ص1    الفهرس    21-30

 

أسس ميتافيزيقا البلاغة

ـ تقويض البلاغة ـ

عبد العزيز بومسهولي

 

"البلاغة هي مطابقة الكلام للمعنى من جميع وجوهه، بخواص تقع للتراكيب في إفادة ذلك".

  ابن خلدون

"الحقيقي سواء كان شيئا أو حكما هو ما يتوافق ويتطابق. أن يكون الشيء حقيقيا والحقيقة يعنيان هنا التوافق بطريقة مزدوجة: أولا كتطابق بين الشيء، وما نتصوره عنه، ثم كتطابق بين ما يدل عليه الملفوظ وبين الشيء".

 هيدغـر.

 "ليست الظواهر أشياء في ذاتها، ولكنها مجرد لعبة لتصوراتنا التي ترجع في النهاية إلى محددات الإحساس الداخلي "الحقيقة هي مجموعة حية من الاستعارات والتشبيهات والمجازات.

  نيتشه

 

البلاغة والحقيقة: "الأساس الميتافيزيقي"

يتأسس الفكر البلاغي القديم على الميتافيزيقا. فإذا كانت البلاغة القديمة قد جعلت من مطابقة الكلام للمعنى شرطا أساسيا لصحة التعبير وسلامته أو لفصاحته وبيانه، فهي قد استندت أساسا إلى الميتافيزيقا وإلى تصورها التقليدي حول مفهوم الحقيقة باعتبارها تجسيد لمبدإ التطابق والتوافق الكلي بين اللفظ والمعنى، بين التصور والشيء. والبلاغة باعتبارها مؤسسة ميتافيزيقيا فهي لا تنظر إلى اللغة إلا كوسيلة تعبير، "فهي ليست سوى جسر يسمح بعبور المعاني والمجاز الذي يقوم بنقلها. أي أنها أداة تبليغ تلك المعاني ومناسبة لحضورها ومثولها"[i].


وتدل قواميس اللغة على هذا المعنى الذي يحصر البلاغة في "الوصول، والإيصال، والانتهاء، والكفاية والفصاحة والبيان"، ولفظ بلغ إنما يعني بلوغ المعنى الأصل، والانتهاء إلى الحقيقة، وتجنب الخطإ. وهذا هو المقصود من عبارة "صحار العبدي" حين إجابته على سؤال معاوية بن أبي سفيان:" ما تعدون البلاغة فيكم؟ فقال: أن تجيب فلا تبطئ، وتقول فلا تخطئ"[2].

وإذا كانت الميتافزيقا تنظر إلى الكتابة كعملية حصر يهيمن عليها منطق الهوية، ومعنى ذلك أن الكتابة ليست مجالا لإنتاج المعاني، فهي مجرد جسم تقطنه روح النص، فإن البلاغة قد ساهمت في تكريس مفهوم المطابقة باعتباره ذلك التوافق بين اللفظ ومعناه المحصور في الدلالة على الأصل، وليس من دور للكلام سوى الكشف عن هذه المعاني الخفية، وهنا يغدو الدليل وسيلة لاستحضار المدلول القائم في الذات، يقول الجاحظ في البيان والتبيين: "قال بعض جهابذة الألفاظ ونقاد المعاني: المعاني القائمة في صدور العباد المتصورة في أذهانهم، والمتخلجة في نفوسهم، والمتصلة بخواطرهم، والحادثة عن فكرهم، مستورة خفية، وبعيدة وحشية، ومحجوبة مكنونة، وموجودة في معنى معدومة. لا يعرف الإنسان ضمير صاحبه، ولا حاجة أخيه وخليطه، ولا معنى شريكه، والمعاون له على أموره، وعلى ما لا يبلغه من حاجات نفسه إلا بغيره، وإنما تحيا تلك المعاني في ذكرهم لها، وإخبارهم عنها، واستعمالهم إياها"[3].

ووفق هذا المنظور فإن الكلام هو المجال التداولي الذي يحقق حضور المعاني، ومن ثم فهو ليس إلا وسيلة للإخبار والاستعمال، وليس مجالا لإنتاج المعاني وتوليدها. ذلك لأن هذه المعاني تبقى واحدة بالنسبة للجميع، فهي موجودة مسبقا في الطريق، ولكن العبرة في التقنية التي يمارسها الكلام لإخراج المعاني المطروحة التي لا يلحقها تغيير لأنها عامة، "فالمعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي، والبدوي والقروي والمدني وإنما الشأن في إقامة الوزن، وتخير اللفظ، وسهولة المخرج، وكثرة الماء، وفي صحة الطبع، وجودة السبك"[4]. وليس المقصود من قول الجاحظ هنا –كما حاول البعض فهمه معزولا عن السياق العام- إعطاء الأولوية للفظ على المعنى، وإنما إظهار قدرة البلاغة في الكشف والبيان والتبيلغ، و"كلما كانت الدلالة أوضح وأفصح، وكانت الإشارة أبين وأنور كانت أنفع وأنجع"[5] والبلاغة من هذا المنظور إنما هي "تحبير اللفظ في حسن الإفهام" على حد تعبير الجاحظ[6].

إن البلاغة لا تغدو هنا سوى الحامل للمعنى على الظهور والإبانة أي على الحضور والمثول. ومن ثم فوظيفتها هي الكشف بوصفها ركنا أساسيا للبيان.

والبيان حسب الجاحظ هو اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى وهتك الحجاب دون الضمير، حتى يفضي السامع إلى حقيقته ويهجم على محصوله كائنا ما كان ذلك البيان، ومن أي جنس كان الدليل، لأن مدار الأمر والغاية التي يجري إليها القائل والسامع إنما هو الفهم والإفهام، فبأي شيء بلغت الإفهام وأوضحت عن المعنى، فذلك هو البيان في ذلك الموضع[7].

إن اللغة وفق هذا المنظور لا تغدو إلا وسيلة لحصر المعنى الثاوي، وتحديده، وفهمه وإفهامه حتى يضحى منكشفا كحقيقة مرئية يطابق من خلالها اللفظ معناه. وهنا يظهر التأثير الميتافيزيقي على البلاغة العربية، التي تأسست كفكر لغوي يهدف إلى كشف تطابق اللفظ والمعنى الثاوي، الخفي، الذي تجتهد العبارة لملاحقته وضبطه، وإرجاعه متمثلا حاضرا. إن ما يهيمن في هذه الرؤية هو منطق الهوية، ألسنا هنا بإزاء التعريف الأحادي الذي يعطينا ماهية الأشياء وحقيقتها؟ يعلق نيتشه على ذلك فيقول: "إن فلاسفة الميتافيزيقا قد ساهموا في ترسيخ هذا الغموض، عندما ارتأوا أن الدلائل والمعاني هي الواقع الفعلي الذي لا يلحقه التغير، والذي يقبله الجميع. هذا في حين أن الفكر عندما يدرك شيئا يستعرض سلسلة من العلامات والدلائل التي تقدمها له الذاكرة، فيبحث عما يتجانس ويتماثل. وأن الإنسان عندما يطلق دليلا مماثلا على شيء ما يعتقد أنه تملك ذلك الشيء وأخضعه وأنه تمكن من معناه… إن الكلمات التي تستعملها اللغة البشرية قد ظهرت دوما لا كعلامات ودلائل، وإنما كحقائق تتعلق بالأشياء التي تشير إليها"[8].

