الأول تصنيفا لمفهوم حقوق الإنسان الثقافية : 1- الحق في التربية والتعليم، 2- الحق في الهوية الثقافية، 3- الحق في المشاركة الثقافية، 4- حقوق التأليف والإبداع، 5- حق الاختلاف. و أثارت انتباهي في هذا المقال نقطتان أساسيتان :

- تحول الدول المتخلفة من المطالبة بالاستقلال الاقتصادي إلى المطالبة بالاستقلال الثقافي، نظرا لتباين موازين القوى، وعدم قدرة الدول المتخلفة على المواجهة وفرض شروطها.

- حق الاختلاف شعار يمارس عليه الاحتواء والإلحاق والتدجين، لطبيعة النظم الاجتماعية التي تفرض مبدأ الهوية لأن وحدة المجتمع ترتكز على هذا المبدأ، فالاختلاف يجب أن يحصل في إطار الوحدة، وأن حق الاختلاف دعوة إلى التفكك السياسي.

2 - الفصل الثاني - الكونيية والخصوصية في خطاب حقوق الإنسان :

تجد مقولة حقوق الإنسان جذورها في الدول الغربية، وقد دفعت إليها حاجة المجتمع وحركية الشعوب نضالاتـها. وانتقلت إلى الدول المتخلفة بدافع من النظم الغربية حين تم تحويلها إلى قوة إيديولوجية لمحاربة المعسكر الشرقي والدول الفقيرة، وتم تبنيها واستنباتها من طرف هذه الأخيرة إرضاء وطمعا في بعض المكاسب، متناسية النسيجيين الثقافيين المتغايرين، إلا أن طابع التبعية والمصالح المشتركة أملت هذا الواقع وذلك التهافت.

3 - الفصل الثالث - حقوق مطاطية أم حقوق حديدية :

مفهوم حقوق الإنسان مطاطي يشمل جميع الميادين والممارسات. لكن النظام والمجتمع يتدخلان ليكيفانه مع ثقافة المجتمع ومعتقداته ومع متطلبات النظام السياسي. فالحقوق الفردية تؤطرها الحقوق المجتمعية. وتتحول الحقوق الطبيعية بمجرد أن تمر عبر مصفاة المجتمع من حقوق رخوة ومطاطية إلى حقوق صلبة حديدية.

4 - الفصل الرابع - السوق الرأسمالية العالمية :

يتم استثمار حقوق الإنسان لتركيع الدول الفقيرة للقبول بسيادة النظام العالمي الجديد. فالدول الرأسمالية تطلب من دول الجنوب أو تطبق حقوق الإنسان في جميع الميادين. بينما دول الجنوب تطرح صعوبة تطبيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. بينما هدف دول الشمال من ذلك هو تحويل المواطن الثالثي إلى مستهلك عالمي. هكذا يتم توظيف حقوق الإنسان كحافز اقتصادي في خدمة الرأسمالية.

5 - الفصل الخامس - من صفاء المثال إلى كدر الاستثمار :

جوهر حقوق الإنسان (الحرية، المساواة، الكرامة) هذا السجل النظري بمثابة بناء نظري، لكن السجل العملي بخلاف السجل النظري الذي ينتمي إلى عالم الأخلاق والمثل - يرتبط بعالم الوقائع - حيث يصبح حينها الخصم وصيا و راعيا لحقوق الإنسان ويتم التمويه والتدجيل، باسم هذه الحقوق ترتكب أكبر الجرائم والخروقات، وعملية القلب هاته تمس جوهر الإنسان لأنها استثمار وتغليط.

6 - الفصل السادس - موت الإنسان :

موت الإنسان تعبير مجازي عن تقليص فعاليته، هذا التصور الفلسفي نشأ مع المدرسة البنيوية الحديثة. وخارج ذلك ازدهرت اتجاهات تنادي بحقوق الإنسان، وتدافع عنها بشكل خارق. هكذا محض العقل العملي قنطارا من الحقوق العملية، في الوقت الذي سلب العقل النظري الإنسان كل السمات التي محضتها إياه فلسفة الحداثة. فأي المنظورين أسلم وأصح؟ هل هما وجهان مختلفان لنفس العملة؟

7 - الفصل السابع - الطابع الأخلاقي للسياسة :

لا تحتاج السياسة للأخلاق إلا في الإخراج والتقديم. فهي هنا وسيلة لتمرير وتبرير وتجميل القرار أو الفعل السياسي. فقد اعتبر ميكيافيلي أن السياسة هي فن إدارة المصالح الذاتية والجماعية خارج الاعتبارات الأخلاقية والقيمة ويلاحظ زن خطاب حقوق الإنسان احتل حيزا كبيرا من الخطاب السياسي المعاصر فقد استخدمت هذه المقولة كإيديولوجيا ضد المعسكر الاشتراكي وكذريعة للتدخل ضد الدول المتمردة لترويضها وتركيعها. فهناك مفارقة غريبة بين الوعي واللاوعي. فالوعي يستسيغ الإبادات والحروب والتخريب، واللاوعي يلجأ إلى إضفاء طابع أخلاقي مثالي مهدوي خلاصي على الاستثمار الواعي. هكذا فمقولة حقوق الإنسان مطاطية مرنة تستعمل حسب الأحوال والمصالح والتبريرات.

