ص1      الفهرس     21-30

هندسة لأجل الذكر والفكر

ابن عربي – نيتشه

 

بودومة عبد القادر

"خلق الله العالم، في ظلمة.."

ابن العربي محي الدين، فتوحات مكية، الجزء الثاني، ص56.

"قد يكون من الضروري، أن نفهم يوما وربما يكون هذا اليوم قريبا.

ما ينقص مدننا قبل كل شيء أماكن للصمت"

فريديريك نيتشه، العلم المرح

                                                                                                     شذرة 280، ص187

ما الذي يملأ الفضاء؟ إنه السفر والسفر هو قبل كل شيء حركة في الفضاء[1]. إن النص العرفاني –خطاب الصوفية- غني بالتجوالات والترحال وبأسماء الأمكنة التي سافر إليها المتصوف. إنه البطل الذي تحركه الحركة بفضل المخاطرة وعدم الاستقرار في مكان ما. والهندسة وحدها بإمكانها رسم وتنظيم تجوالات هؤلاء الأبطال، فهل يمكن أن يقدموا لنا ما هي المدن التي مروا بها بالتحديد؟ إن "منشأهم هو أي مكان ولا مكان"[2]. لقد قطعوا كل الروابط انطلاقا من نقطة غير محددة، يحدث أن يحنوا إليها، غير أنهم لا يعودون أبدا إليها إذ ليس للسفر نهاية على الرغم من وجود بداية له. وهكذا لا يكون الوصول إلا للانطلاقة من جديد. الثبات والاستقرار في موقع من الفضاء ذلك ما يمكن أن يكون في النص العرفاني. وإذا كانت الهندسة فعلا بمثابة فكر المكان يكون من الأفضل أن نبدع إذا خطابا يهتم بما يقال عليها كفن (Comme art). وأجد أن الخطاب العرفاني، الحقل المعرفي الذي بإمكانه أن يقدم لنا فهما مميزا، فابن عربي Ibn Arabi ونيتشه Nietzsche ودي سارتو De Certeau.. والذي يفكر في مثل هذا الموضوع لا يمكنه أن يتواجد في مكان ما "وأفضل مكان للإنسان هو المتاهة Labyrinthe إنها الرغبة القوية التي تجعله يعيش فيها، لأنها أحسن موقع للاتموقع، انظر إليها (المتاهة) ستدرك حقيقة هذا اللاتموقع"[3]. ذلك أنه سيعلن عن عدم إمكانية تحديده إذ يعتبر نفسه خارجا وبعيدا عن كل موقع، وهنا يكمن سبب تعدد معاني الهندسة، لأنها لا تترك له المجال لأجل التموقع. ولنعلم أن هذا الـ "غير موجود" موجود في كل مكان[4] يشغل فضاء منفتحا، عالما بشكل آخر. هذا هو هدف كل معماري. ويوصينا نيتشه أن الأمر لا يتعلق أبدا بعظمة البنايات وضخامتها بقدر ما هو مرتبط بروعة وجمالية الهندسة الكامنة فيها"[5]. وأهمية أية هندسة تكمن في مقدرتها على الانفتاح على الأمكنة المتعددة بهدف تفعيل الفكر الهندسي المتميز والخصوصي. فما نريده وما ينبغي التعجيل به هندسة تفكر وتحسن التفكير. فهي كما يراها المؤرخ المعماري كريستيان نوربارغ شولتز Christian Norberg Schultz "هندسة تساهم في ترسيخ معان الوجود"[6].

كلمة (Architecture) الهندسة المعمارية مشتقة من الجذر الإغريقي Arche وتعني البداية (Commencement) أو الأصل والمبدأ (Principe/Original) أما الجذر (Tektonikus) تعني التشييد. ولما نحدث التقابل بين الكلمتين (الجذرين) يصبح المعنى محورا ويظهر توافق منسجم إذ تصبح (Arché-Techtonikus) بداية النظام والترتيب، لأن هذا النظام ميزة فن التشييد فهي تنسج نماذج منسجمة تحاكي بعضها البعض. وهذا ما أكد عليه أفلاطون Platon في تأملاته حول الهندسة، إذ اعتبرها فنا منتجا Art de production. ونخلص من خلال هذه الاشتقاقات إلى المعنى الذي تحمله كلمةArchitecture [7]. فهندسة المعمار بناء وصرح وانسجام للأفكار، رحلة تسافر وتتحرك على الدوام، وبين الاستقرار والحركة سير عجيب، سفر داخل الكون، داخل الصرح. ذلكم هو سر الانجذاب العجيب والمميز لدى ابن العربي محي الدين ونيتشه فريدريك حول الأمكنة التي ارتحلوا إليها.

