في حوار مع
الأستاذ المهدي المنجرة:
المجتمع
الناشئ هو مجتمع معرفي بامتياز
حاوره: نزهــة بلخيــاط
يحي اليحياوي
1 – سؤال: الأستاذ
المنجرة، نبدأ معك هذا الحوار بتساؤل أولي عن سياق وطبيعة الطفرة التكنولوجية التي
يعيشها العالم في ميدان الإعلام والمعلومات والاتصال. كيف تقرءون هذه التحولات وفي
أي سياق عام تضعونها؟
ـ
جواب: أولا أريد أن أقول كلمة في حق هذه المجلة الفكرية التي أصبح لها اليوم إشعاع
ليس لدى المثقفين والباحثين فحسب، ولكن أيضا من طرف العموم كونها تقوم بمهمة
بيداغوجية وتربوية كبيرة، وأيضا كونها تلعب دورا حقيقيا في تبسيط بعض القضايا
الكبرى المطروحة. لربما قد يوجد من القراء من يتساءل: لماذا مجلة تهتم بالعلوم
الإنسانية وبالفلسفة والفكر عموما يتحول اهتمامها في محور عدد خاص إلى قضايا
الإعلام والمعلومات والإعلاميات، لماذا؟ الواقع، أنا لا أحثكم على جواب لذلك، لكن
المؤكد أن المجتمع الذي دخلناه منذ مدة هو، دون أدنى شك، مجتمع معرفي، لا يطال
مفعوله جانب الإعلام المباشر فحسب بقدر ما يمس مجموع المعارف الإنسانية المتواجدة.
المعرفة
الآن هي، إلى حد بعيد، مجموع المعلومات، والإشكال القائم هو في كيفية الوصول إلى
سر هذه المعلومات وسر هذه المعرفة. فإذا كان الشفوي –من ذي قبل- هو
"لغة" الإنسان الأولى، ثم كانت الكتابة والمخطوطات فيما بعد، ثم المطبعة
وما أتت به، فإننا اليوم قد دخلنا المجتمع المعرفي، أي المجتمع الذي أصبح فيه
للطاقة البشرية مكانة مركزية على اعتبار أنها هي التي من شأنها أن تتعامل مع هذا
المجتمع المعرفي من خلال التعامل مع المعلومات بكل أشكالها وعلى اختلاف أنواعها.
لو
تساءلنا عن السمة الجوهرية والكبرى لهذا المجتمع المعرفي لقلنا، دون مبالغة، إن
سمته الأساسية تتمثل في أن الحدود التي كانت، في الماضي، قائمة بين ميادين المعرفة
المختلفة قد انتهت أو شارفت على النهاية.
لكم
أتعجب (وأتحسر كذلك) لكون جامعاتنا (وجامعات العالم الثالث بوجه عام) لا تزال تقيم
اعتبارا كبيرا لهذه الحدود التي تعرقل مواجهة التحديات المعرفية المعاصرة من قبيل
تلك الموجودة مثلا بكلية الآداب بين التاريخ وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا
واللغويات وغيرها، أو تلك القائمة لحد الساعة بكلية الحقوق أو بكلية العلوم بين
البيولوجيا وبين سواها من العلوم الأخرى وقس على ذلك.
اليوم،
هذا التقسيم وهذا التمييز بين حقول المعرفة المتشعبة أصبح أمرا متجاوزا، على
اعتبار أن المعارف أصبحت متشابكة ولربما أيضا شبكية. فإذا كان القرن التاسع عشر هو
قرن الفيزياء بامتياز، والقرن العشرون هو قرن الكيمياء، فإن القرن الحادي والعشرين
سيكون، لا محالة، هو قرن البيولوجيا!
لماذا
البيولوجيا؟
لأنني
أعتقد أن أي تقدم في المعلوميات أو في الإعلاميات سيأتي، بطريقة أو بأخرى، بواسطة
"النظام البيولوجي" بالمعنى النسقي للكلمة، سيما إذا علمنا أن حل مشكل
في الكيمياء قد يأتي من الرياضيات أو العكس، وهكذا بالنسبة للعلوم الأخرى.
للتدليل
على ذلك، أذكر أنه كانت هناك بالولايات المتحدة الأمريكية، منذ مدة، لجنة عليا تضم
رؤساء أهم الجامعات الأمريكية أوكلت لها مهمة البحث والتفكير في القطاعات التي كان
لهذا البلد عامة خصاص فيه، وفي الميدان المعرفي على وجه التحديد.
