ص1      الفهرس   المحور 

 

حوار حول قضايا التعليم بالمغرب (*)

 

التعريب ، وحدة الوزارة، بطالة الخريجين

محمد عابد الجابري

وإذن فبطالة الخريجين ليست نتيجة كثرتهم بل هي نتيجة عدم الوفاء بمتطلبات التنمية، متطلبات حقوق الإنسان في هذا المجال. ومعلوم أن حقوق الإنسان ليست في حرية التعبير وسيادة القانون فقط، بل هي أيضا الحق في التعليم وفي الصحة وفي الشغل. وماذا يبقى من إنسانية الإنسان إذا حرم من المعرفة والعناية الصحية ومن العمل الذي يكسب به قوت يومه؟

التعليم حق. وهو اليوم أول حقوق الإنسان، لأن عالم اليوم والغد هو عالم العلم والمعرفة. هذا شيء نعرفه وتلوكه ألسنتنا، فلنستحضر النتائج ولنتحمل مسئوليتنا

 

بخصوص التعريب يجب الفصل بين شيئين: بين ما هو ثابت ومبدئي لا مجال فيه للمراجعة ولا للتراجع، وبين ما هو قابل للتغيير والتطوير.

أقصد بالثابت هنا كون اللغة العربية هي لغة المعرفة في المغرب. ليس هناك في أي مكان من العالم بلد يضع لغته موضوعا للمناقشة. اللغة هي الوعاء الذي تنصهر فيه الهوية ووحدة الوطن والمواطنة، ففي هذا الوعاء وبه تتحقق وحدة المشاعر ووحدة الفكر ووحدة الذاكرة ووحدة التطلعات. بدون هذا لن تكون هناك هوية ممتلئة وغنية، ولن تكون هناك جذور ولا ثقة بالنفس. الهوية ليست شيئا جامدا جاهزا بل هي كيان يكون ويصير، ينمو ويغتني باللغة وما تحمله وتنشره من موروث حضاري. اللغة جزء جوهري من الكيان، من كياننا كمغاربة، ومن كيان الفرنسيين كفرنسيين والإنجليز كإنجليز والأمريكان كأمريكان الخ. هناك في بلدنا من يخلط بين العلم والمعرفة وبين التكلم بالفرنسية، ربما بنغمة باريسية. وهذا جهل مركب. أستسمح البقال والمرشد السياحي، فقد قدر لي أن واجهت بعض أولئك بالقول: "حتى البقال يتكلم الفرنسية إذا كان يسكن في حي "أوربي". والحق أن كثيرا ممن يتشدقون بالفرنسية هم خالون من العلم، هم يجهلون الفكر الفرنسي والأدب الفرنسي. هم مجرد "بقالين".

ليس من عادتي أن أتكلم بهذه اللهجة، ولكن لابد من تنبيه الغافلين. لقد حضرت ندوات عديدة في الخارج، وكثيرا ما لاحظت أننا نحن المغاربة، بل نحن العرب، نعرف عن الثقافة الفرنسية أكثر مما يعرف عنها كثير من المثقفين الفرنسيين. وبكل تأكيد هناك مستشرقون ومستعربون، فرنسيون وغير فرنسيين، يعرفون عن الثقافة العربية والإسلامية أكثر مما يعرف كثير من العرب والمسلمين. ليست اللغة هي العلم. بل وسيلة لتحصيل العلم.

قد لا يجادل أحد في هذه الأمور، ولكن هناك بالتأكيد من يقول ويلح في القول إن تدريس العلوم باللغة الفرنسية في مدارسنا الثانوية "مسألة ضرورية تفرضها الظروف". وهذا في نظري قلب للأمور. ومع ذلك فلن أناقش هذه الدعوى لا من الناحية المبدئية ولا من ناحية مقتضيات الهوية ولا حتى من الناحية الوطنية. سأناقشها من الناحية الإجرائية فقط.