قد ندري أو لا ندري، ننتبه أو لا ننتبه إلى ما يحيط بنا في خلال إقامتنا في هذا العالم وسفرنا في هذا الكون، ولكننا في سعينا الدائم نرتقب دوما ارتقاب الأصل وبلوغه، ويجد كل واحد منا في بحثه عن الأصل، مضطرا إلى التخلي عن مسقط رأسه. وهذا حال عرفاني أصحاب المقام. والمقام Ort[8] هو المكان الذي يتكلم منه المبدأ الأول، والمقام مرتبط بالسبيل الذي يسمح لنا التماسه. إذ كل شيء مرتبط ومقترن بالسبيل أو متوقف عليه وكل ما علينا إدراكه لا نكتشفه إلا عبر ومن خلال السفر وكل ما يمكننا إدراكه، النص العرفاني، ندركه على رصيف الطريق. إذ المبدأ العظيم (الله) القائم في المقام الأكبر يحكي لنا عن هندسة لأمكنة دون الكلام.

لنقف عند ابن العربي وعهد المور L’âge Maure عندما كان المسلمون متواجدين في الأندلس، كلمة مور مشتقة من الجذر الإغريقي Mauros وتعني الظلمة والسواد والقاتم والدامس Obscure/Sombre. والهندسة المعمارية المورية Architecture maure تصور لنا المساجد والكنائس والمتاحف وهي مظلمة وتخترقها أنوار الشمس من بؤر صغيرة، وشموع تعكس إشعاع وظلال الأواني. وابن العربي في الفتوحات المكية يقول "خلق الله العالم في ظلمة"[9] فلما التفت الروح حسب ابن العربي إلى سيده وقال سمعت أن لي كنزا مخبأ فأين هو يا سيدي؟ فقال له إبحث عنه. وذهب الروح في طول السموات والأرض كالمجنون يبحث عن كنزه وهو يجهل أنه فيه، فرجع خائبا يائسا من البحث، فقال له السيد كنزك فيك! فارتفعت همته وتأمل ذاته فإذا الشهوة Plaisir  تسري فيه فانبثقت عنه النفس "مثلما انبثقت حواء عن آدم فشعر آدم بلذة سرت في جسده ثم اجتمع مع حواء فاستأنس وسكن إليها يطلب اللذة". هذا المقطع سماه ابن العربي مأساة الروح في السماء. وهكذا سكن آدم في حواء وسكن الله في آدم وفيهما تسكن حواء. كذلك هذا أحب الالتذاذ فأحب المكان الذي يكون فيه وهو المرأة. فمن هناك وقعت المناسبة وأجّها وأكملها، فإنها زوج أي شفعت وجود الحق كما كانت المرأة بوجودها الرجل فصيرته زوجا. فظهرت الثلاث حق-امرأة-رجل. فحنين الرجل إلى ربه هو أصله حنين المرأة إليه[10]. لا أريد الخوض في مسألة نشأة الكون لأنه يطول تناولها. لكن لا بأس أن نثير ما يوجد فيها من ربط لموضوع مقالنا، بالنفس تولدت الممكنات (المطوقة الورقاء)[11] فقال تنفسي بذكري ولتظهر عنك كلمة أمري فتنفست تنفسا مثقلا، فإذا بالغريبة العنقاء قد غمرت العقل. "فسلوا العنقاء عن شأنها فستخبركم بما أودع الحق فيها من لطائفه ومنها من عوارفه"[12]. ويمكننا القول أن عسر الانبثاق وألمه أدى إلى الاستعانة بالكلمة التي صدر عنها الأمر. فقوام الأمر كـن فكان الوجود. والأمر كما تلاحظ كلام اشتق من الكلم بمعنى الجرح فانكشفت الغمة وانبثق الوجود عن النفس. والجرح يفترض بالنسبة لابن عربي الخلق والتكوين. وإذا كان البرق يخلق الكون كما أكد هيراقليطس[13] Hiraclite فإن الجرح يخلق الإنسان. إن الجرح هو لحظة الصدور، لحظة الميلاد والظهور، فاشرأبت كل الكائنات بعد الخلق متوجهة نحو الخالق.

