ص1      الفهرس     21-30

 الحجوي وتعليم المرأة

 

الزبير مهداد

تعيش بلادنا حالة تأخر، ترتبط أسبابها بشروط تاريخية كثيرة وأخرى بالاستعمار الذي خضعت له ردحا من الزمن. هذه الحالة انتبه لها كثير من القادة والعلماء المغاربة منذ القرن الثامن عشر، كما أدت الانتكاسات والهزائم العسكرية التي تعرضت لها البلاد إلى تنبيه آخرين ممن غضوا الطرف قبل حين. وحين كانت تطرح مسألة النهوض في العالم العربي كانت تثير على الدوام مشكلة إصلاح التعليم[1] وإدخال التقنية الحديثة وتطوير هياكل الجيش ومؤسسات الدولة وتحديث القطاع الاقتصادي، فللنهوض والتطور شروط مختلفة ومتنوعة ومتداخلة في آن واحد.

وقد عرفت الساحة العربية أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين عدة محاولات إصلاحية قادها سياسيون وعلماء وأعلام من مختلف الطوائف والطبقات الاجتماعية. حاول هؤلاء المصلحون تقديم تفسيرات للحالة المتدهورة التي آلت إليها المجتمعات العربية الإسلامية، والتي أدت إلى خضوع هذه المجتمعات للاحتلال والتخلف والتمزق.

فالوضعية العامة للبلاد العربية الإسلامية كانت من أهم بواعث الإصلاح لما كانت تتميز به من تردي الأحوال الاقتصادية والاجتماعية وانتشار الأمية وتفشي الفساد الإداري، مقابل عالم أوروبي متطور متقدم تقنيا، قوي عسكريا، منظم إداريا، يسوده القانون والنظام، يتغلغل باستمرار في أعماق المجتمعات العربية باحتلال أراضيه وتدمير بنياته التقليدية ومحو هويته.

ومن أهم رواد الإصلاح في المغرب محمد بن الحسن الحجوي. هذا الرجل الذي شغله الإصلاح والتجديد، وشغلت أفكاره وآراؤه الناس ردحا من الزمن، وعانى ما عاناه في سبيل آرائه وأفكاره من جحود الناس وعدم تفهمهم له وتنكر العلماء وانفضاضهم حوله، وتفرده بالمواجهة مع إدارة الحماية ورجال المخزن والعلماء المحافظين والعامة الجاهلين، فكانت مواجهة ليس كمثلها مواجهة، تطلبت منه كثيرا من الجهد والعناء.

ونظام التربية والتعليم من بين الموضوعات التي كانت تؤرق بال المصلحين وتقلقهم، وكان تعليم البنات على الخصوص قضية ملحة انشغل بها الحجوي وخاض فيها وحاضر حولها، وأعلن رأيه في الموضوع وكان رأيا رائدا آنذاك، خلف موجات من ردود الفعل المتباينة ما بين القبول والرفض.

التعليم خدمة واستثمار:

إن التعليم ليس مجرد خدمة يلتزم المجتمع بتقديمها لأفراده، بل هو استثمار يعود بأفضل مردود مالي في القطاعات الاجتماعية والتجارية والصناعية والفلاحية.

ففي المجال الاجتماعي يكون التعليم عاملا من عوامل تحسين الوضعية الاجتماعية والمعيشية للأفراد المتعلمين الذين يكتسبون قدرة عالية على التدبير الحسن لمنازلهم وحياتهم وشؤون أطفالهم، يحذوهم السعي الدائم للرفع من مستوى معيشتهم وتلبية حاجاتهم والعناية بصحتهم. فتعليم المرأة وتوعيتها أحد الركائز الأساسية للتنمية البشرية ويساهم في إدماج المرأة في مخطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية الوطنية.