ولعل أهم ما يوجه البلاغة الكلاسيكية هو البحث عن المتجانس، إنها بما هي فكر للتطابق فهي تؤسس للتوافق بين اللفظ والمعنى، بين الدال والمدلول المحدد. ويظهر أن البلاغة هي الوجه الخلفي للميتافيزيقا. فهي لا تكتفي باستعارة مقولاتها فقط بل إنها تتموقع على أرضية الميتافيزيقا ومن هنا تغدو مراجعة المفاهيم البلاغية أساسية، قصد تحرير الفكر الإبداعي من عوائق إعادة تأسيس استطيقا بعدية تعلي من شأن الاختلاف والإرجاء والفوارق، فيما تتجاوز منطق الائتلاف والتوافق الذي أرست عليه البلاغة القديمة قواعدها. فأضحت بذلك تكرس لمفهوم الأصل والمعنى الواحد الذي يمتنع عن المفاضلة والتعدد، وهذا هو التحديد الذي وضعه ابن خلدون في مقدمته للبلاغة قائلا:

"البلاغة هي مطابقة الكلام للمعنى من جميع وجوهه بخواص تقع للتراكيب في إفادة ذلك"[9]. وتصنف البلاغة حسب ابن خلدون ضمن علم البيان الذي "يبحث فيه عن هذه الهيئات والأحوال التي تطابق باللفظ جميع مقتضيات الحال"[10]. ومعنى هذا أن البلاغة شأنها شأن الميتافزيقا قبل أن تهتم بجمالية التعبير، وبالكيفية التي تقدم بها الصور الفنية ذاتها في معرض الكلام، فإنها أولت الاهتمام للحقيقة، فهي تتمظهر كبيان لإعلاء المعنى وكشفه، وإيضاح قوة التطابق بين اللفظ ومقتضيات الحال، وهي لا تنفتح على الاستعارة إلا بوصفها دليلا على التشابه لا الاختلاف، وليس التشبيه في البلاغة إلا قياسا للفرع على الأصل. والطباق ذاته ليس إلا لعبة للتطابق، مادام الاختلاف بينهما خارجيا فقط، فالشيء لا يخالف الآخر في ذاته، بل إن كلا منهما مطابق لذاته.

وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن البلاغة أسست منظورها للعالم على أساس الميتافيزيقا، فالبلاغة هي بيان الحقيقة لا كتعدد وإنما كتجل للتطابق والمثول. "فالحقيقي سواء كان شيئـا أو حكما هو ما يتوافق ويتطابق. أن يكون الشيء حقيقيا والحقيقة يعنيان هنا التوافق، وذلك بطريقة مزدوجة: أولا كتطابق بين الشيء وما نتصوره عنه، ثم كتطابق بين ما يدل عليه الملفوظ وبين الشيء. هذه الخاصية المزدوجة للتوافق تظهر التعريف التقليدي لماهية الحقيقة: الحقيقة هي تطابق الشيء مع العقل. فقد يعني ذلك: الحقيقة هي تطابق الشيء مع المعرفة. كما يمكن أن يفهم أيضا على الوجه التالي: الحقيقة هي تطابق المعرفة مع الشيء"[11].

وهنا نستخلص مع هيدغر بأن الحقيقة في المنظور الميتافيزيقي "تكمن في توافق منطوق مع شيء ما"[12]. هذا التوافق يستلزم استبعاد الخطإ، بوصفه تدميرا للتلازم بين اللفظ ومعناه، وابتعادا كليا عن الحقيقة، ومن ثم فمفهوم البلاغة متصل بـ"الاحتراز عن الخطإ في تأدية المعنى المراد، وتمييز الكلام الفصيح عن غيره من خلال علوم ثلاثة (تتفرع عن البلاغة)، هي: المعاني الذي يعرف به أحوال اللفظ في مطابقته لمقتضى الحال، والبيان الذي يعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الأدلة عليه، والبديع الذي يعرف به وجوه تحسين الكلام، بعد رعاية تطبيق على مقتضى الحال ووضوح الدلالة"[13]. لقد استبعد الخطأ لأنه ينخر بنية التطابق، ويجعل من التلاؤم واقعا متنافرا، ومن المعرفة فسادا.

وهذه الرؤية ليست إلا طريقة سطحية جدا في التيه على حد تعبير هيدغر، ذلك لأن التيه بمعنى عميق هو "مسرح الخطإ وأساسه". فهو إذ يسيطر على الإنسان فإنه يدفعه نحو الضلال، فيسهم بذلك في إيجاد الإمكانية التي يستطيع الإنسان استخراجها من وجوده المنفتح"[14]. وفق هذا التصور اللابلاغي يغدو الخطأ داخلا في صلب الوجود، وشرطا ملازما للمعرفة، ومن هنا فليست الحقيقة سوى مجموعة حية من الاستعارات والمجازات، وليست الحقائق سوى أوهام نسينا أنها كذلك كما يرى نيتشه(15).

وإذا عدنا إلى التعريف السالف للبلاغة نجد أن مدار الحقيقة، بوصفها تطابقا، يتمركز حول المعنى الأصل الذي يتوخى تجليته وبيانه وإفهامه، ومن هنا يقصى الكائن البلاغي عن أية إمكانية في إنتاج المعنى، وفي اختراق الفروع بما هي عناصر لاستكشاف التعدد التأويلي للغة. وفق هذا البناء تصبح عملية البلاغة قائمة على التماهي التام بين التلفظ والمعنى، بين الكلام ومقتضى الحال، ودلالة الاقتضاء التي تم التشديد عليها في تعريف البلاغة تحيل إلى الحضور ومثول المعنى، والحال هو الهيئة التي تحدد مدلول موجودية المعنى.

تتجلى مركزية المعنى في البلاغة التقليدية –في تلاحمها الوثيق باللفظ- الذي يحدد ماهية الشيء، بل هو لحمته وسداه، ومن ثم تغدوالتسمية ماهية الشيء في ذاته، وليس الكيفية التي تسمى بها الأشياء، ومعنى هذا أن المهارة البلاغية إنما تستهدف الوصول إلى كمال المعنى. يقول حازم: "ولا يزال ذو المعرفة بتصاريف الكلام والدربة بتأليف النظام، يضع اللفظة موضع اللفظة، ويبدل صيغة مكان صيغة، حتى يتأتى له مراده، وينال من كمال المعنى بغيته"[15].