أحب الحب  والحب يحبني      Je suis amoureux de l'amour

الجسد يحب الروح    والروح تحب الجسد   et l'amour est amoureux de moi

ويقول في فصل (حكمة فردية في كلمة محمدية) قوله في باب المحبة التي هي أصل الموجودات:

يحن الحبيب إلى رؤية     وإني إليه أشد حنينا

وتهفو النفوس ويأبى القضا   فأشكو الأنينا وتشكو الأنينا[14]

إنما كانت إذا حكمته فردية لأنه أكمل موجود  في هذا النوع الإنساني. ولهذا بدأ به الأمر وختم به، فكان إذا لابن عربي أن التمس شافعة المقام الأعظم بذكر لا منقطع بانتقال وسفر مستمرين من الأندلس إلى أن استقر به المقام في دمشق مرورا بالحجاز، اتسعت رقعة شيخ المتصوفة وباتساعها ازداد التبحر في التأملات عبر أمكنة محددة خلقت له مواقع وفضاءات الاختلاف إلى أن أكد بأن الهندسة مثل هندسة مور تتداخل فيها الديانات اليهودية والمسيحية والإسلام. إنها بمثابة حقيقة الوجود الواحدة وعبر المعمار تتوحد حقيقة الوجود الهندسة المعمارية كانعكاس ضمن هندسة الأفكار"[15] L’architecture des idées؟

هل فعلا ما زال يوجد أعلى وأسفل؟ وهل يجدي نفعا الحديث عن مثل هذا الفضاء؟ كيف ستكون هندستنا؟ هل بإمكان منازلنا (مساكننا) الثبات أمام المستقبل؟ سنغادر الأرض! أبحرنا، تركنا وراءنا الأرض! فويل لك لا يوجد مبدئيا ما يسمى أعلى وأسفل ولكن كل ما يمكن الحديث عنه هو وجود عتبات Des seuils مختلفة وأمكنة بدون معايير أو مقاييس[16]. فكان أن برز التأكيد النيتشوي بأنه ينبغي علينا يوما ما أن ندرس جيدا جغرافية زراديشت Zarathoustra، وعلينا أن نشك قبل كل شيء بأنه لا يوجد أي مكان محدد. إذ مع الإعلان عن موت الإله ضيع  الإنسان موقعه ضمن نظام الخلق، ما بين الخير والشر، ما بين السماء والأرض، وجد نفسه مستقبلا من طرف الانحطاط والاضمحلال والاندثار. حذار إذا أن يستولي عليك الحنين إلى الوطن كما لو كان هناك فيه حرية أكثر، والحالة أنه لم تعد هناك أرض! كل ما يوجد كنائس أشبه ما تكون بقبور ومدافن فكان من الأفضل أن لا يولد الإنسان وإن حدث وأن ولد عليه أن يعجل بالموت أو أن يسرع إليه، والألم التراجيدي هو ألم التحولات والتغيير ومن خلال هذه الآلام والطقوس التراجيدية وفي قوة المشاركة تتولد النشوة وتتغلب على الآلام. لكن هل ينبغي أن تنتهي آلامنا؟ خاصة إذا علمنا أن الإنسان الأعلى Uber Munch لا يرغب العيش إلا في الأماكن الوعرة والمملوءة بالمخاطر[17]، ورغبته هذه تجعله يؤكد ذاته عبر إرادة القوة وحبه للحياة والتمتع بأجمل ما فيها من لحظات أهلته لأن يتغلب على المشاق والآلام، وستتحول هذه الإقامة بمعزل عن الإنسانية إلى الحنين والتوق لمعايشتها لكن بما تمليه عليه إرادته سيغدو كالطائر محلقا في الهواء يتأمل البنايات المشيدة والمزخرفة ويتأمل منازل شيدت على صفوف الجبال تعانق بعنف الطبيعة وتحاول تملكها. هذا ما تقوله هندستنا. ولحظة مغادرته قمم الجبال وتركه للعزلة والوحدة، أعلن عن ميلاد هندسة جديدة لأولئك الذين يحبون التأمل: "لقد ولت العهود التي كانت فيها الكنيسة تحتكر التأمل التي كانت فيها"[18](Vita contemplativa-Vita religiosa) في المقام الأول وكل ما شيدته الكنيسة في هذا المضمار يجسد هاته الفكرة. إذ هاته البنايات باعتبارها بيوتا للإله وأماكن فخمة للمتاجرة مع الماوراء تتكلم لغة Langue جد مؤثرة ومرغمة لكي نستطيع نحن الذين لا نؤمن بأي إله أننفكر فيها أفكارنا الخاصة، إن رغبتنا هي أن نرى أنفسنا نحل في الحجر والنبات، أن نتحول داخل ذواتنا..[19] وترسم هندسة نيتشه[20] نماذج تترك الإنسان حرا وتفتح أمامه فضاءات واسعة وهذا ما يؤهله إلى كتابة تأملات جميلة عن تجواله الطويل في المدن: "جنوة، لقد تأملت هاته المدينة خلال مدة، تأملت منازلها وباديتها وحدائق النزهة فيها، تأملت الضواحي الفسيحة لمرتفعاتها وتلالها المأهولة"[21]. ما نرغب فيه هي أماكن رحبة نمارس فيها فكرنا الخصوصي، أماكن تجعلنا يقظين، متغطرسين، أشداء تحدونا رغبة التملك تملك الطبيعة وبالتمالك للأمكنة ترسخ تأكيد الذات: "أدرك قدرك! هكذا قالها وبكل حسرة أتشع، أنا بالقرب منك، تعال لحظة معي لأجل أن نبدأ وحدتنا الأزلية"[22].