المدهش
أنه من النتائج الأساسية التي ترتبت عن أشغال هذه اللجنة أنها اعتبرت أن أكبر المعوقات
التي تحول دون تقدم الإعلاميات والمعلوميات بوجه عام، تتمثل في النقص الكبير
والمتزايد في عدد الفلاسفة.
أذكر
هذا لا لأبين العلاقة الحقيقية بين الفلسفة والمعلوميات فحسب، ولكن أيضا لأدلل على
أن المعلوميات الحديثة والمعاصرة هي –في الأصل- مبنية على شيء اسمه L’Algorithme.
هذه
العبارة ذات منبع عربي لكونها أتت من لدن عربي (هو الخوارزمي). لكن لحد الآن لا
نجد لغويا عربيا مختصا في قضايا اللغة العربية أو في وضع القاموس عمل على ترجمتها
إلى اللغة العربية؛ بالتالي، فنحن مضطرون لاستخدامها بغير اللغة العربية لأننا لا
نتحكم في الكلمة ولا نملك سلاح التطبيق بها أو من خلالها.
ما
معنى هذا؟ معناه أن الإشكال اليوم يكمن في المعادلة القائمة بين مجموعة العناصر
المختلفة المكونة للحاسوب والتي تمكنه من "التكلم" والتخاطب مع حواسيب
أخرى.
ومعناه
أيضا أنه يجب أن تتوفر على تكوين فلسفي (وإن كان ذلك غير كاف)، ويجب أن تكون مطلعا
على العلوم الأخرى من معلوميات، وجبر، ونحو أيضا، لأن الإعلاميات نحوٌ، ما دامت
مجموعة مفردات وكلمات ومصطلحات ورموز، لكن الأساسي في ذلك النحو هو طريقة ربط
العناصر بعضها مع بعض لتكتمل المعلومة ويتوفر المعنى.
ما
المقصود من كل هذا؟ المقصود منه هو التركيز على سمة التكاملية التي يجب أن تكون
بين العلوم الإنسانية والاجتماعية والتطبيقية وغيرها، لأن "اجتماعها"
وتكاملها وانصهارها هو مفتاح التقدم في هذا الميدان وبالتالي مفتاح المستقبل.
من
هنا ارتياحي، مرة أخرى، لكون مجلة فكر ونقد فتحت هذا الملف لتفتح من خلاله النقاش
(وهو الأهم في نهاية المطاف)، على اعتبار أن من شأن هذا أن يساهم في إزاحة التقزز
أو الخوف الذي غالبا ما ينتج كلما استخدم مصطلح معلوميات أو حاسوب أو برمجيات أو
غيرها.
2
– سؤال: من المهتمين بقضايا المعلومات والإعلام والاتصال من يعتبر أننا اليوم إزاء
تسارع حقيقي في إنتاج المعلومات والمعارف فإزاء تزايد كبير في وتيرة انتقالها
وتداولها لم يسبق لذلك مثيل في تاريخ البشرية. ما رأيك في ذلك وأين يتمثل التزايد
والتسارع؟
ـ
جواب: أؤكد –مرة أخرى- أن البشرية دخلت مرحلة جديدة من التطور الفكري والمعرفي.
وأؤكد كذلك أن من لا يعرف اليوم ما هي البيولوجيا وما هي علوم الحياة الأساسية وما
هي النورولوجيا والطريقة التي يشتغل بها الدماغ وما هي الجينات وما هي العلوم
النباتية وغيرها، أقول إن من لا يعرف هذه العلوم لا يمكنه أن يعرف سمات مجتمع
المعرفة الذي أتحدث عنه. بالعودة إلى السؤال، أقول إن التفرع كبير والمعرفة بلغت
درجة لم يعد الأساسي فيها هو ماذا تعرف فحسب، بل أيضا ماذا تعرف عن الذين يعرفون.
ماذا أعني؟
أعني
بالأساس أن طيلة العشرة آلاف سنة الماضية، أصبحت المعارف الإنسانية تتضاعف كل سبع
سنوات؛ هناك ستة إلى سبعة مليون مقالة علمية تصدر سنويا في أكثر من خمسين ألف مجلة
متخصصة؛ بشبكة الانترنيت، محرك البحث "ياهو" يحتوي على ما يناهز مليار
وثيقة بوتيرة وثيقة كل ثانية لو أراد الفرد فقط تعدادها لتطلب منه الأمر خمسين سنة
وأكثر. الكم، إذن، موجود وكذلك النوعية والسرعة، سرعة تداول المعلومات والمعارف.