ونحن هنا بإزاء رؤيا تقوم على مدح ميتافيزيقا المعنى المؤسسة لا لمبدإ المفاضلة وتأويل القيم، وإنما لمنطق التوافق والتناسب، وما يجسد ذلك هو أن تشاكل المعاني عند البلاغيين إنما هو قائم على مبدإ الاقتران المنطقي الذي استعارته من الميتافيزيقا. يقول حازم: "ويجب على من أراد حسن التصرف في المعاني بعد معرفة ضروبها التي أجملت ذكرها، أن يعرف وجوه انتساب بعضها إلى بعض. ويقول: إنه قد يوجد لكل معنى من المعاني معنى أو معان تناسبه وتقاربه، ويوجد له أيضا معنى أو معان تناسبه"[16]. وخطورة هذا القول -حسب تعليق د.جابر عصفور- تكمن في كونه يفترض أن الشاعر يفكر في معانيه بطريقة منطقية، وهذا يعني أن "حازم" عندما دخل في منطقة التسليم بالترتيب الهندسي، متأثرا بمفاهيم سابقة عليه، فإنه لا يستطيع إلا أن يتوسل بأصول منطقية خالصة. وبذلك نسمع حديثه عن اقتران المعاني على أساس التماثل والمناسبة، كما نسمع عن اقتران المعاني على أساس المضادة والمخالفة[17].

هذا المفهوم البلاغي لاقتران المعاني يحمل تصورا منطقيا للنص، فالنص ليس بؤرة توتر حيوية، وليس فضاء للحرية لترك انفساح الوجود ليبدي انفتاحه عبر الكلام، كما أنه ليس عملية تفاعلية تنتج عبرها المعاني المتعددة. وإنما هو بناء تتحكم فيه الضرورة المنطقية التي تخضع المبدع إلى نهج مبدإ الملائمة البعيد عن أية محاولة لخرق النظام، وركوب التيه، ومغامرة الإبداع. يقول حازم: "كل قول قصد به محاكاة شيء، ونحى بذلك منحى من الأغراض، فإنه يجب ألا يتعرض فيه إلى ما هو أليق بمضاد الشيء المحاكى به، وأخص به أو أخص بمناسب مضاده، وألا يتعرض في تخييل حال الشيء المحاكى به إلى ما هو أخص بحال مضاد ذلك الشيء، أو مناسب مضاده، وألا يتعرض في القول وما دل عليه إلى ما هو أخص بمضاد الغرض الذي نحا به منحاه، أو إلى ما هو أخص بمناسب مضاد ذلك الغرض، وألا يتعرض فيه إلى لفظ له عرف فيما يضاد المعنى الذي دل عليه أو الغرض الذي نحا به منحاه أو الشيء الذي قصدت به محاكاته ولا إلى ما يناسب مضادات جميع ذلك، فإن التعرض في القول إلى ما يناسب تلك المضادات، أو إلى ما له عرف في شيء من ذلك، ضروب من التدافع"[18].

فما يهيمن في هذه الرؤية البلاغية الصارمة هو مبدأ الاكتمال، الذي يجعل تصورات الموجود متساوقة والنظام الكلي للعالم. وهذا يعني أن الكائن في الوجود لا يمضي على نمط كينونته الخاصة، بقدر ما يخضع لنمط انتظام الكون، وبالتالي عليه ألا يكون ذاته بقدر ما هو حامل لصورة هذا النظام. وهنا فإن بلوغ كمال المعنى، ليس إلا تحقيقا لمبدإ اكتمال الكلام والنظام. هذا الاكتمال يحكمه التوافق والالتئام كشرط أساسي لعملية الخلق التي لا تتمثل إلا ضمن إعادة إنتاج التوافق والنظام.

وفق هذا المنظور فالبلاغة لا تعني سوى بلوغ النظام الشامل بوصفه نظام التناسب والاتفاق والالتئام. وهذا هو المبدأ الكلي الذي انتهجته البلاغة كاستعادة منطقية لنظام العالم.

وهذا المبدأ الكلي هو الذي يؤسس البلاغة لدى حازم كعلم كلي لأن "معرفة طرق التناسب في المسموعات والمفهومات لا يوصل إليها بعلم من علوم اللسان إلا بالعلم الكلي في ذلك، وهو علم البلاغة، الذي تندرج تحت تفاصيل كلياته ضروب التناسب والوضع، فيعرف حال ما خفيت به طرق الاعتبارات من ذلك بحال ما وضحت به طرق الاعتبار، وتوجد طرقهم في جميع ذلك تترامى إلى جهة واحدة من اعتياد ما يلائم واجتناب ما ينافر"[19].

البلاغة من هذه الوجهة تضحى مديحا لنظام العالم، يصبو نحو بلوغ كمال العالم بواسطة القوانين الكلية لعلم البلاغة المستمدة، بل "المنشأة على أصول منطقية وآراء فلسفية" على حد تعبير حازم، و"الفلسفة بهذا المعنى تمنح علم البلاغة أساسا للشمول، وتجعل العلم جديرا بصفة الكلية ما دامت الفلسفة تعضده بتصوراتها" كما استخلص ذلك الدكتور جابر عصفور[20].

ولا شك أن هذه الرؤية نابعة من أصول الميتافيزيقا التي بنت تصورا للعالم قائما على النظام الكلي وعلى التسلسل والشكل، والجمال والحكمة، والعناية الإلهية. والعالم وفق هذا المنظور يمتلك تناسقا دقيقا ويشكل كلية أنطولوجية منتظمة العناصر. إن انتظامية العالم إذن غدت ذلك الشرط الأنطولوجي للحقيقة، كما هي شرط لإنتاج الكلام الذي تتحدد بلاغيته في بلوغ نظام العالم، وتحقيق التوافق والتلاؤم الشامل.

وبلوغ نظام العالم، بوصفه تجسيدا للمبدإ الكلي إنما هي تأشير على نهاية البلاغة، وعلى لحظة اكتمال قصوى، والنهاية هنا بمعنى الغاية، وليس بمعنى الانتهاء والزوال. أي أن العلم المسمى بلاغيا قد استنفد فعاليته، فلم يعد يمارس تأثيرا خلاقا على الفنون الأدبية، لأن رؤى العالم الحديثة والمعاصرة قد قوضت مفهوم النظام، كما قوضت كثيرا من القوانين والمسلمات التي كانت تشكل الأساس الميتافيزيقي، وضمنها طبعا قانون التطابق بوصفه أساس الحقيقة في المنظور التقليدي، وسيترتب عن ذلك إلغاء الفكرة القائلة بوحدانية الحقيقة من جهة، وإبطال مفهوم العقل الإنساني المطلق من جهة أخرى. وسيضحى الحديث عن "فهم كلي ضربا من ضروب انعدام علاقات المنظور، وضربا من عدم الفهم بجوهر المعرفة" على حد تعبير نيتشه[21].

تقويض البلاغة:

1 ـ اللحظة الكنطية:

لعل أهم اللحظات الأساسية التي بدت من خلالها مفاهيم البلاغة معرضة للتقويض، هي تلك التي بدأ فيها مفهوم الذات في الظهور، خاصة مع ديكارت الذي اقترنت فلسفته بالكوجيطو، الذي يعلن ولادة "الأنا أفكر" باعتباره مصدر المعرفة بالعالم. وبذلك يتهاوى منطق العالم القديم الذي يعطي الأولوية لأصل ميتافيزيقي مفارق، هو مبعث الانتظام والمعرفة والأشياء، وأن وظيفة الكائن لا تعدو أن تكون محاكاة لنظام العالم. فمع ديكارت تصبح الذات سيدة العالم، وهي وحدها المسؤولة عن إصلاح نفسها، وهنا فبداية الحداثة تقترن في هذه اللحظة التي تحرر فيها الإنسان ليعود إلى ذاته، من حيث هو ذلك الكائن الذي يتمثل نفسه برده كل الأشياء نحو ذاته كحكم أعلى، ومعنى ذلك فإن "اسم الذات اتخذ معنى جديدا يغذو اسم العلم الذي يطلق على الإنسان، ويستلزم ذلك أن كل ماليس إنسانا فسيضحى مجرد موضوع يوضع أمام الذات"[22].