والحجوي يرى أن للتعليم دورا في التعجيل بعملية التنمية والتغيير الاجتماعي، وينادي بضرورة حرق مراحل التخلف بالتمسك بركب العلم والتقدم العلمي للحاق بالدول المتقدمة، هذه الدول التي عرفنا، بالاحتكاك بها والخضوع لها، وسائل وتقنيات الإنتاج الحديث المتطور الذي يضمن الرخاء والغنى والثروة والقوة، ويوفر وسائل الراحة وشروطها وظروفها، ويحل كثيرا من المشكلات التي تتخبط فيها بلادنا. فبلادنا تعاني استفحال انتشار الأمية بين الرجال والنساء، وضعف مردود الفلاحة وحاجة قصوى إلى الصناعة الحديثة، وتخلف الأساليب التجارية. وهذه المشكلات الخاصة التي تعانيها بلادنا تتطلب حلولا خاصة أيضا، تنبع هذه الحلول منها وتدور حولها، ولا يمكن أن تأتيها من الخارج، بالاكتفاء بالتدخل الأجنبي (ممثلا في إصلاحات الحماية الفرنسية). وتعدد المشاكل يتبعه تعدد الحلول، ويجب أن يساهم التعليم في حل المشاكل، بإعداد الموارد البشرية اللازمة لتدبير أمور الفلاحة والصناعة والتجارة المغربية حتى تقطع الطريق أمام التدخل والهيمنة الفرنسية.

وأولى الفقيه الحجوي اهتماما خاص لقضية تعليم المرأة في مختلف أبعادها ومجالاتها لمواجهة مطالب التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولما تحققه من أغراض تربوية وثقافية واجتماعية، وقد عرض الحجوي هذا البرنامج ودافع عنه في محاضرات وندوات علمية كبرى حضرها علماء وقادة وسياسيون، وأثارت أفكاره ردود فعل مختلفة، فما هي هذه الآراء التي قال عنها خير الدين الزركلي بأنها أحدثت ضجة وأتى مؤلفها بفائدة[2].

تعليم البنات

ظلت المرأة غائبة عن الساحة السياسية والاجتماعية والعلمية وفي مخططات التنمية وبرامجها عبر قرون مظلمة كثيرة، رغم أنها تكون إحصائيا أزيد من نصف السكان، واجتماعيا لا تتاح لها إمكانية إثراء الحياة الاقتصادية، فتحرم من حقها في التعلم، ولا يلتفت لدورها وكفاءتها الاقتصادية، فالنساء لهن دور مهم في سوق العمل الحضري والقروي، في القطاع التقليدي الذي ظل مهيمنا على اقتصاد بلادنا. ثم إنهن يبقين المسؤولات عن الصحة والتغذية وتحقيق العيش الكريم للعائلة، وكذلك عن تلقين القيم الوطنية، كما أن تعليم النساء يؤثر على نقص الوفيات عند الأطفال التي تكون ناتجة عن أمراض سوء التغذية والأوبئة التي يمكن تفاديها. لهذا فإن تأمين التعليم الأساسي لعدد كبير من الفتيات سيمكنهن من المشاركة في تنمية اقتصادية واجتماعية، ويمكن أن يساهم ويسهل الانسجام الاجتماعي.