كيف،
على هذا الأساس، لمؤسسات كانت قائمة مثلا في القرن التاسع عشر (أحزاب أو منظمات أو
برلمانات…إلخ) كيف يمكن لها أن تتعايش مع هذه الثورة وتساير هذه الطفرة؟ فالتركيب
العقلاني تغير بصورة جذرية، والتعليم مثلا لم يعد يتطابق والتقسيم القائم بين ما
هو ابتدائي وثانوي وتقني ومهني وغيرها.
اليوم،
الأطفال يتعاملون مع الحاسوب ومع الانترنيت، وهناك برمجيات معلوماتية مخصصة
للأطفال من ستة أشهر إلى 18 شهر، ومن 20 شهر إلى أربع سنوات وهكذا.
كيف
لمؤسسات التربية والتعليم والشغل والتنظيم أن تتكيف مع درجة السرعة هاته، ومع
التطور المذهل الذي تعرفه المعرفة على اختلاف مشاربها؟ كيف لهذه المؤسسات
التقليدية أن تساير الركب و90% من المعارف الإنسانية أنتجت خلال الثلاثين سنة
الماضية فقط، والاختراعات لا تتوقف. بالتالي فليس هناك أدنى شك في أن الاختراع
والابتكار هما الثروة الحقيقية والبحث العلمي هو الركيزة في ذلك.
فضلا
عن ذلك فالمعلوميات أثبتت أن البحث العلمي لا يتم فقط في المختبرات والمعاهد
المتخصصة، لكنه يتعداها ليطال أيضا اللغة والشعر والأدب والموسيقى والفنون
التشكيلية والمسرح وغيرها؛ ناهيك عن تكريسه للتنمية والتقدم وقيم حقوق الإنسان،
وهكذا.
3
– سؤال: بعدما فشل النظام العالمي الجديد للإعلام الذي دفعت به اليونسكو منذ عقدين
قصد إقامة توازن في تداول المعلومات، هل نحن حقا –في الوقت الراهن- إزاء علاقات
إعلامية عالمية طرفاها هم "الأغنياء معلوماتيا" و"الفقراء معلوماتيا"
Inforiches
et Infopauvres في زمن لا حديث
فيه إلا عن العولمة والتنافسية؟
ـ
جواب: هذا النظام لم يفشل إنما حورب من لدن التحالف الأنجلو-ساكسوني الذي كان ولا
يزال يتحكم في أكثر من 70% من خيرات ومعلومات العالم.
المثير
أن هذا الحلم الذي دفعت به دول العالم الثالث داخل اليونسكو لم يمت بدليل
"تبنيه" من لدن آل-غور عندما دفع بمشروعه في "طرق الإعلام
والمعلومات السيارة" وخطابه عن "المجتمع الإعلامي العالمي"
و"النظام الجديد للإعلام الكوني" وما إلى ذلك.
هذا
المشروع وهذا الخطاب يلتقيان مع "ظاهرة العولمة" في كونهما يؤسسان
لطبيعة الهيمنة الجديدة التي بدأت تبرز بجلاء منذ مدة.
السوق
والطرق السيارة هما سبيلا هذه الهيمنة الممارسة على شعوب هي بالأساس في انفصام تام
مع ما يعتمل في عقول الحكومات. بالتالي فالفقر والغنى موجودان أسلمنا في ذلك
بالعولمة والإعلاميات والمعلوميات أم لم نسلم؛ كونية الكوارث البيئية حقيقية كذلك
سواء رفضنا العولمة أم قبلناها.
لكن
المفارقة هي أنه في زمن العولمة وتداول المعلومات والمعارف نلاحظ أن سبل الهيمنة
قد تحولت طبيعة وطريقة.
أولا
نلاحظ اليوم أن الولايات المتحدة الأمريكية قد أقامت محطات أرضية وفضائية تمركز
بين يديها أكثر من مليارين من المكالمات الهاتفية والرسائل عبر التلكس والفاكس
والمعلومات الإلكترونية، تحللها وتدرسها وتبني سياساتها على أساس من هذه المعطيات.
