إعداد: يوسف بن
عدي
تعتبر تجربة "دفاتر فلسفية" تجربة رائدة ومهمة في الفكر
الفلسفي المغربي. وهي تهدف إلى ترسيخ ضرورة ممارسة الترجمة من خلال نصوص تاريخ
الفلسفة. لأن هذه الممارسة هي الشرط الأساسي في نهوض الأمم والشعوب نحو التقدم
المنشود.
وهكذا فالتفكير في قضايا الترجمة ومشكلاتها لا يتأتى لنا إلا بمكابدة (Endurance) الفكر في ترجمة المفاهيم المناسبة لمفاهيم الفكر
المعاصر. اعتبارا لذلك فإن اختيار وترتيب النصوص الفلسفية في هذا المصنف، إنما
يصدر عن هاجس وإرادة في تنبيه المتلقي في حسن استثمار المفاهيم والمصطلحات في
المجالات الميتافيزيقية والفكرية.. ولهذا يطالعنا الأستاذان محمد سبيلا وعبد
السلام بنعبد العالي بكتاب جديد في خصوص الإيديولوجيا ويتسم هذا الأخير بنوع من
التفكير في كتابة تاريخ الإيديولوجيا، تلك الإيديولوجيات التي أضحت في سنوات خلت
نوعا من "الوهم والحلم والعدم" في وقت كان معناها الحقيقي والماهوي لا
يوجد إلا خارجا عنها. وهكذا كان الوقوف على ما في الأبنية التحتية شرطا حتى يتسنى
لنا التنبؤ بما سيطفو على السطح. ومن هنا فمصنف الإيديولوجيا من "سلسلة دفاتر
فلسفية"، هو في الواقع، إعلان عن ضرورة القراءة المضادة للإيديولوجيا، تلك
القراءة التي تستدعي الأرضية الفلسفية الحديثة، وفي عصر أضحت فيه الإيديولوجيا
والكليانية والكونية المتعالية في خبر كان..
إن العودة إلى الإيديولوجيا، في هذا المصنف، هو أيضا تأكيد لمنطق التعدد
والمنظورية الذي يرصد "النقط" التي تفجر المنظومة، والهوامش التي تكون
فضيحة لخرق قواعدها[1]،
بعدما كانت القراءة الإيديولوجيا تحافظ على البناء وتقهر الفوارق والتمايزات،
وتوحد رؤية العالم، فضلا إلى أن تأريخ المفاهيم الإيديولوجية في تاريخ الأفكار، هو
ضرورة يفرضها البحث الفلسفي.
إن كان الناس يعتقدون أن الانفلات من منطق الإيديولوجيات، هو فقط ترسيخ
لمفاهيم الفكر الإيديولوجي، ومصطلحاته.. فإن ذلك اعتقاد غير صائب، إذ أن منطق
الفلسفة إنما ينبهنا إلى قراءة النظم الإيديولوجية وتحولاتهما التاريخية والذهنية
قراءة داخلية وفي علاقتهما بالزمان.. حتى يمكن حينذاك نزع آثارها العالقة فينا. إن
"هدفنا أن نبين أن شعارات مثل موت الإيديولوجيا" لا تكفي وحدها للقضاء
على ذلك المفهوم، وإقصائه كأداة تحليل (صفحة5). ومن هنا كانت الكتابة الفلسفية
للأستاذين محمد سبيلا وعبد السلام بنعبد العالي، هي كتابة تنحو نحو ترسيخ ثقافة الحوار
والتعدد، ومنطق الاختلاف والذاتية المشتركة أو التذاوت(Intersubjectivité).
لقد احتوى هذا المصنف الثامن من سلسلة "دفاتر فلسفية" على
أزيد من ثلاثين نصا ضمن ثلاثة محاور أساسية وهي على الشاكلة التالية:
1 ـ التحديدات:
لقد شكل هذا المحور مداخيل قراءة هذا المصنف، حيث يرصد التحديدات
الأساسية للإيديولوجيا عبر أرضية فلسفية مختلفة المقاربة والتحليل، بدءا من هيغل
ومرورا بكارل مانهايم وألتوسير وانتهاءا عند فوكو. فرغم اختلاف هؤلاء المفكرين
والفلاسفة فإنهم جميعا يشتركون في اسم "الإيديولوجيا" والذي لا يخرج بدوره
عن دائرة التمثلات والوعي والوهم والسلب والإيجاب.
2 ـ الإيديولوجيا والماركسية:
لقد ارتبطت الماركسية بالإيديولوجية كارتباط النفس بالجسم، فأضحت
الإيديولوجيا تحيل إلى الماركسية والعكس صحيح. كما ارتبطت الإيديولوجيا بوظائف
مختلفة ومتباينة، لهذا رصد هذا المحور علاقة الإيديولوجيا بالانعكاس والدولة
والقلب..الخ. بخصوبة نظرية قوية، ويتجلى لنا ذلك من خلال النصوص المثارة لمحور
الإيديولوجيا والماركسية.
3 ـ الإيديولوجيا السياسية:
فلما كانت الإيديولوجيا تطمح إلى التوحيد المتعدد ولم شتات من الأفراد
والجماعات على أساس فكرة أو مذهب أو حلم غير متحقق. فإن الإيديولوجيا هي مجال
التنازع والصراع حول الاستيلاء على كميات من الواقع، وظيفتيها هي سيادة إيديولوجية
معينة على باقي الإيديولوجيات السياسية. واعتبارا لذلك، جاءت مواد هذا المحور في
إبراز ذلك الاستيلاء والتنافس انطلاقا من علاقة الإيديولوجيا بالقهر والاستبداد
وعلاقتها بالوطنية من خلال أسماء: بنيوتون وبخلر ودوبي وشاشلي وغيرهم..
إن هذا المصنف الخاص بـ"الإيديولوجيا" هو إعلان عن كتابة
فلسفية تقويضية لتاريخ الإيديولوجيات على محك الفكر المعاصر وتطوراته العلمية
والثقافية. فضلا عن أنه يرنو إلى إشارة عميقة وهي ممارسة الترجمة في الفكر الفلسفي
المغربي والعربي، عبر تاريخ الفلسفة، فضلا عن الهاجس التربوي المرسوم منذ بداية
هذه التجربة الرائدة والواعدة.
إن مستقبل الفكر الفلسفي لا يكمن إلا في ماضيه، والحنين إلى البدايات
(ليس بالمعنى التاريخي) وقراءتها وتأويلها وفق مستجدات الفكر المعاصر. ولعل ذلك
يستلزم التسلح بمرجعية فلسفية متفتحة التي تتسم بها تجربة "دفاتر
فلسفية" والتي هي أيضا سمة الفكر الفلسفي المعاصر، تلك التجربة التي تقارب
الهوية في تعددها، والإنسان في أبعاده، والديمقراطية في إنجازها n