ومع ديكارت يضحى التطابق صنيع الذات وليس نتيجة نظام العالم كما هو الشأن في التصور التقليدي للميتافيزيقا، فهذه الذات هي مصدر اليقين، ومنبع الوعي الذي يبسط هيمنته على الطبيعة والكون، ومن هنا يغدو تطابق الذات متماسكا، فهي تدرك العالم اعتمادا على "الأنا موجود". فهو المركزية التي لا شك في ثبوتها، ومع كانط ستبدأ مراجعة الكوجيطو الديكارتي المؤسس "للمثالية الاحتمالية" التي تدعي العجز عن إثبات وجود خارج وجودنا بتجربة مباشرة، ومرد تهافت هذه المثالية حسب كانط، هو كونها عقلانية ومطابقة لنمط تفكير فلسفي مدعم يمنع إصدار أي حكم حاسم قبل العثور على دليل كاف، وعلى الدليل المطلوب أن يبين إذن أن لدينا بالأشياء الخارجية لا محض تخيل بل تجربة، وهو أمر لا يمكن إثباته –كما يستخلص كانط- إلا بإثبات أن تجربتنا الباطنية، التي لا شك فيها عند ديكارت، ليست هي نفسها ممكنة، دون افتراض التجربة الخارجية[23]. ومجرد الوعي بوجودنا الخاص، هذا الوعي المتعين امبريقيا، يبرهن على وجود الموضوعات في المكان خارجا عني، فالتجربة الباطنة ليست ممكنة إلا بالتجربة الخارجية بعامة. والحال كما يرى كانط أن الوعي في الزمان مرتبط ضرورة بوعي إمكان هذا التعين الزمني: فهو إذن يرتبط بالضرورة بوجود الأشياء خارجا عن الذات كشرط للتعين الزمني. ومعنى ذلك أن الوعي بالوجود الخاص وعي معا وهي مباشر بوجود الأشياء الخارجة عن الذات، وبالإضافة "إلى أن كل تعين زمني لا يمكن إدراكه إلا من خلال التبدل في العلاقات الخارجية (للحركة) بالنسبة إلى ما في المكان من دائم، وليس هناك قط من دائم يمكن وضعه باعتباره حدسا تحت مفهوم الجوهر سوى المادة فحسب. وهذا الدوام نفسه لا يستمد من التجربة الخارجية بل يفترض قبليا، عبر وجود الأشياء الخارجية كشرط ضروري لكل تعين زمني ومن ثم أيضا كتعين لحسنا الباطن بالنسبة إلى وجودنا الخاص"[24].

وأهمية كانط تكمن في كونه أدخل مفهوم الحساسية إلى مجال المعرفة الفلسفية. والحساسية هي القدرة على تلقي التصورات بالطريقة التي بها يتأثر الكائن بالموضوعات العارضة، وأثر موضوع على القدرة التصورية من حيث تتأثر به هو الإحساس، والحدس الذي هو على صلة بالموضوع بواسطة الإحساس يسمى "امبيريا"، والموضوع اللامتعين لحدس أمبيري يسمى "ظاهرة". وما هو متناسب مع الإحساس في الظاهرة يسميه كانط "مادتها"، أما ما يمكن متنوع الظاهرة من أن ينسق بموجب علاقات معينة فيسميه "صورة الظاهرة". وهي صورة قائمة قبليا في الذهن ينظر إليها بمعزل عن كل إحساس، ويمكن أن تدعى صورة الحساسية المحضة هذه "حدسا محضا" يقيم قبليا في الذهن، ومن هنا يسمي كانط "الاستطيقا الترنسندالية" بعلم كل مبادئ الحساسية القبلية، الذي نتمكن من خلاله من عزل الحساسية بصرف النظر عن كل ما تفكره الفاهمة بمفاهيمها حتى لا يبقى سوى "الحدس الامبيري"، وتنمية كل ما ينتمي إلى الإحساس حتى لا يبقى فيه إلا "الحدس المحض" ومجرد صورة الظاهرات،و"هي الشيء الوحيد للحساسية الذي يمكن أن تعطيه قبليا"[25].

ويكشف كانط في هذا الصدد عن مسألة في غاية الأهمية أطاحت بمبدإ المطابقة بين التصور والشيء أو بين المفهوم والموجود الحسي أو بين الاسم والمعنى المطابق للشيء كما هو في ذاته الذي قام عليه التصور البلاغي القديم، هذه المسألة تتعلق بالحدس الذي يعتبره كانط مجرد تصور للظاهرة، أما الأشياء المحدوسة فهي ليست في ذاتها على نحو ما تحدس، ولا علاقة قائمة في ذاتها على نحو ما تظهر للذوات، وسيختفي كل قوام للأشياء وكل علاقاتها في المكان والزمان في حالة تجديد الكائن لذاته وتجريد الأساس الذاتي للحواس بصفة عامة.

"أما ما قد تكون عليه الموضوعات في ذاتها، وبمعزل عن قدرة تلقي حساسيتنا، فهو ما سيظل مجهولا تماما بالنسبة لنا، فنحن لا نعرف سوى نمط إدراكها، وهو نمط خاص بنا"[26]. فالمكان والزمان مثلا هما صورتا نمطنا المحضتان، والإحساس  عامة هو مادته، ويمكن معرفتهما قبليا قبل تحقق أي إدراك. ولذا فهما يحملان اسم الحدس المحض، أما الإحساس فهو مافي معرفتنا يجعلها تسمى معرفة بعدية أي حدسا أمبيريا![27].

ومن ثم فإن ما يعرفه الكائن ليس سوى نمط حدسه أي حساسيته الخاضعة لشرطي الزمان والمكان الملازمين أصلا للذات، بينما يبقى مجهولا التوصل إلى معرفة الأشياء في ذاتها، بل ما يعرف هو ظاهر الأشياء، ونمط تأثر الذات به بوصفه حساسية، "فالقوام الذاتي نفسه بالضبط هو ما يعين صورة الموضوع كظاهرة"[28]. وهذا ما يعني أن الظاهرات يمكن أن يقال عنها أشياء متعددة مرتبطة بصورتها ولكن لا يمكن أن يقال أي شيء عن "الشيء في ذاته" الذي يؤسس هذه الظاهرات التي لا توجد بذاتها، والتي هي تصورات عن أشياء لا نعرف ما قد تكون عليه في ذاته، ومن ثم فالظاهرة Phénomène والشيء في ذاته Noumène مرتبطان، ولكن ارتباطهما ليس سببيا، وإنما تمليه الضرورة العلائقية، وهذا يعني أن الكائن في ذاته يتطابق مع ظهوره: فهو آخرية غيرية لكلية ظهوره.