عندما تتحول هندسة المعمار إلى حقل للتفكير والتأمل، تغدو بمثابة الفضاء المتعدد الأمكنة الذي لا يحويه مكان واحد ولا يمكن تحديده بمقاييس العقل. ينفتح هذا الفضاء عبر نوافذه المطلة على مدن  بناياتها جسورة وسامية وحدائقها شاسعة، وبكل أبعاد الهندسة الفنية والجمالية تعكس من وراء ذلك رؤية الإنسان إلى الحياة والكيفية التي ينبغي أن يقبل عليها. كل هذا يشكل لنا نصا عرفانيا يحمل خطابا متميزا حول المدينة بصورة أخص. لماذا المدينة؟ باعتبارها نسيج عمراني تنسجم فيه هندسة وجغرافية بناياتها (المدينة) المرئية[23]، يغدو من داخلها المعاش Actuel/Vécue مختلفا على الدوام[24]. فحركاتنا اليومية داخل شوارع مدننا، هذه المدن التي اقترح هندستها  ابن عربي ونيتشه يمكن اعتبارها خطابا يحمل حيويته الخصوصية بحيث سمة الاختلاف ستطفو وتتجلى بصورة عميقة، أين يصبح فيها فعل المشي[25] مثلا في حد ذاته مختلفا، يحمل تضمين لمنطوقات Enoncés ولعبارات Enonciations متميزة. فابن عربي عندما يتحدث عن القدمين يشير إليها بصورة رائعة ودقيقة إذ: تمثلان عنده الخلق والأمر. الإبداع في الخلق والممارسة في الأمر. فالمشي بالنسبة إليه تعبير وممارسة، تفكير ونشاط، خطاب وحب[26]. وهناك حسب نيتشه من أساليب العقل ما يكشف الأصل العامي والشبه العامي حتى لدى المفكرين. "المشية" وخطوة أفكارهم هما اللتان تفضحانهم بصفة خاصة، فهم لا يعرفون أن يمشوا[27].

إن المشي في طرق مدننا وشوارعها الواسعة الرحبة هي الكفيلة الوحيدة بأن تجعلنا نمارس فن الرقص أو أن نجيده على الأقل. وهنا تكمن أهمية وضرورة فهم ما ينقص باستمرار مدننا من أماكن رحبة وممتدة كثيرا مخصصة للتأمل مزودة بأروقة عالية وطويلة للوقاية من تقلبات الطقس أو من الشمس المحرقة، لا تنفذ إليها ضوضاء السيارات ولا ضجيج الصائحين، إننا بحاجة ماسة إلى صروح جديدة[28]. عندها يقول زرادشت "أنزل إلى الأعماق بعد أن عشت وحدة لمدة عشر سنوات في الجبال الوعرة والمغارات المتوحشة والأماكن الموقرة وعندما تنظرون حينها إلى خطواتي وأنا أسير ستدركون حالي وإن رأيتموني راقصا فاعلموا أني دنوت من هدفي".