لنطرح السؤال الذي يسبق غيره في هذا المجال: ما هو الهدف من التعليم؟ ماذا ننتظر من التلميذ في الثانوي والطالب في العالي كشخصين نعدهما لكي يصبحا متعلمين وبالتالي قابلين إلى التحول إلى أطر فنية، إلى معلمين وأساتذة؟ أنا أقصد هنا بـ "معلمين" و"أساتذة" لا تعليم الأطفال والطلاب وحسب، بل أيضا الدخول في تواصل معرفي مع المواطنين: المهندس في المعمل والحقل، والطبيب في المستشفى والمصحة الخ، وبعبارة أخرى أقصد نقل المعرفة إلى المواطنين من خلال المهنة أو من خلال وسائل الإعلام. كيف يمكن لمتعلم درس العلوم باللغة الفرنسية أو الروسية أن يقوم بهذا النوع من التواصل المعرفي مع المواطنين في المغرب إذا كان يجهل العربية، أعني لا يستطيع توصيل العلم بها؟

المسألة واضحة: إما أن نجعل المغاربة جميعا يتكلمون الفرنسية أو الروسية الخ، أو أن نجعل المتعلمين الناقلين للمعرفة إلى الشعب يتكلمون العربية، وهي اللغة التي يفهمها المغاربة لأنها لغتهم. إما أن نجعل تعليمنا عربيا وإما أن نبحث عن بشر آخرين في المغرب لغتهم الوطنية هي الفرنسية أو الروسية أو… هناك جانب آخر لا بد من الإشارة إليه: لقد أصبح من المؤكد الآن عبر دراسات دولية أن الطفل يتعلم بسرعة أكبر بلغته الوطنية مهما كانت هذه اللغة.

هذه المسألة التي عرضتها هنا بهذه الطريقة المبسطة تدخل في صميم مشكل التنمية. التنمية تبدأ من التواصل المعرفي وهذا لا يتأتى إلا بلغة البلد. من المؤسف أننا مضطرون هنا إلى ذكر هذه البديهيات.

أما المسألة التي تطرح بصدد صلاحية اللغة العربية أو عدم صلاحيتها فهذه مسألة زائفة. فجميع لغات العالم صالحة. صالحة لأهلها. ليس هناك لغة أفضل من لغة. هناك فقط معرفة جيدة أو ناقصة بهذه اللغة أو تلك. ليست العبرية ولا الصينية ولا اليابانية أفضل ولا أسهل ولا أكثر قابلية للحياة من العربية. أهل اللغة هم الذي يمكن وصفهم بمثل هذه الأوصاف.

لقد تحدثنا قبل قليل عن ابن رشد الذي احتفل العالم في السنة الماضية بمرور ثمانية قرون على وفاته. كان ابن رشد مرجعية فلسفية وعلمية في أوربا، عليها وعلى مثيلاتها قامت نهضتها. ولم يكن ابن رشد يعرف غير اللغة العربية. كانت اللغة العربية لعدة قرون لغة العلم والفلسفة في العالم أجمع، كانت بمثابة الإنجليزية اليوم. واللغة العربية لم تتراجع ولم تتقهقر بل أهلها هم الذي لم يواكبوا التطور لأسباب لا علاقة لها باللغة. وهذا التقهقر الذي أصابنا وانعكس على لغتنا ليس قدرا لا يرتفع. وفي المغرب أمثلة عشناها ومرت أمام أعيننا. كان هناك وزراء يأتون إلى البرلمان فيتكلمون العربية بصعوبة ومشقة. ولكن لم تمر عليهم سوى أشهر حتى أصبحت لغتهم العربية سهلة سلسة مبينة، يعبرون بها في مجال المال والاقتصاد والسياسة وفي إطار من الجدل والمناورات الكلامية والتعبيرية عالية المستوى، مما لا يدع مجالا للشك في أنهم يمارسون اللغة العربية بصفة تلقائية طبيعية. اللغة إذن ممارسة. فإذا مارسناها في الأدب فقط كانت لغة الأدب، وإذا مارسناها في العلم فقط كانت لغة علم، وإذا مارسناها فيهما معا كانت لغة العلم والأدب.

هذا هو المبدأ وهذا هو المنطلق.

أما المسألة التي تطرح على مستوى العلاقة بين الثانوي والعالي، وعدم إمكانية تعريب العالي لعدم توفر الأساتذة والمراجع الخ، فهذا مشكل موضوعي فعلا. ولكن ليس الحل في الفرنسة انطلاقا من الثانوي. المشكلة تعاني منها معظم دول العالم بما في ذلك فرنسا نفسها، ولو بنسب متفاوتة. العلوم اليوم على مستوى التخصص الجامعي والبحث العلمي تستعمل اللغة الإنجليزية، لسبب بسيط وهو أن اللغة التي تفرض نفسها كلغة علم هي التي يقوم أصحابها بإنتاج العلم. إذن لابد من لغة أجنبية لمواكبة تطور العلم، وهذه اليوم هي بالتحديد الإنجليزية. وإذا كنا مضطرين لاستعمال الفرنسية فذلك فقط لأنا كنا مستعمرين من طرف فرنسا، وأن اللغة الفرنسية هي الآن في بلدنا أكثر حضورا من الإنجليزية، وهذا إرث استعماري يجب أن لا نجعل منه نظارات تشوه رؤيتنا. نحن مضطرون لاستعمال الفرنسية، ولكن مؤقتا فقط لأنه لابد من الإنجليزية في المستقبل المنظور على الأقل، اللهم إلا إذا استعادت فرنسا في المستقبل مكانة الريادة في إنتاج العلم. على أن هناك من الدراسات ما يتنبأ بأن لغة العلم في المستقبل ستكون غير أوربية، غير إنجليزية.