ورغم ما خلفه السلف من كتب ورسائل تبين حكم الشرع في تعليم البنات، فقد عادت مسألة تعليم البنات لإثارة الجدل بين الفقهاء المغاربة في العقدين الأولين من هذا القرن. فاختلفوا فيها بين قائل إن في القول بتعليم المرأة دعوة إلى السفور وخروجا عن جادة الشرع الإسلامي الذي أمر بالحجاب، وبين داعية منافح عن حق المرأة في طلب العلم، وكانوا قلة وسط جمهور من الفقهاء المحافظين. كان الحجوي –وزير المعارف آنذاك- في طليعة دعاة القول بتعليم الفتاة المغربية. اشتهر قوله في محاضرة تاريخية ألقاها يوم 9 دجنبر 1922 بالمعهد العالي بالرباط، وحين تكلم الحجوي على أهمية تعليم البنات التفت إليه الصدر الأعظم المقري وقال له: "إني لا أقول بتعليم البنات لأنه يفتح بابا يعسر سده، وقد رأينا تعليم البنات في الممالك الإسلامية لهن ماذا نشأ عنه؟". وعضده في ذلك الشيخ أبو شعيب الدكالي وكان وزيرا للعدل آنذاك. إلا أن الحجوي أفهمهم أن التعليم الذي أشاروا إليه وتخوفوا منه هو تعليم أوروبي غير عربي (إسلامي) وقدم لهم مثالا عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم والصدر الأول. وقال: "أنا أريد تعليما كتعليم عائشة وحفصة رضي الله عنهما ونظيراتهما. فالذي أريده هو التعليم العربي الإسلامي، بقدر ما تسمح به الظروف الحاضرة ويوافق الشرع، وتكون به المرأة مهذبة قادرة على إدارة شؤون بيتها وبث روح الأدب في أولادها". ورغم ما استدل به الحجوي من أمثلة وشواهد، فقد ظل الصدر الأعظم المقري رافضا لفكرة تعليم البنات، والحجوي لفت نظره ونظر الحاضرين إلى أن تعليم البنات ليس أمرا مبتدعا في المجتمع المغربي، فهو موجود قديما في فاس وغيرها، لكن وجوده محدود في مدن قليلة، وفرص الاستفادة منه غير متاحة لعموم البنات من الطبقات الفقيرة، ثم إنه غير منظم ولا مراقب. والحجوي يريد "انتظامه وتكثيره لأجل بنات الفقراء". وأكد أن الأمر أصبح واقعا فرضه عمل جهاز الحماية الفرنسي الذي أحدث مدارس غير إسلامية وفتح أبوابها لاستقبال بنات المسلمين فيها، وفي ذلك من المخاطر ما فيه، والأدهى من ذلك أن آباء البنات أنفسهم يطلبون تعليم بناتهم اللغة الفرنسية، وهذا ما يدعو للتصدي لهذا التعليم والتفكير في بديل له يفيد الأسرة المسلمة ويحفظ البنات من مخاطر الانزلاق إلى مهاوي التغريب الثقافي والفكري والفساد الديني.

وفي عام 1931 تلا الحجوي على السلطان المغربي تقريره عن تعليم البنات، وبحضور الصدر الأعظم المقري الذي ظل متمسكا بموقفه المعارض لهذا التعليم. فقال للحجوي: "إن تعليم البنات لا بد له من قرار أو ظهير ولم يصدر الآن". فرد الحجوي: "إن الواجب يقضي علينا بتعليم البنات ولا نتركه لغيرنا من دون مراقبتنا".

وفي مقالته الثمينة والشاملة، والتي جعل لها عنوانا (تعليم الفتاة لا سفور المرأة) وكتبها عام 1934، قال: "لا سبيل لأمة أن تحل المحل اللائق من الرقي إلا بتعليم البنت وتهذيبها، وبقدر تعميم رقي البنت الفكري الأخلاقي ترقى الأمة".[3] ورسخت في ذهنه هذه القناعة نتيجة التأثير القوي الذي خلفته في حياته جدته لأبيه التي سهرت على تعليمه، لذلك وعى الحجوي أهمية تعليم النساء، وما يترتب عن ذلك من آثار حميدة في تكوين الناشئة النفسي والخلقي والوجداني والديني، خاصة في المراحل الأولى من العمر. يقول الحجوي: "إن حياة الإنسان كلها إنما هي نتيجة ذلك الطور القصير، طور الطفولية.. إن تأثير هذه التربية الأولى في حياتي هي التي أوضحت لي أن تربية الأمهات لها دخل كبير في تهيئة الرجال النافعين"[4].

"الفتاة هي نواة العائلة، بل نواة الأمة، إذ فتاة اليوم هي أم الغد، وهل الأولاد إلا غصن من دوحتها. والأم هي أول مدرسة يلقن عنها الولد كل تربية وتهذيب.. وإن للتربية البيتية أعظم تأثير على الأولاد أكثر من المدارس، فأصل صلاح العائلة بصلاح الأم وفسادها بفسادها، وصلاح العائلة به صلاح الأمة، فالأم لها تأثير عظيم على فكر الولد بتعليمها وبطباعها وأخلاقها"[5].