ثانيا، الاستراتيجي –في الوقت الراهن- لا يكمن في عدد الأسلحة أو التواجد العسكري
عبر القواعد في الأرض أو بالبحر، بقدر ما يكمن في امتلاك "السلطة
الناعمة" (Softpower)
والتي تحدث عنها ريتشارد نايف في إحدى أعداد فورين أفيرز الذائعة الصيت (مارس
1997).
هذه
السلطة الناعمة هي التي يقول عنها ناي أووينز: "السلطة هي القدرة على بلوغ نتائج
محددة عن طريق الاستقطاب دونما حاجة للجوء إلى الترهيب" (راجع مجلة فورن
أفيرز، عدد مارس 1996). بالعودة إلى سؤالكما مرة أخرى أقول بأن هناك في حقيقة
الأمر دولا فقيرة معلوماتيا وأخرى غنية، وهو ما تقيسه اليونسكو وغيرها بعدد الكتب
الموجودة وعدد المكتبات وحجم القراء ومستوى الارتباط بشبكة التلفزيون والإذاعة
وغيرها.
هناك
فجوة، حقيقية، بين دول العالم الثالث والدول المتقدمة في هذا الميدان، كما كانت من
ذي قبل وما تزال، على المستوى الإنتاجي.
لكن
الأخطر أن الفجوة المعرفية من شأنها أن تخلق فقراء جدد وأغنياء جدد لا يتمثل
التمييز بينهم بالاحتكام إلى الرأسمال المادي ولكن بمدى ومستوى معرفتهم بالعلوم
والتقنيات والتكنولوجيا.
صحيح
أن قيمة رأس المال قد تراجعت وقيمة المعرفة في تزايد. وصحيح أن "أهل
المعرفة" الجديدة أصبحوا سلطا حقيقية كما هو الحال مثلا مع ميكروسوفت وغيرها
أي أن المال والمعرفة تحولا مجتمعين إلى سلطة. هذا المجتمع المتشكل لا يقبل الأمية
بطبيعته، تماما كما أن الصدقة لا تحل المشاكل. وبالتالي فظاهرة الأمية تحيل صوبا
إلى "الحق في توزيع المعرفة" بدول العالم الثالث، والأخطر أن الأمية
توظف سياسيا للإبقاء على واقع الاستمرارية المعتمد.
الأمية
إشكال سياسي بامتياز ولا يحيل إلا نسبيا على الإشكال التربوي أو التعليمي أو
البرامجي أو إلى هجرة الكفاءات حتى.
هي
نتاج نماذج تنموية تجووزت ببلدانها الأصل ولا زالت معتمدة بدول العالم الثالث، لأن
هذه الدول لم تبن بعد نموذجها وفق رؤيتها الخاصة للحاضر والمستقبل، الرؤية القائمة
على المشاركة والتشارك وتوزيع المعرفة. لماذا؟ لأن الرؤية قيمة (أو مجموعة قيم)،
ولأن المعرفة قيمة كذلك ولأنها الرأسمال الجديد بدون منازع.
4
– سؤال: الملاحظ أن الأميين أنفسهم لم يعد تحديدهم مقتصرا على "المعرفة"
الأبجدية، بقدر ما تعدى ذلك إلى الجهل بمستجدات العصر المعرفية.
ـ
جواب: من دون شك، إذ يرى "ألفن توفلر"، أن الأميين مستقبلا لن يكونوا
أولئك الذين لا يقدرون على القراءة والكتابة، ولكن أولئك الذين لا يعرفون كيف
يتعلمون، يعيدون تعليمهم ويتعلمون من جديد".
هناك
إذن ضرورة حتمية للتعلم وإعادة التعلم إلى ما لا نهاية سيما وأن المعرفة بدأت
نسبيا "تتدمقرط" ورأسمالية المعرفة تتكرس يوما بعد يوم. وهذا أمر خطير
بالنسبة لما أسميهم بـ"الشيخوقراطيين"، وكذلك "للإقطاع
الجامعي" الذي لا يجدد معارفه ولا يؤمن بالتعلم المستمر ويشتغل وفق نظرة
طائفية (Sectariste) ضيقة ولا يرضى بأن يعرف طالبه أحسن منه. من جهة أخرى فإن أي
إصلاح تعليمي لا يأخذ بعين الاعتبار هذه المعطيات سيبقى دون جدوى، وأي إصلاح لا
يأخذ الأمر وفق تصور بنيوي سيكون فاشلا على اعتبار أن مشكل التعليم قد لا يكون في
التعليم تماما كما أن مشكل الصحة قد لا يكون في الصحة ومشكل الفلاحة قد لا يكون في
الفلاحة وهكذا. الثورة المعرفية هي تحد حقيقي للحكومات، للعقليات غير المتجددة
ولنماذج التنمية القائمة لا ببلادنا فحسب، بل كذلك بالنسبة لدول العالم الثالث
الأخرى.