إن هندسة المعمار تعلمنا في مثل هذه الحالات كيف نقبل على الحياة ونتعلم أيضا كيف نعيش يومياتها داخل مدننا: "نحن أطفال المستقبل كيف يمكننا أن نكون في منزلنا في مثل هذا الوقت الحاضر، إننا نقاوم كل مثل أعلى قد لا يحس أحدنا بموجبه أنه متغرب"[29]. هذا ما نكتشفه عند ابن عربي ونيتشه: غرابة تسكن في باطن الألفة، اختلاف منبعث من أصل التشابه، رفض كل إقصاء للممارسات البشرية السالفة من خلال بناياتها لأنها قدمت لوحات فنية جميلة، والرجوع إلى تجلياتها العرفانية/الفكرية يجعلنا نستلهم هندسات جديدة للمستقبل رافضين الوقوف عندما هو كائن على أنه حقيقة مطلقة وعبرهما (ابن عربي ونيتشه) استطعنا أن نتكشف ونعري فراغات العقل وبميل قوي وبنهم شديد حاولنا عبر هندستهما المفكرة التماس الرؤية الشاعرية للحياة والنظرة الجمالية إليها باعتبارها تحفة فنية[30]. ونسيج عمران مدننا هو بمثابة تأكيد للذات لا غير، التي أبدعت ممارساتها أجمل وأحسن المناظر، مازجة بين الحب والرغبة جعلتنا ننفتح على فكر جديد أصبح له اليوم قوة التأكيد لرفضه القول بوجود حقيقة واحدة وأكد أنه ثمة حقائق متعددة وهذا الفكر شكله فلاسفة (الحداثة وما بعد الحداثة).

هو ذا النص المتألق التي تشرئب له الأعناق محلقة إلى الأفق راجية التماس نور الأنوار الذي يشع من أعلى  المقام الأعظم. ومن يلامس هذا النور الرباني المشرق يتحقق له الوجود، ذلكم هو مسعى ابن عربي والحلاج والشيرازي ونيتشه وهايدغر  وفوكو ودي سارتو.. هؤلاء العرفانيون الذين تحدثوا عن لوحات فنية جميلة وإحالات لا وجود لها في كتاباتهم، وهذا سر كل من ينكشف له سر كنوزه الكامنة فيه، ومعهم اكتشفنا حقيقة الممارسة التأملية التي عملت على إزاحة حجاب التعارض والصراع بين الحب والمعرفة بحيث حدث ذلك التكامل بين رغبة ديونيزوس Dionysos وحكمة أبولون Appolon[31] في المتنى الإغريقي وتكامل عبر الاتحاد والإفناء بين المطوقة الورقاء (النفس Anima) والعقاب المالك (الروح-Animus) في العرفان الإسلامي. ولأجل كل هذا سميناها هندسة لأجل الذكر والفكرn

 



[1] عبد الفتاح كيليطو، المقامات (السرد والأنساق الثقافية)، ترجمة عبد الكبير الشرقاوي، الطبعة الأولى 1993، ص11.

[2] نفس المرجع، ص14.

[3]  Magazine littéraire, numéro sur Nietzsche. Gilles Delleuze (Mystère d’ariane), p21.

[4]  Revue philosophique, Nietzsche (F), n° 03 Juillet – Septembre 1998.

   Benoit Goetz : Espace de Nietzsche.

[5]  Encyclopeadia Universalis, Terme : Architecture et philosophie, France, 1997.

[6]  Ibid, Architecture et philosophie.

[7] سهيل إدريس، المنهل، الطبعة 15 سنة 1999، ص90.

[8] مارتن هايدغر: مبدأ العلة، ترجمة نظير جاهل.. الطبعة الثانية 1996، ص86.

[9] الشيخ محي الدين بن عربي هو العارف بالله الشيخ الأكبر وشيخ المشايخ الصوفية وملقب (سلطان العارفين). ولد في مدينة موريسة في الأندلس في 17 رمضان 560هـ/28 تموز 1165م وتوفي في عام 638هـ/16 تشرين الثاني 1240م. يحب التجوال، انتقل بين مدن وقرى الأندلس القريبة من مسقط رأسه، ثم توجه إلى شمال إفريقيا ومدنها كفاس وتلمسان (الجزائر)، تونس، الإسكندرية ثم رحل إلى مكة المكرمة والحجاز والطائف والموصل ثم بلاد الأناضول وأرمينية وديار بكر وانتهى بتجواله في بلاد الشام وطابت به الإقامة بدمشق.