إدارة الحماية الفرنسية كانت مصرة على متابعة برامجها لإدماج البنات المسلمات ضمن مخططها التعليمي، معتمدة التجربة المنجزة في الجزائر، وأطلعت السلطان المغربي على تقرير حول تجربة تعليم البنات بالجزائر متضمنا التعليمات التربوية والبرامج المحررة عام 1934 والتمست الإدارة العامة للعلوم والمعارف بالمغرب من الحجوي، بما عهد فيه من كفاءة واهتمام بأمور التربية والتعليم، أن يشير بما يراه صالحا لتهذيب البنات المغربيات. وكان البرنامج المعروض خلوا من القرآن ومواد التربية الدينية ودروس اللغة العربية.

أكد الحجوي في تعليقه على التقرير على ضرورة أن يكتسي التعليم الطابع المغربي الإسلامي الأصيل، ويكون تعيين المعلمات بعد اختبارهن في حفظهن للقرآن الكريم، ويتم الاختبار بمحضر مندوب المعارف أو من ينوب عنه، حفظا لحق جلالة السلطان الذي له الإشراف على أمور التعليم، وله النظر في أمور الدين. كما نصت الملاحظات على وجوب تعيين معلمة الدين والقرآن والكتابة والآداب العربية وفصل التربية الأدبية والرياضية وفصل تغذية الفكر، وإذا تعذر وجود معلمة كفأة، فيقوم مقامها معلم مسلم بعد امتحان أو مناظرة من ذوي الدين والثقة ومصادقة الجناب الشريف. كما أصر بصفة استثنائية على أن يكون تعليم القراءة والكتابة العربية إلزاميا في مدارس البنات، وأن يتم بإتقان وبطريقة فنية تسهيلية بينما يكون تعليم الفرنسية اختياريا وليس إلزاميا، وبطلب من آباء التلميذات، وهو النظام الذي كان قائما في مدارس البنات بالمغرب، وبه جرى العمل منذ الشروع في نشر هذا التعليم[6].

إن البرنامج المعروض كان لا يحمل من الإسلام سوى الاسم فقط فهو خلو من دروس القرآن الكريم ودروس الدين ودروس اللغة العربية وآدابها. وقام الحجوي بلفت نظر إدارة الحماية إلى التجربة المغربية في تعليم البنات التي شرع فيها، حتى يكون عمل سلطات الحماية مكملا لهذه التجربة، محسنا ومطورا لها، وحتى لا يفرض نظاما جديدا مبتدعا يقضي على الخصوصيات الثقافية المغربية، ويبث بدلها الثقافة الفرنسية، وهو ما حصل في بلدان محتلة كثيرة وجد فيها الاستعمار المجال فارغا لزرع ثقافته ونشرها. وهو ما عناه الحجوي رحمه الله بجوابه الصدر الأعظم وبحضور الجلالة السلطانية بقوله له: "إن الواجب يقضي علينا بتعليم البنات ولا نتركه لغيرنا من دون مراقبتنا".

وقد خاض الحجوي في الدعوة إلى تعليم المرأة معركة كبيرة ضد كثير من الفقهاء المحافظين وضد رجال المخزن أنفسهم، وفي مقدمتهم الصدر الأعظم. وحاضر في الموضوع مرات عديدة في المغرب وتونس، وكان يسعى دوما إلى توضيح البعد الإسلامي والديني لدعوته الإصلاحية، وتوضيح ما أسيء فهمه وتقديره من كلامه ورأيه[7]. ومما قاله. "يجب تعليمهن وتهذيبهن تعليما راقيا يليق بديننا، ويزين مستقبل أولادنا، ويصيرهن عضوا نافعا في هيئتنا الاجتماعية. فلا غنى عن إعانتهن في تربية رجال المستقبل الذين عليهم مدار حياة البلاد، وتعليمهم فن التربية ونظام البيت وقواعد الصحة والدين وحفظ القرآن أو بعضه والحساب والجغرافيا والعربية والأدب ونحو ذلك مما يعينهم على مهمتهن"[8].