وإذن فالاختلاف بين الشيء "في ذاته" والظاهرة هو ذو سمة ذاتية: "إنه يؤشر لعلاقة مختلفة ليتمثل الموضوع"[29]. ومن وجهة نظر فنية "فواقع الأشياء هو أثر الأشياء بينما ظهور الأشياء هو أثر الإنسان" كما يقول شيلر Schiller مستلهما الكانطية النقدية[30]. وقد كان لهذه الرؤية أثرها العميق في إحداث انقلاب في الفكر البلاغي الكلاسيكي.

إن الوظيفة في الفن لن تغدو بلاغية تتضمن تبليغ اللفظ المطابق للمعنى، الأصل، وإنما هي وظيفة تتضمن تجربة لكنها ذاتية تقرن الطبيعة بالحرية، وملكة الحكم لن تغدو هي الجمع بين الضرورة والطبيعة، بين الأسماء والأشياء كما هي في ذاتها، وإنما هي منغرسة في الحرية، فالحرية تضحى طبيعة، والطبيعة حرية، وأما التوافق الهارموني بين الحساسية، والمخيلة، والعقل، فهو توافق محض ذاتي، ليس له من قيمة موضوعية، وهذا ما يعني أن ملكة الحكم الاستطيقية ليست معينة (بكسر الياء المشددة) وإنما تفكرية، أي أنها متأملة لذاتها، وليس للموضوع. فهي تحيل كل تموضع خارجي إلى رؤية الذات، ومن هنا فعلى مستوى الفن، فالإنسان يتجاوز كل الحدود والتمايزات، فهو يحقق في الذات، غائية العالم، فالفن هو غائية بدون غاية Finalité sans fin[31]، وهو ما يؤشر على أن الفن لا يحيا انطلاقا من عالم منطقي وضروري، وإنما في عالم خارق وسحري. إنه يحرر الأحاسيس، ويحمل الإنسان على فك ارتباطه بكل غاية للإحساس.

وهذا التحليل الجذري سيعطي للشعر بعدا خلاقا وحيويا، ومن ثم فكانط يضعه كنقيض للفصاحة، "أو للبيان والبلاغة" التي لا تقوم على اللعب الحر للمخيلة بقدر تؤسس من خلال العقل تصوراتها. أما في الشعر فهو يعطي قوانينه الخاصة النابعة من المخيلة التي ليست هي استرجاعية،وإنما إنتاجية من حيث أن تأليفها هو عمل من أعمال التلقائية، يعين وليس يتعين فحسب كما هو الحس، وحيث أن بإمكانها من ثم أن تعين قبليا الحس لجهة صورته بموجب وحدة الإبصار. إذن فالمخيلة هي القدرة على تحديد الحساسية قبليا، وتأليفها للحدوس وفقا للمقولات يدعى تأليف المخيلة الترنسندالي[32]. إن المخيلة حسب هذا الطرح تدخل بالضرورة في الإدراك نفسه[33] لأنها ملكة فعالة بما هي تركيب للمتنوع، وعمل هذه الملكة إذ يسري على المدركات مباشرة، يحصل الفهم، ومعنى هذا أن المخيلة تؤلف من متنوع الحدس "صورة" ما وتتلقى بالمقابل الارتسامات –ضمن هذه الفعالية- المولدة للفهم[34].

وإذن فالمخيلة هي الملكة الأساسية للروح الإنسانية، بواسطتها يتمكن الكائن من ربط متنوع الحدس مع شرط الوحدة الضرورية للإدراك المحض، ومعنى هذا أن الحساسية والفاهمة سيغدوان مرتبطان بواسطة توسط الوظيفة المتعالية للمخيلة، بما أنهما معا ينتجان بلا شك ظواهر، وليس مواضيع معرفة امبيرية[35].

وكما أشرنا فالظواهر كما يراها كانط ليست أشياء في ذاتها، ولكنها بتعبير أدق هي "مجرد لعبة لتمثلاتنا التي ترجع في النهاية إلى محددات الإحساس الداخلي[36].

إن أهمية كانط الأساسية تكمن في إطاحته بمفهوم التطابق بين المعرفة الموضوع، الذي يجسد معنى الحقيقة في الفهم التقليدي للميتافيزيقا. وهو بذلك يؤسس لتطابق من نوع آخر، وهو –إن شئنا- تطابق المعرفة مع قوانين الفاهمة والعقل وتطابق الحساسية مع قوانين الحدس المحض التي تقوم على الصلة المتعينة بين تصورات معطاة وشيء ما, وهذا يعني أن هذه القوانين لا توجد في الظاهرة وإنما هي في الذات التي تلازمها الظاهرات، مثلما أن الظاهرات لا توجد في ذاتها بل هي فقط في تلك الذات من حيث لها حواس[37].

مع كانط يتأسس العالم كظاهرة على الذات، وهو ما يجعله منخرطا في عملية يتطابق فيها مفهوم الكينونة مع تصورات الذات. وفي هذا الإخضاع نسف للأسس التقليدية للميتافيزيقا من جهة، وللتصور البلاغي من جهة أخرى، هذا التصور الذي اعتمد مقولة "مطابقة اللفظ للمعنى" من جميع وجوهه. وهذا مؤشر أساسي على تجاوز البلاغة القديمة التي عدت مع كانط عديمة الجدوى، هذا التجاوز الذي تزامن مع ظهور علم الجمال "الاستيطيقا"، والذي كان لكانط دور أساسي في صياغة أسسه الفلسفية[38]. كما كان له دور هام في التأثير على حركة الرومنتيكيين الذين جعلوا من الذات محورا منه يستمد العالم تمظهراته، ومن هنا فلم تعد وظيفة المبدع محاكاة هذا العالم، من خلال التعبير البليغ عن أشيائه ووقائعه، وإتقان لغة التطابق بين اللفظ والمعنى الأصل. بل على العكس من ذلك غدا العالم خاضعا لرؤيا الذات المتخيلة. ومن ثم فالذات هي التي تنتج صور العالم التي لن تتوافق بالضرورة مع العالم ذاته، بقدر ما تكون معبرة عن الحقيقة الباطنية بما هي نتاج التجربة الذاتية التي تحدس الوجود وتستكنهه وفقا لمنطق مغاير تتطابق فيه الذات مع متخيلها وحدوساتها، وهو ما أعطى إعادة تصور جديد تقوم فيه المفارقة كشكل أرقى للفكرة حيث تتوحد فيها الأضداد. "والقدرة الشعرية من هذه الوجهة كفيلة بالتفكير فيما هو متناقض بالعمل على مزجه وتوحيده"، وهذه القدرة هي تعبير جوهري عن "الفن بما هو مزج مطلق أو تأويل متبادل للحرية والضرورة، فالضرورة والحرية مرتبطتان مثل الشعور واللاشعور" على حد تعبير شيلنج[39].