8 - من التسامح كشفقة إلى التسامح كحق :

مقولة التسامح هي المسلمة الثقافية الأساسية للفكر الديموقراطي. فالإقرار بالحقوق وتساويها هي القاعدة القانونية المؤسسة للتسامح في مدلوله الحديث. ورغم كل المجهودات الحقوقية والقانونية لترسيخ مفهوم التسامح فهو لم يتحول بعد إلى سلوك يومي وقناعة ذهنية. فالنرجسية الفردية والجماعية وغريزة المصلحة ما تزال قرية وجاثمة على العقول في أنحاء المعمور.

9 - شروط المجتمع الديمقراطي :

لقد أضحى شعار الديمقراطية مجرد كليشيهات وشكليات تتبناه النخب والدول. وهذا الموقف الاختزالي التحريفي يؤدي الديموقراطية في جوهرها. فالديمقراطية هي التطبيق الفعلي لمفاهيم (الحقوق والحريات، التمثيلية، سيادة القانون، الديموقراطية، المشروعية، العقلانية في ترابطها معا) وإذ بطل عنصر منها بطلت الديموقراطية، وهي لا تتحقق فعليا إلا بتوافر بعض الشروط :

1 - الاستقلالية النسبية للمجال السياسي

2 - الفصل بين السلطات الثلاث ( التنفيذية، التشريعية، القضائية) إضافة إلى السلطة الرابعة (الإعلام)

3 - مجتمع مدني قادر على الدفاع عن نفسه

4 - توافر ثقافة سياسية للديموقراطية.

10 - التسامح والديموقراطية :

تطغى دينامية الصراع والتباري والتنافس في كل الميادين على آلية التفاهم والتسامح. والغريب هو أن أشكال اللا تسامح تنمو في هذا العصر السياسي الذي تزدهر فيه الفكرة الديموقراطية وحقوق الإنسان. ولتطبيق حقوق الإنسان يجب توفر شروط مؤسسة تؤطره وتحميه :

1 - نظام سياسي قائم على أساس المشروعية والديموقراطية

2 - مجتمع مدني متمثل للثقافة الديموقراطية الحديثة

11 - الديموقراطية : مطلب النخبة

المطلب الديموقراطي هو مطلب النخبة السياسية أكثر مما هو مطلب جماهيري.وأغلبية الرأي العام العربي لا تشاطر النخبة هذا الهم، فالأغلبية لا تطرح المسألة السياسية في صيغتها المجردة ( مؤسسات وتنظيمات) بل في صيغتها الملموسة، فالتفكير في الديموقراطية يتطلب قدرا من الثقافة ومن القدرة على التجريد، لا يوفرها المستوى الثقافي الحالي للمواطن العربي. وعدم تمثل الجماهير للمطلب الديموقراطي نعزوه لسببين:

- انحدار المستوى الثقافي - الانحدار الاجتماعي المعيشي، والنخبة مرتبطة بالديموقراطية لأسباب عديدة منها : 1- المستوى الإدراكي السياسي، 2- إمكانية انخراطها في الحياة السياسية، إذن فالمطلب الديموقراطي عند النخبة السياسية مطلب عضوي مهني، الديموقراطية إذن لعبة ذات حدين، 1- مطية للمجتمع إلى تحقيق التقدم إذا تحققت ضمن توازنات معينة، 2- مزلقا يقود إلى هاوية التفكك والحرب الأهلية، في واقع الجهل والتخلف واللاتوازن وتخلف شرائح المجتمع المدني.

12 - الرأسمالية هل هي ديموقراطية بطبيعتها :

إن الرأسمالية تشعل فتيل التنافس الاقتنائي الاستهلاكي وتدخل الجميع قسرا في الامتلاك والحيازة. ولكنها كذلك تولد ردود فعل حاقدة لدى الفئات المهمشة، وتوفر بالتالي الأرضية الملائمة للرفض والتطرف. فالطابع الاستهلاكي للرأسمالية يوفر شروط قبول الأفكار الديموقراطية الاشتراكية من طرف المواطنين. وإذا كانت الرأسمالية هي التي أفسحت لفئات الانخراط في العملية الإنتاجية والاستهلاكية تحت دعوى الديمقراطية، إلا أنـها لا تستطيع بحكم بنيتها الداخلية ذاتـها أن تسوي بين الجميع لأن في ذلك قتلا لجوهر الرأسمالية القائم على التفاوت والتنافس. الأستاذ سبيلا في كتابه الديموقراطية وحقوق الإنسان، ينطلق من معطى تاريخي باعتبار أن هذا المفهوم غربي النشأة، وقد أفرزته ظروف تاريخية معينة في إطار الصراع الدائر بين الطبقات الاجتماعية، ونضال الفئات المهمشة لفرض وجودها وحقوقها الإنسانية، ولقد ساعدت وقائع وأحداث كثيرة عبر حركية تاريخية طويلة المدى في أن تصبح الديموقراطية إحدى الآليات التي تحرك المجتمعات الغربية الديموقراطية. إلا أن هذا المفهوم كغيره من المفاهيم الإنسانية التي تدعو إلى العدالة والكرامة استغل بشكل سلبي عبر وسائط سلطوية سياسية واقتصادية واجتماعية:

1 - استثمار مفهوم حقوق الإنسان في الغرب لمواجهة المعسكر الاشتراكي وإبراز الوجه المشرق في الديموقراطية، وكيف يتمتع أفراد المجتمعات الغربية بالحرية والكرامة والتفتح. بينما الدول الاشتراكية تحكمها الديكتارورية والانغلاق وقمع الحريات والمس بكرامة المواطن وأمنه.

2 - التدخل في شؤون وسيادة الدول المتخلفة لأهداف مختلفة :

أ - من أجل تركيع الدول المتمردة والقبول بمنطق الغلبة والقوة.

ب - فرض تطبيق حقوق الإنسان على الدول المتخلفة على جميع المستويات، بهدف إيجاد سوق يبتلع ومنتوجات الدول الغربية.

3 - تطبيق الدول المتخلفة لحقوق الإنسان شكليا لتلقي الدعم والمساعدة من الدول الغربية. إلا أنها تركز على الجانب السياسي وترفض تطبيق الجانب الاقتصادي الاجتماعي لارتفاع تكلفة هذا الجانب.

4 - الدول الغربية تمارس فعلا مزدوجا فهي تستغل الدول الفقيرة وتتدخل في شؤون الآخرين، وتقتل الشعوب والدول الرافضة، ويمارس مواطنوها وساستها الكراهية ضد الأجانب باسم حقوق الإنسان. وهذا يدخل في إطار الاستثمار الواعي. بينما الاستثمار الأخلاقي يرتبط بالبنيات العميقة للوعي. فالوعي يصادر على الطابع المصالحي للسياسة، بينما اللاوعي السياسي يتمشدق بمبادئ وقيم الحرية وحقوق الإنسان والعدل، فالممارسة يؤطرها الوعي والتنظير يؤطره اللاوعي. كما طرح الكاتب مجموعة من الأفكار الهامة منها أن حقوق الإنسان تـهم النخبة في الدول الفقيرة أكثر ما تـهم عامة الشعب، لأن العامة مشغولة باليومي وبالبحث عن القوت والحاجيات. بينما النخبة بحكم وعيها وثقافتها واهتماماتـها ومصالحها في التنافس والاستفادة من الامتيازات التي تخولها لها الديموقراطية والتناوب على السلطة، فهي تعمل جاهدة لتأسيس تجارب ديموقراطية - رغم أن الشروط الاجتماعية لا توفر ذلك ولا تفتح إمكانية خلق مناخ ديموقراطي صحي وحقيقي - مما قد يؤدي إلى مزلق يقود إلى هاوية التفكك والحرب الأهلية. كما أن التسامح - إحدى المفاهيم الأساسية التي تنهض عليها فلسفة حقوق الإنسان - لا زال شعارا زائفا على صعيد المعمور، لأن طبيعة السلطة تميل إلى الاستحواذ والسيطرة والطغيان. ولأن شروط الديموقراطية كنظام ووعي وقاعدة فكرية متجذرة وسط الجماهير، لم تتحقق بعد.

هذه بعض الأفكار والمفاهيم والتصورات التي تناولها الباحث في كتابه، وهي أفكار وطروحات مبنية وممنهجة، يطبعها التفكير، والقدرة على الخلخلة وملامسة المسكوت عنه والمغيب، وفيها اشتغال هادف للذهن والوعي، وتعرية لثغرات الديموقراطية، وإبراز الأشكال المختلفة لاستثمارها. كما أن طبيعة المجتمعات المتخلفة يصعب فيها تحقيق الديموقراطية التي قد تصبح وبالا ومأزقا من مآزقها أكثر ما تفتح للمواطنين التطور والتفتح وتحقيق الكرامة والعدالة. في آخر مقال له يطرح الأستاذ سبيلا إحدى القضايا البنيوية العميقة، طبيعة النظام الرأسمالي اللاديموقراطي المبني على الاستهلاك والتطاحن والتفاوت. عموما استطاع الكاتب أن يبرز المفارقات الأساسية بين التنظير والممارسة، بين الوعي واللاوعي بين المواقف واستثمارها بين الغاية والواقع. وقد هداه وعيه وسعة فكره أن يلج إحدى المواضيع السياسية الإشكالية - الديموقراطية وحقوق الإنسان - متسلحا برصيد معرفي فلسفي أسعفه في تحديد زاوية النظر، وإثارة القضايا بنفس جديد ومنظار منفتح تركيبي متقدم.