وبرهن على أن تعليم الفتيات ضروري بحكم الدين الإسلامي الذي يفرضه ويحث عليه، مستدلا على كلامه بشواهد من القرآن الكريم والحديث الشريف ووقائع السيرة النبوية المطهرة وآثار الصحابة. كما بين أن الوظيفة الاجتماعية والتربوية المتعددة للمرأة تفرض تعليمها وتثقيفها وتكوينها تكوينا علميا ومهاريا ميتنا اعتبارا لدورها التربوي وتأثيرها الكبير والقوي في الناشئة، شارحا أشكال ووسائل هذا التأثير وأبعاده النفسية والاجتماعية واللغوية والسياسية والدينية: "إن تربية البنت وتعليمها ضروري، من حيث الدين والاجتماع معا، وليس هو بكمالي كما يظن بعض من لم يمعن النظر في المسألة تأملا ونقدا. وقد أجمع الرأي العام داخل المغرب وخارجه على أن تربية الأم هي أس صلاح الأمة أو فسادها، ولا سبيل للأمة أن تحل المحل اللائق من الرقي إلا بتعليم البنت وتهذيبها. وبقدر تعميم رقي البنت الفكري والأخلاقي ترقى الأمة، وبقدر نقصان ذلك التعميم تنحط الأمة"[9].

ولا يكتفي الحجوي بإثبات حق البنت في التعلم، بل يخطط للنهوض بتعليم الفتيات ويعرض منهاجا تربويا متنوعا يحقق لهن إنماء مختلف عناصر الشخصية العقلية والاجتماعية والوجدانية بشكل متكامل وشمولي، منتقدا في الوقت نفسه أساليب ومناهج التعليم القديمة التي لم تعد قادرة على الوفاء بحاجات الحياة الاجتماعية المعاصرة ومواجهة التغير الشامل الذي تعرفه البلاد: "لا يكفي في تعليم البنت القراءة والكتابة على الطراز القديم الصعب القليل الجدوى، وحفظ يسير من القرآن أو كله من غير فهم ولا استفادة فكر. ولا يكفي تعلم صنعة أو صنائع بدون تهذيب. وهذا هو جل ما هو موجود في المدارس الآن.. فالواجب أن نرقي تعليم البنات إلى قدر أعلى من ذلك وأن نزيده نظاما وتحسينا حتى يحصل منه المقصود الذي بيناه آنفا تعليما ابتدائيا أدبيا إسلاميا صناعيا. فالواجب أن نرقي البنت ترقية صحيحة متينة تجمع بين تهذيب الأخلاق والعلم والعمل"[10].

يتضمن هذا المنهاج المواد التالية:

1 ـ القرآن والقراءة والكتابة والخط والرسم.

2 ـ ضروريات الدين من عقائد وعبادات.

3 ـ مبادئ النحو والآداب العربية والإملاء والإنشاء.

4 ـ تعلم الحساب، وحده الأدنى العمليات الأربع، لضبط ما هي مضطرة إليه حسابا وكتابة.

5 ـ ومبادئ العلوم والهندسة لتصير قادرة على التفكير الصحيح.

6 ـ والجغرافيا والتاريخ.

7 ـ تتعلم الأخلاق الإسلامية لتستكمل لطف الشمائل ورقة الذوق وجودة الحذق والفطنة ويكمل عقلها وتتسع معارفها.

8 ـ تدبير المنزل والاقتصاد والرشد في الأحوال.

9 ـ تدبير الصحة والرياضة البدنية.

10 ـ تتعلم فن التربية لتحسن تربية أبنائها.

11 ـ تتعلم صنعة أو أكثر كالخياطة والطرز والفنون الجميلة والطهي.