5
– سؤال: هل هذه الثورة هي كذلك تحد بالنسبة للغات التي لا تنتج بها هذه المعارف أو
على الأقل تروج بها؟
جواب:
هذا أمر واقع وليس تحديا فحسب، لماذا؟
لأنه
حتى وإن كانت اللغة الإنجليزية هي المهيمنة في شبكة الانترنيت مثلا أو في غيرها،
فإن العديد من الدول غير المنتمية للفضاء الأنجلوساكسوني قد استطاعت أن تنتج
المعارف والمعلومات بلغتها. الياباني مثلا ينتج لجامعته باللغة اليابانية وينتج
"للآخر" باللغة الإنجليزية.
معنى
هذا أن المرجعية هي الأساس وليست اللغة في حد ذاتها. من ناحية أخرى، فالعمق
الحضاري لأمة ما أو لدولة ما هو أيضا حافز على إنتاج وتوزيع المعرفة. فالهنود
والباكستانيون والأسيويون عموما الذين يعملون في "سيليكون فالي" يحتكمون
إلى عمق متجذر في التفكير الفلسفي، في المنطق وفي التمثل العقلاني للأمور (وهي
الروافد التي تتطلبها صناعة البرمجيات واللوجيسيالات وغيرها)، في حين أن الحضارة
الغربية (عكس ذلك) لا تحتكم إلا على حوالي ألفي سنة.
من
هنا التأثير المباشر للمرجعية الحضارية والقيمية في التعامل مع مجتمع المعرفة،
بالتالي ففي هذا الإطار يجب أن يوضع قرار المستشار الألماني مؤخرا بمنح أكثر من
ثلاثة آلاف تأشيرة للخبراء في المعلوميات والإعلاميات.
6
- سؤال: هناك إذن استقطاب لأدمغة الجنوب من لدن الشمال على مستوى الممارسة، وتهافت
كبير لدول الجنوب على اقتناء تقنيات الشمال المعلوماتية؟
ـ
جواب: الأعمق من ذلك أن أي مجموعة اقتصادية لا تتوفر على سوق من 400 إلى 500 مليون
مستهلك لا مستقبل لها على وجه الإطلاق.
فالبحث
العلمي عملية مرهقة وطويلة ومكلفة ومردودية مخرجاته تتطلب فضاء اقتصاديا من حجم
يؤمن هذه المردودية.
هذه
الملاحظة لا تطال فقط سوق التقنيات الإعلامية والمعلوماتية وبرامجها بقدر ما تطال
كذلك كل الأنشطة الإنتاجية الأخرى من صناعية وخدماتية وغيرها. المجموعات الاقتصادية
الكبرى المتواجدة حاليا فهمت التحدي مبكرا وبدأت تعمل باتجاه التوحيد والتوحد
والدخول في مشاريع مشتركة وبرامج موحدة. لكن الحاصل بالنسبة لنا كدول عالم ثالث
أننا نجنح أكثر إلى التفرقة والتشتت وتشديد الحدود واللوائح الجمركية القطرية وما
سواها من ممارسات. ليس من المستبعد –بناء على هذا- أن يكون لفعل العولمة أثر في
توحيدنا سيما وأنها تطالب بإزاحة الحدود وفتح الاقتصادات بصورة كاملة.
ما
المقصود من هذا الكلام بالعودة إلى السؤال؟
المقصود
هو التساؤل عن مكانتنا في هذا المجتمع المعرفي المتشكل. دخول هذا المجتمع مرهون
بوجودنا كمستهلكين للمعلومات والمعارف المتاحة ولكن وبالأساس كمنتجين وكفاعلين.
هذا
يتطلب إقامة البنى التحتية لذلك، ويتطلب توفر الإرادة السياسية للدفع بهذه البنى
وتعميمها ويتطلب –قبل كل هذا وذاك- الاحتكام إلى رؤية، وعدم جهل ما هو الجهل.
في
غياب هذه الشروط فإنه من الوارد أن نتحول إلى مستعبَدين في عهد ما بعد الاستعمار.