هذه الرؤية المتجددة التي ساهمت الفلسفة الكنطية في ترسيخها كانت بمثابة الإعلان الفلسفي الجديد المسؤول عن اختفاء البلاغة وانطلاقة متحررة للفن التعبيري، وهذا ما حدا بالشاعر الرومنتيكي فيكتور هوجو إلى إعلان الحرب على البلاغة باسم المساواة قائلا:

"لا مجال بعد الآن لكلمات ترقد في حضنها

أفكار التحليق الصافي المفعم بالزرقة"

يقول هوجو: "إن الكلمات متساوية وحرة ورشيدة"[40]. وهو يعني أن الكلمات مشدودة إلى تصورات الذاتية الحرة وليست إلى المعاني الخالصة. وإذا كانت البلاغة قد غرقت في وهم خروجها المطلق عن لا مشروطية الزمان والمكان، وتصورت خلود قوانينها وأبدية علاقاتها، فإن مفهوم الفن كما أصبح يتصوره الرومانتيكي أضحى ذا قانون خاص وأهداف مستقلة، "حيث تتمتع كل أجزائه بوضعها في المواطنة الحرة، وحقها في أن تتفق فيما بينها" كما يرى شليجل[41].

وهذا لا يعني إلا بداية تحول جذري يحدث قطيعة أساسية مع مفهوم المطابقة بين الشيء والمفهوم. وبين الكلمة والمعنى، وهذا التحول يتجلى أساسا في الانتقال من المعيارية إلى الوصفية، ومن القاعدة إلى الظاهرة. وكل ظاهرة هي وليدة تصور للذات التي تتمثل العالم وتصوغه وفقا لقوانينها الذاتية، ومن هنا فإنه لم يعد مطلوبا من المتكلم أن يصوغ الكلام وفقا لوجود معطى خارج الذات بحثا عن معنى أصل، بقدر ما غدا الشيء مفصولا عن ذاته أي ظاهرة تتمثلها الذات وفقا لحدوساتها القبلية، وفقا لقدرة المخيلة على إعادة تأليف الشيء كظاهرة حيوية وكتعبير عن تصورات الذاتية، هذا التصور النقدي سحب الأساس الفلسفي التقليدي الذي تقوم عليه البلاغة، وأحالها إلى فن متقاعد مجرد عن البعد الحيوي المتجدد، وعن الفعالية الشعرية.

2 ـ اللحظة النيتشية:

تتميز اللحظة النيتشية بتجذيرها لمفهومات "التأويل" و"المنظور" perspective والتقويم évaluation والاختلاف، مما كان له أثر كبير في تحرير الدال من تبعيته أو وضعيته المتفرعة بالقياس إلى "اللوغوس" أو المفهوم المرتبط به، مفهوم الحقيقة أو المدلول الأول أيا كان المعنى الذي نمنحه له"[42]. إن اللحظة النيتشية هي بمثابة ثورة جذرية تقوم على الهدم من جهة، وعلى إعادة البناء من جهة أخرى، ومن ثم كانت هي البوابة المشرعة على تأسيس رؤية –ليست جديدة- وإنما متجددة وحيوية بما هي تعبير جوهري عن إرادة القوة.

إن مشروع نيتشه في جانبه التدميري يستهدف تدمير الأوهام، وفضح الأقنعة، وما يستلزم ذلك من الإطاحة بعالم البلاغة الذي يقوم على ثنائيات الحقيقة والمجاز، الواقع والاستعارة، الظاهر والباطن، الأصل والفرع، وهي ثنائيات ميتافيزيقية قائمة على مبدإ التشابه والملاءمة، "فحيثما كانت الأشياء فهي تتشابه، وحيثما كان هناك تشابه، كان هناك معنى وكان بالإمكان الحفر وراءه"[43].

لقد غدا عالم الحقيقة بمقتضى القلب النيتشوي للقيم مجرد خرافة فلسفية وهذ ما يستلزم إزالة التصور الثنائي الذي كون مصدر ميتافيزيقا الحقيقة وشكل هيكلها الثنائي المتناقض للخطإ. وإذن فإن هذه الثنائية الأنطولوجية بما هي مجرد مصادرة ميتافيزيقية مبرر لها في واقع الأشياء ذاتها"[44]، وإزالة ثنائية الحقيقة/المجاز تقويض جذري للأساس الميتافيزيقي للبلاغة القديمة، فلأول مرة يضحى مفهوم الحقيقة لا يحيل إلى أصل خفي بقدرما هو تعبير عن الظاهر أو السطح، وهكذا يضحى العالم مع نيتشه عالم السطح، وحقيقته تتجلى كلها على سطح الوجود، وأهمية هذا التصور تكمن في إعادة انتشاله لمفهوم الاستعارة والمجاز من عالم البلاغة والميتافيزيقا، ورده إلى عالم السطح حيث يتم ردم الهوة بين الحقيقة والمجاز،بين المعنى الباطني والاستعارة، فمع نيتشه، الحقيقة هي ذاتها المجاز والاستعارة، ففي تحديده لمفهوم الحقيقة يقول نيتشه بأنها مجموعة حية من الاستعارات والتشبيهات والمجازات، وهي بإيجاز، حاصل علاقات إنسانية تم تحويرها وتجميلها شعريا وبلاغيا حتى غدت، مع طول الاستعمال لشعب من الشعوب تبدو دقيقة وذات مشروعية وسلطة مكرهة، إلا أن الحقائق عبارة عن أوهام نسينا أنها كذلك، واستعارات استخدمت كثيرا حتى فقدت قوتها، إنها قطع من النقد فقد الختم المرسوم عليها، وأخذ ينظر إليها لا على أنها قطع نقدية بل مجرد مادة معدنية.

وبلغة الأخلاق فإن الأمر يتعلق بالإكراه على الكذب طبق عرف متشدد، وبالكذب بطريقة جماعية مكرهة للكل […] بدون ذلك لا حقيقة ولا مجتمع، ولا حضارة بل الأزمة المأساوية.

إن كل ما هو طيب وخير، وكل ما هو جميل مصدره الوهم. إن الحقيقة تقتل بل أكثر من ذلك، إنها تقتل ذاتها عندما تكتشف أن أساسها هو الخطأ"[45].

إذن فليست الحقيقة سوى الاستعارة التي بها يحيا الكائن، فهي مجرد منظور يعبر عن إرادة القوة، وهي في خدمة الحياة بوصفها قيمة حيوية. و"بذلك فقدت الحقيقة قدسيتها وبراءتها لأنها انخرطت في لعبة القوى ومنظورات الصراع والتدفق الحيوي"[46]، وهنا يستنتج عبد السلام بنعبد العالي ومحمد سبيلا بأن لمفهوم الحقيقة تداعياته في التصور البراغماتي للحقيقة كشيء نافع ومفيد[47]. وتمشيا مع هذا الاستنتاج نلاحظ بأن لنيتشه تأثيرا أساسيا في إعادة بناء مفهوم الاستعارة وانتشاله من الاستعارة باعتبارها تمثل البعد الحيوي والبراغماتي للكائن الإنساني، يقول مؤلفا كتاب الاستعارات التي نحيا بها:

"تمثل الاستعارة بالنسبة لعدد كبير من الناس أمرا مرتبطا بالخيال الشعري والزخرف البلاغي. إنها تتعلق في نظرهم، بالاستعمالات اللغوية غير العادية، وليس بالاستعمالات العادية. وعلاوة على ذلك، يعتقد الناس أن الاستعارة خاصية لغوية تنصب على الألفاظ وليس على التفكير أو الأنشطة. ولهذا يظن أغلب الناس أنه بالإمكان الاستغناء عن الاستعارة دون جهد كبير. وعلى العكس من ذلك، فقد انتبهنا إلى أن الاستعارة حاضرة في كل مجالات حياتنا اليومية، إنها ليست مقتصرة على اللغة، بل توجد في تفكيرنا وفي الأعمال التي نقوم بها أيضا، إن النسق التصوري العادي الذي يسير تفكيرنا وسلوكنا ذو طبيعة استعارية بالأساس […] هذا النسق يلعب دورا مركزيا في تحديد حقائقنا اليومية، وإذا كان صحيحا أن نسقنا التصوري ذو طبيعة استعارية فإن كيفية تفكيرنا وتعاملنا وسلوكاتنا في كل يوم، ترتبط بشكل وثيق بالاستعارة"[48].