وضع الحجوي برنامجا تعليميا شموليا يحقق أغراضا عقلية ودينية وخلقية وصحية بدنية وجمالية. إنها أغراض متنوعة وسيلتها برنامج تعليمي غني ومتنوع، يصعب انتقاده أو رده أو الطعن فيه أو الانتقاص من قيمته وشموليته. ويضيف الحجوي مبررا أسباب اختياره هذا البرنامج: "وهذا القدر من التعليم الابتدائي الديني الدنيوي هو الذي أقوله جهرا أو أطلبه وأحض عليه، وأعتقد أن لا سبيل لترقيتنا وانتشالنا مما نحن فيه من تأخر أحوالنا ونقصان مدارك رجالنا وسوء نظام مجتمعنا إلا به"[11].

ولتحقيقه يطالب الحجوي بتطوير مدارس البنات التي هي مدارس أولية صناعية والرفع من مستواها حتى تصبح في مستوى المدارس الابتدائية. وتكوين مدرسات مغربيات مسلمات يساهمن في ترقية هذا التعليم، الذي يخضع لمنافسة قوية وغير متكافئة من طرف الكنائس المسيحية والمؤسسات التعليمية التابعة لها والتي كانت تستهوي عددا كبيرا من البنات اللواتي يتعلمن فيها، وكانت تنتشر في الجديدة والصويرة ومدن أخرى، "والكل يعلم ذلك وما فيه وخطره على الناس والدين".[12] ولصرف الناس عن تعليم بناتهم في هذه المدارس تم افتتاح عدد من المدارس المخصصة للبنات تحت إشراف إدارة المعارف الإسلامية، تقدم تعليما إسلاميا خاصا بالبنات، يتعلمن فيها وفق برنامج محدد الأهداف والمواد والأنشطة، لهذا حين زار الحجوي مدينة الصويرة لتفقد التعليم بها، صحبة المراقب الفرنسي، وجد معلمة تعلم البنات اللغة الفرنسية، فمنعها من ذلك، وقال: "إن مولانا، أيده الله، لا غرض له في تعليم بنات إيالته لغة أجنبية أصلا، وما يرخص في فتح هذه المدرسة إلا ليلا تذهب البنات للمدرسة الإنجليزية الموجودة هناك، لأن تعلمهن اللغات الأجنبية غير مفيد لهن".

تعتبر مقالته المشار إليها أهم ما خلفه من آثار في هذا الموضوع، وقد أكد فيها أمورا ثلاثة:

1 ـ اختلافه عن غيره من دعاة تحرير المرأة المعاصرين له كالطاهر حداد وقاسم أمين اللذين أثارا بآرائهما المتطرفة كثيرا من ردود الفعل الحادة.

2 ـ إن ما يريده للمرأة التعليم الأساسي الإلزامي في المراحل الأولى من حياتها، قبل لزوم الحجاب عليها من جهة الشرع، أي قبل البلوغ، ويمكنها إكمال تعليمها إن شاءت في البيت أو غيره. فالتعلم وسيلة لتحقيق الكمال الإنساني وهو حق شرعي لا جدال فيه: "إذ لكل نفس حق طبيعي في طلب الكمال".

3 ـ لا يريد للمرأة أن تزاحم الرجل في الوظائف والأعمال العامة.

فتعليم البنت حق من حقوقها التي أقرها الإسلام، وتعليمها هو أيضا ضمانة لمستقبل جيد للوطن ووسيلة من وسائل الإصلاح الاجتماعي والتغيير[13].

إن أهم مشكل كان يواجه تطوير تعليم البنات هو غياب الأطر الصالحة الكفأة الكفيلة بضمان نجاح هذا التعليم، يقول الحجوي: "فمدارس البنات الآن… لم تصل إلى أن تكون ابتدائية تهذيبية، وأعظم من ذلك عدم وجود معلمات مغربيات يعرفن شيئا من العلم أو التهذيب غير قراءة لفظ القرآن العظيم، ولا يحسن شيئا من العلوم الدينية المفروض علينا تعليمها للبنات عينا، ولا حتى قراءة القرآن أو رسمه كما ينبغي". وهذا الوضع لا يجب السكوت عنه لأنه هو السبب الذي أدى بالناس إلى العزوف عن دفع بناتهم إلى هذه المدارس وتوجيههن إلى مدارس الراهبات والمدارس الفرنسية.