[10] ابن عربي (محي الدين)، فتوحات مكية، الجزء الثاني، ص56.

[11] رسالة من صديق باحث: زين محمد شوقي، جامعة إكس بروفانس، فرنسا، في 14 مارس 1995 تعتبر القراءة الاختلافية في العرفان –ابن عربي- هاجس الباحث وهو من خلال الرسالة وضح أهم لحظات نشأة الخليقة.

[12] ابن عربي (محي الدين)، فصوص الحكم، تقديم أنطوان الموصلي، سلسلة الأنيس، الجزائر، 1990، ص199-200.

[13] من الأسماء الأربعة للطيور الأربعة لدى ابن عربي، انظر أيضا إلى:

(Le livre de l'arbre de quatre oiseaux), Annales islamiques XVII, 1981, Le Caire.

[14] رسالة من صديق باحث: زين محمد شوقي.

[15] محي الدين ابن عربي، فصوص الحكم، ص199.

[16] إن ذكر وفكر ابن عربي لم يعرف استقرارا في مكان أو في مكانة ودلالة السفر الذي سافره تروبادور المتصوفة يجعله يرسخ فكرة وحدة الديانات في هندسة واحدة موحدة.

[17] كان ميلاد فريدريك وليام نيتشه في 15 أوت 1844 بمدينة روكن قرب لايبتسغ، وتوفي بعد إصابته بمرض الخبل في 25 أوت 1900، نلتمس حياة قريبة من ابن عربي من حيث كثرة التجوال وعدم الاستقرار في وطن محدد. فمن مسقط رأسه –لايبتسغ- يبدأ السفر: لوزان، سورانته، النبدقية، روما، جنوة، سلسن ماريا (إيطاليا) ونيس (فرنسا).

[18]  Revue philosophique, n° 03/1998, p332.

[19]  Gilles Deleuze, (Mystère d’ariane), Magazine Litteraire, n° spécial pour Nietzsche, p53.

[20]  La vita contemplativa. الحياة التأملية

    La vita religiosa الحياة الدينية

[21] فردريك نيتشه، العلم المرح، ترجمة وتقديم حسان بورقية ومحمد ناجي، إفريقيا الشرق، الطبعة الأولى، 1993، ص167.

[22] المرجع نفسه، مدينة جنوة، شذرة 291، ص173-172.

[23]  Nietzsche (F) Ainsi parlais Zarathaustra. Gallimard, Novembre 1995, Le voyageur, p193.

[24] ميشال دي سارتو L’invention du quotidien إبداع يومي عبر المشي داخل المدن. المدينة نسيج قابل للمارسة الخطابية على البنايات المرئية Des constructions visuelles ويعتبر دي سارتو مؤرخ ورحالة Historien et nomade حياته سفر عبر قارات جغرافية وآثار فنية وتجارب روحية. ولد في 17 ماي 1925 في شامبري Chambéry (فرنسا) عرف هو الآخر كيفية العرفانين، سفر غير منقطع إلى الشيلي والبرازيل وكندا والولايات الأمريكية وسافر إلى إسبانيا وبريطانيا (1975) وبلجيكا، وافته المنية في 09 جانفي 1986.

[25] اختلاف هندسة مدننا يجعلنا نمارس حياتنا اليومية بصورة مختلفة تتعدد ملامحها من مكان إلى آخر. فحياتنا تتشكل عبر جمالية هندسات مدننا فكان لزاما أن نبدع هندسة أكثر جمالا.

[26] L’acte de marcher selon Michel De Certeau est un système urbain ce que l’énonciation est à la langue aux énoncés proférés (l’invention du quotidien, p144).

[27] رسالة من صديقي الباحث: زين الدين محمد شوقي.

[28] فريدريك نيتشه: العلم المرح، المشية، شذرة 282، ص281.

[29] المرجع نفسه، شذرة 280، هندسة محبب التأمل، س167.

[30] المرجع نفسه، شذرة 377، نحن الذين بدون وطن، ص243.

[31] (La philosophie comme art de vivre) par Wilheim Schmid, Magazine littéraire, numéro spécial pour Nietzsche.