وفق هذا المنظور أضحت الاستعارة داخلة في التركيب الأنطولوجي الرمزي للكائن الإنساني، وغدت مغذية لحقل الحقائق في المجال اليومي، وبما هي كذلك في رأي ج.لايكوف ومارك جونسون، "فإن الجزء الأكبر من نسقنا التصوري العادي هو استعاري من حيث طبيعته"، وهو ما يعني أيضا أن الاستعارة "لا ترتبط باللغة أو الألفاظ، بل على عكس ذلك، فسيرورات الفكر البشري هي التي تعد استعارية في جزء كبير منها. وهذا يدل على أن النسق التصوري البشري مبنين استعاريا، فالاستعارات في اللغة ليست ممكنة إلا لأن هناك استعارات في النسق التصوري لكل منا"[49].

يتضح إذن أن مصدر هذه الرؤية يؤول إلى نيتشه، وإلى ريكور أيضا، مؤلف كتاب الاستعارة الحية الذي يستعيد التأويل النتشوي للعالم معتبرا في الآن ذاته الوظيفة الحيوية للاستعارة باعتبارها داخلة في التكوين الأنطولوجي الرمزي للكينونة، وهذه الوظيفة كاشفة عن تجارب معيشية، وليست بالتالي وظيفة بلاغية. فالاستعارة ليست مجرد زخرف لغوي[50]. ففي الوظيفة الأنطولوجية للاستعارة يتم تقديم "الإنسان وهو يعمل"، و"كل الأشياء كما لو كانت تفعل"، فالطاقة الكامنة في الوجود تولد الكفاءة الخلاقة للفعل، "وعندئذ يصبح التعبير الحي هو الذي يقول الوجود الحي"[51]. ولعل هذا هو أهم منجزات اللحظة النيتشية. لقد أحدثت انقلابا جديا في التصور الفلسفي للغة والوجود والحقيقة، فالحقيقة هي الاستعارة ذاتها حين تعرض قوتها الحيوية في العالم، إنها تنتمي لعالم السطح، عالم الظاهرة المتشكل وفق استراتيجيات الهيمنة المتصارعة في العالم الخارجي، وفي الوقت الذي يقوض فيه نيتشه الأزواج الميتافيزيقية ومثيلاتها البلاغية، فإنه يؤسس مفهوما جديدا يستند إلى رؤية جنيالوجية تقف على "استعارية الوجود ومجازيته" التي تكشف عن البعد القيمي والتفاضلي للحقائق التي هي المجموعة الحية للاستعارات.

فالوجود مؤشر على خداع مجازي يتم عبره خلق القيم وتوليد الاستعارات الجديدة، بوصفها تعبيرا عن لعبة توتر حيوية، هذه اللعبة التي تنتج المعنى التفاضلي، و"ما المعنى إلا بؤرة تناحر إرادات القوة. إذ أن الدليل ليس سوى الفضاء التفاضلي الذي تتصارع فيه التأويلات والقراءات"[52]. ولعبة الاستعارة ما هي في نظر نيتشه إلا تكثيفا مضاعفا لعالم الظاهر الذي ما ينفك يحيل إلى ظاهر آخر، ومظاهر أخرى. وبتعبير الباحث الأصيل "عبد السلام بنعبد العالي"، فكل شيء قناع، وكل قناع عندما يكشف، ينكشف عن قناع آخر، ومظاهر أخرى، وليس الوجود، وليست الصيرورة إلا حركة هذه الأقنعة والتأويلات"[53].

إذن فإن الوجود يتكشف كلعبة حيوية لاستعارات متصارعة، وبالتالي فإن العلاقات كما يلاحظ فوكو تغدو كلها عبارة عن أقنعة. فليس هناك مدلول أصلي يحيل إلى حضور التطابق، ويستلزم معيارية الحقيقة، بقدرما هنالك كلمات ليست في حد ذاتها سوى تأويلات، وهي قبل أن تصبح علامات تكون قد قامت خلال تاريخها بتأويلات. "وكلما أغرقنا في التأويل نقترب، في الوقت ذاته، من منطقة شديدة الخطورة لا يرتد عندها التأويل على أعقابه فحسب، بل يختفي كتأويل، محدثا معه اختفاء المؤول. فيما أن النقطة النهائية للتأويل تظل دوما نقطة تقريبية، فإن ذلك يعني وجود نقطة انفصال"[54].

وإذن فلعبة التوتر الحيوية للاستعارة، هي لعبة تقويم الوجود، لعبة إنتاج قيم مفاضلة جديدة وفق التصور المنظوري للعالم. يقول نيتشه:

"إن قيمنا هي عبارة عن تأويلات أدخلت من طرفنا على الأشياء، هل هناك دلالة في ذاتها؟ أليست كل دلالة بالضبط هي دلالة نسبية؟ أي منظور. إن كل دلالة هي إرادة قوة كل الدلالات النسبية يمكن أن ترجع إليها"[55].

المنظورية إذا هي انكشاف الوظيفة الاستعارية للوجود، أو هي سمة "المظهر"، وإلغاء المنظورية يلغي العالم، والعالم من جهة معنية هو منظورات متعددة ليس أكثر ولا أقل من المظاهر التي يتجلى فيها للعيان، والمظاهر إذ تشكل علامات ودلالات فإنها لا تجد حقيقتها في ذاتها أو في عالم آخر، وإنما في إرادة التأويل، وفي قوتها على توليد المعنى الأصلح الذي يلائم حياة الإنسان[56]. وهذا يعني أن المنظورية في ابتعاد عن التصور الواحدي للعالم، وهدم للثنائية الميتافيزيقية والبلاغية التقليدية، إنها تستهدف أن يكون التعدد مكونا أساسيا لرؤيتنا للأشياء المتفاعلة في العالم الحي. وهذه هي الخاصية الجوهرية للاستعارة حين تقديمها للواقع كمجال حيوي للعبة الصراعات الدينامية المولدة للتوتر الذي يتمثل في الخطاب الاستعاري، وهو توتر يؤدي حسب ريكور إلى كشف العلاقة بالواقع عبر ثلاث مستويات: "أولها يتصل بالتوتر الماثل بين عناصر الخطاب ذاتها. وثانيها يتعلق بالتوتر بين التأويل الحرفي، والتأويل الاستعاري من قبل المتلقي، وثالثها يرتبط بتوتر الإشارة بين أن يكون المستعار له هو نفس المستعار، ولا يكون في الوقت ذاته، وإذا كان صحيحا أن الدلالة -حتى في أبسط صيغها الأولية- إنما تبحث عن نفسها في الاتجاه المزدوج للمعنى والإشارة، أي في العلاقة مع اللغة حيث يوجد المعنى والعالم وحيث تتجه الإشارة، فإن الخطاب الاستعاري هو الذي يحمل هذه الديناميكية إلى ذروتها"[57].