ولحل هذا المشكل وضع الحجوي مخططا من عدة إجراءات:

ـ تعيين معلمين ذكور يسدون الفراغ الناتج عن الافتقار للمعلمات المؤهلات، وذلك بصفة مؤقتة ريثما يتم تكوين المعلمات، شرط أن تتوفر في هؤلاء المعلمين شروط الدين والعلم والأخلاق الحسنة، ويزكى تعيينهم من طرف الجلالة السلطانية أو من ينوب عنه[14].

ـ تعيين معلمات لتعليم القرآن من حفظة كتاب الله عز وجل.

ـ إحداث مدارس تكوين المعلمات المسلمات، يتخرج منها معلمات عارفات بطرق التعليم والتأديب. وقد تمت المصادقة على هذا المقترح من طرف الإقامة العامة عام 1934 بإحداث قسم لتكوين المعلمات بمدرسة البنات الرباطية[15].

ـ تعيين مفتشين مسلمين لمراقبة وتتبع وتطوير تعليم العربية والدين بمدارس البنات[16].

التعليم تحصين ثقافي:

إن تجاهل التأثير الأوربي في عصرنا الحديث ضرب من المحال، ونكران هذا التأثير أو التقليل من أهميته وقوة تأثيره ضرب من التجاهل المضر، كما أن فتح الأبواب مشرعة في وجه التأثير الغازي يجعل من بلداننا مجرد هامش حضاري تابع لأوربا، فلا بد من الحذر والاحتياط ولا بد من وقاية للذات. فمثقفونا إذا تربوا في أحضان هذه الحضارة ونهلوا منها فإنهم يبشرون بها وينشرون فكرها وثقافتها وفنها وذوقها ونمط معيشتها. لأن هذه الحضارة تتيح لهم صورة رثة جامدة عن أصولهم الحضارية (الإسلام) ينفر منها كل عقل عصري مستنيرn

 



[1] بلكبير عبد الصمد، (من أجل مدرسة وطنية)، جريدة أنوال، يوم 29/11/1984.

[2] الزركلي خير الدين، الأعلام، جزء 6، ص96.

[3] أشقرى عثمان، في سوسيولوجية الفكر المغربي، منشورات عيون المقالات، البيضاء، 1991، ص146.

[4] العمراوي أحمد، (الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي)، مجلة بصمات، عدد5، ص269.

[5] العلوي سعيد بنسعيد، الاجتهاد والتحديث، مالطا، مركز دراسات العالم الإسلامي، 1992، ص211.

[6] الخلوفي الصغير محمد، (صفحات من تاريخ التربية والتعليم)، مجلة ملفات تاريخ المغرب، عدد 11، (مايو 1997)، ص8.

[7] العلوي سعيد بنسعيد، الاجتهاد والتحديث، ص84.

[8] العلوي سعين بنسعيد، الاجتهاد والتحديث، ص83.

[9] العلوي سعيد بنسعيد، الاجتهاد والتحديث، ص212.

[10] العلوي سعيد بنسعيد، الاجتهاد والتحديث، ص213.

[11] العلوي سعيد بنسعيد، الاجتهاد والتحديث، ص214-216.

[12] العلوي سعيد بنسعيد، الاجتهاد والتحديث، ص213.

[13] العلوي سعيد بنسعيد، الاجتهاد والتحديث، ص84.

[14] ملفات من تاريخ المغرب، عدد 11، ص6.

[15] ملفات من تاريخ المغرب، عدد 12، ص6.

[16] ملفات من تاريخ المغرب، عدد 11، ص6.