خلاصة:

إن الوجود من خلال جينيالوجيا نيتشه هو وجود استعاري ما يفتأ يولد القيم وينتج الحقائق، وفق لعبة توتر دينامية أساسها صراع إرادات القوة. وهذا البناء للوجود هو نقيض وهدم للنظرية الميتافيزيقية للعالم، وتقويض للبلاغة في حد ذاتها باعتبارها مؤسسة على هذه الرؤية الميتافيزيقية التي تنشد التطابق وتستدعي الحضور.

وإذا كنا انتقلنا مع كانط من الرؤية المعيارية للحقيقة إلى الظاهرة بوصفها تمثلا للذات وفق حدوساتها القبلية، فإننا مع نيتشه اكتشفنا أن العالم عبارة عن سطوح، وأن حيويته تتمثل في استعاريته، مما يجعله مجالا لتوليد قيم مفاضلة جديدة هي تعبير متجدد عن صراع إرادات القوة المتناحرة. وهذا التصور أعطى دفقا جديدا للشعرية، وانتشلها من مجال البلاغة باعتبارها عملة ميتافيزيقية أضحت ميتة ومجردة عن الحيوية، هذا الموت الذي أعلن عنه بارت في كتاباته حول البلاغة القديمة[58]. ولا شك أن محاولات تجديد البلاغة، إنما هي محاولة للتلفيق والجمع بين عناصر قوة جامدة بلاغية وعناصر قوة حيوية لا بلاغية، مما يتعذر معه إنتاج تصور جديد وفاعل.

إن الشعرية بما هي مفهوم مستقبلي، حامل لقوى التجدد التي تستجيب للقدرة الفاعلة للتأويل، تظل هي المجال التداولي لإنتاج القيم الجمالية والفنية الجديدة، ومن ثم يتوجب أن تنحاز أساسا للفكر الجديد، الفكر المجاوز للميتافيزيقا والبلاغة. أليس الفن والشعر –في النهاية- منذوران لتجاوز الميتافيزيقا، كما يعتقد هيدغر ونيتشه؟

 

 



[i] عبد السلام بنعبد العالي، أسس الفكر الفلسفي المعاصر، دار توبقال للنثر، 1991، ص133.

[2] أحمد أبو ملحم، (البلاغة اصطلاحا)، مجلة الفكر العربي، عدد خاص بالبلاغة، ع46، سنة 1978، ص154.

[3] الجاحظ، البيان والتبين، ط.1974، ص90.

[4] الجاحظ، الحيوان، ج.2، ص131.

[5] الجاحظ، البيان والتبيين، ج1، ص90.

[6] الجاحظ، المرجع السابق، ج1، ص126.

[7] المرجع السابق، ص55، ج1.

[8] عبد اللام بنعبد العالي، نفس المرجع، ص134.

[9] عبد الرحمان بن خلدون، المقدمة، دار البيان، بيروت، ص562.

[10] المرجع السابق، ص551.

[11] هيدغر، التقنية، الحقيقة، الوجود، ت.محمد سبيلا وعبد الهادي مفتاح، المركز الثقافي العربي، البيضاء، 1995، ص12.

[12] المرجع السابق، ص16.

[13] القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، ص12.

[14] هيدغر، المرجع السابق، ص26.

[15] حازم القرطاجني، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، دار الكتب الشرقية، ص178.

[16] نفس المرجع، ص45.

[17] الدكتور جابر عصفور، مفهوم الشعر، دراسة في التراث النقدي، دار التنوير، ط2، 1982، ص290.

[18] حازم القرطاجني، ص147، المنهاج.

[19] المرجع السابق، ص28.

[20] جابر عصفور، مفهوم الشعر، ص131.

[21] يوسف بن أحمد: (منظورية الحقيقة عند نيتشه)، مجلة الفكر العربي المعاصر، ع102-103، ص59.

[22] عبد السلام بنعبد العالي، نفس المرجع، ص108.

[23] عمانويل كانط، نقد العقل المحض، ت.موسى وهبة، مركز الإنماء القومي، بيروت، ص156.

ـ اعتمدنا أيضا الترجمة الفرنسية الصادرة عن غاليمار لكونها مزيدة وتتضمن ملحقا ونقطا توضيحية لا تتوفر في الترجمة العربية.

[24] كنط، نفس المرجع، ص157.

[25] المرجع السابق، ص60.

[26] المرجع السابق، ص69.

[27] م.س، ص70.

[28] المرجع السابق، ص70.

[29]  Jean LA CROIX: Kant et le kantisme, Presses Universitaires de France, Editions Delta, p38.

[30]  Ibid, p78.

[31]  Ibid, p81.

[32] كنط: المرجع السابق، ص108.

[33]  Kant : Critique de la raison pure, Traduit de l’allemand par Alexandre J.L.Delamarre et François Marty,. Gallimard, 1980, p727.

[34]  Ibid, p727.

[35]  Ibid, p730.

[36]  Ibid, p714.

[37] كنط، الترجمة العربية، ص112.

[38] انظر بحثنا (استطيقا الشعر في الأسس الفلسفية لعلم جمال الشعر)، مجلة فكر ونقد، س2، ع15.

[39] صلاح فضل، بلاغة الخطاب وعلم النص، عالم المعرفة، ع164، ص55.

[40] المرجع السابق، ص124.

[41] م.س، ص125.

[42] دريدا، الكتابة والاختلاف، ت.كاظم جهاد، دار توبقال، 1988، ص120.

[43] ميشيل فوكو، (ماركس، نيتشه، فرويد)، ت.عبد السلام بنعبد العالي، مجلة الكرمل، ع11، ص301.

[44] يوسف بن أحمد، المرجع السابق، ص52.

[45] محمد سبيلا وعبد السلام بنعبد العالي، الحقيقة، دفاتر فلسفية، ع4، دار توبقال، 1993، ص66.

[46] المرجع السابق، ص6.

[47] م.س، ص6.

[48] محمد سبيلا، عبد السلام بنعبد العالي، اللغة، دفاتر فلسفية، ع5، دار توبقال، ط1998، ص70.

[49] المرجع السابق، ص72.

[50] حسن بن حسن، النظرية التأويلية عند ريكور، تنسيفت، مراكش، 1992، ص25.

[51] صلاح فضل، نفس المرجع، ص158.

[52] عبد السلام بنعبد العالي، أسس الفكر الفلسفي المعاصر، ص131.

[53] المرجع السابق، ص131.

[54] فوكو، المرجع السابق، ص303.

[55] محمد سبيلا، بنعبد العالي، الحقيقة، ص68.

[56] يوسف بن أحمد، (منظورية الحقيقة عند نيتشه)، المرجع السابق، ص58.

[57] صلاح فضل، نفس المرجع، ص158.

[58] بارث، قراءة جديدة للبلاغة القديمة، ت.عمر أوكان، دار أفريقيا الشرق، البيضاء، 1994.