ومهما يكن، وفيما يتعلق بالظرف الراهن، نحن مضطرون في التعليم العالي إلى المزاوجة بين اللغة الفرنسية واللغة الإنجليزية واللغة العربية. ولا نقصد بالمزاوجة مجرد الحضور الشكلي، بل نقصد تدريس المواد المقررة في معاهدنا الجامعية العلمية بعضها بالعربية كتاريخ الطب و"الطب الاجتماعي" وقسما من التشريح في كليات الطب وتاريخ العلوم وقسما من الطبيعيات في كليات العلوم الخ ، خصوصا الدروس العامة، وبعضها بالفرنسية وربما الأكثرية مؤقتا، وأيضا تدريس مواد أخرى باللغة الإنجليزية خصوصا في مرحلة التخصص الدقيق والبحث العلمي.

قد يقال: هذا يتطلب أن يكون الطلاب عارفين باللغات الثلاث. والجواب: هم فعلا يعرفونها ويمتحنون فيها في البكالوريا. ولكن الذي يحدث هو أن الطالب في الكليات الأدبية والقانونية يدرس جميع المواد بالعربية فينسى الفرنسية والإنجليزية، بينما يدرس زميله في الكليات والمعاهد العلمية بالفرنسية فينسى العربية والإنجليزية.

المشكلة إذن ليست هي كيف ندرس في العالي بالفرنسية بينما درسنا في الثانوي بالعربية، بل المشكلة هي: كيف نحتفظ في العالي بما تعلمناه في الثانوي من اللغات الثلاث. الطالب الذي نمتحنه في البكالوريا لا ينجح إلا إذا كان على مستوى معين في اللغات الثلاث. قد يكون هذا المستوى على غير ما يرام. والحقيقة أن الضعف عام في اللغات الثلاث كلها. وإذن فالمسألة التي يجب أن تطرح هي الرفع من مستوى اللغات الثلاث، ولتكن اللغة الثالثة، أو الثانية، هي الأسبانية في بعض المجالات. هناك هدر على مستوى تدريس اللغات يجب أن يعالج.

أما المصطلحات العلمية فهي ليست مشكلة، فجميع لغات العالم تقتبس المصطلح الأجنبي كما هو، عندما لا يكون هناك مرادف في لغتها الوطنية ولا إمكانية للاشتقاق. وتعلم المصطلح بأكثر من لغة يبدأ من التعليم الأساسي. وليست هناك طريق جاهزة سحرية لحل هذه المشاكل، فالممارسة وحدها مبدعة.

س- ما هو تقويمكم لتجربة تقسيم الوزارة إلى إعدادي وثانوي وعالي؟

ج- أعتقد أن تخصيص وزارة مستقلة للتعليم الأساسي وأخرى للثانوي وثالثة للعالي تدبير قد ينجم عنه إهدار كبير للإمكانيات المالية والبشرية والتجهيز، هذا فضلا عن الاحتكاك بين الإدارات وبين حدود الوزارات. والأخطر من ذلك كله عدم الصدور عن نظرة واحدة في وضع الخطط والتصاميم، وحرص كل طرف على الحصول على أكبر قدر من الميزانية. وهذا وضع قد سبق أن جربناه. إن مشاكل التعليم عندنا مترابطة متشابكة: مشاكل الثانوي هي في جزء منها استمرار لمشاكل الابتدائي والإعدادي، كما أن مشاكل العالي استمرار لمشاكل الثانوي. قد يكون هذا هو الحال في جميع البلدان ولكن خصوصية المشكل في المغرب يمكن رصدها فيما يلي:

عندما يتعلق الأمر ببلد قائم على المؤسسات وعلى حدود محكومة بقوانين، فقد لا تعرف مثل هذه الظواهر التي تستشري عادة في البلدان التي هي بصدد التحول إلى دولة القانون، أعني التحول من الشفوي إلى المكتوب، من الارتجال و اللاتنظيم إلى التسيير العقلاني المنظم، من الولاء للشخص إلى الامتثال للقانون. وبلدنا مازال في مرحلة التحول. عندما يكون الحال هكذا فتجزئة المسئولية في وزارة كوزارة التعليم يمكن أن تكون على حساب الانسجام والوحدة والسرعة في حسم المشاكل. ولهذا أرى أن الوضع الأفضل هو أن يكون على رأس وزارة التعليم ككل، بما في ذلك البحث العلمي، وزير واحد يتولى الإشراف العام، وتحت مسئوليته المباشرة وزراء أو كتاب دولة يكلف كل منهم بسلك من أسلاك التعليم.

هناك بطبيعة الحال مشكل توزيع المقاعد الوزارية بين الأحزاب في الحكومات الائتلافية التي تشكل من أحزاب متعددة. ومع ذلك يمكن تحقيق الوحدة في هذه الوزارة ككل عن طريق التفاوض بالتعويض بوحدة مماثلة في وزارات أخرى. على أنه في بلد كبلدنا، وفي وضع كالوضع الذي يعاني منه التعليم عندنا، يجب أن يمنح لقطاع التربية والتعليم أكبر قدر من الاستقلال عن الاعتبارات الحزبية. إن السياسة الوطنية للتعليم يجب أن يرسمها مجلس أعلى يضم جميع الفعاليات في ميدان التربية والتعليم والبحث العلمي، وكذا ممثلين عن هيئات المجتمع المدني ذات العلاقة. ويجب أن تتفرع عن المجلس الأعلى للتعليم لجان دائمة للمتابعة والمراقبة. ويجب أن تنظم العلاقة بين هذا المجلس والوزارة بقانون، حتى يعرف كل مجال مسئوليته.

هذا من جهة ومن جهة أخرى، نحن نعرف أن مشكل التعليم في بلدنا مشكل له تاريخ يمتد إلى بداية الاستقلال، فلا بد في من يتقلد مسئولية الإشراف عليه من أن يلم بهذا التاريخ حتى يتجنب تكرار التجارب الفاشلة. إن أي إصلاح للتعليم لا يمكن إلا في إطار نوع من الاستمرارية, فالمسألة تتعلق بأجيال تقضي سنوات في إطار معين فلا يجوز القفز بها إلى إطار آخر قفزا، بل لابد من المرحلية في هذا الميدان. باستطاعة وزير المالية مثلا أن يصدر ضريبة جديدة أو يلغي أخرى وقد لا يتطلب منه ذلك سوى مراجعة أرقام سنة واحدة. أما وزير التعليم فإنه يقرر في مسيرة أجيال وأجيال. لقد سبق لبعض التدابير الارتجالية في المغرب أن أدت إلى التضحية بأجيال بدون جدوى، وعلى رأس هذه القرارات قرارات التراجع عن التعريب، إضافة إلى قرارات اتخذت "على سبيل التجربة" باسم التجديد، بينما استفادت منها جهات أخرى ربما هي الـتي أملتها لنفس الغرض.

س- توقفتم قبل قليل عند التدهور في مستوى التعليم، لكن أعتقد أن هناك ما هو أخطر، وقد أشرتم إليه، أقصد ارتفاع مستوى الأمية، فكيف تقيمون هذا الأمر وما علاقة ذلك بالتنمية وما الاستراتيجية التي تقترحونها لتجاوز هذه الأزمة؟

ج- أعتقد أن السؤال يطرح دور التعليم في بلد متخلف؟ والجواب عن هذا السؤال يقتضي منا أن نعترف بأن المغرب هو فعلا بلد متخلف، ويقتضي منا كذلك أن نستحضر في أذهاننا المقاييس التي تقاس بها التنمية. من جملة هذه المقاييس بل وعلى رأسها نسبة الأمية. ومنها كذلك الوضع الصحي والبطالة ومستوى الدخل الخ، أي ما به تقاس اليوم التنمية البشرية التي صنف المغرب فيها مؤخرا في رتبة 125. فإذا أخذنا الأمر من هذه الزاوية أمكن القول إن التنمية تتوقف أولا على الحد من انتشار الأمية لأن الجوانب الأخرى تتوقف على محو الأمية. فليس بالإمكان الرفع من المستوى الصحي للسكان دون أن يكون هؤلاء على قدر كاف من التعليم، وقل مثل ذلك فيما يتعلق بالشغل وغيره. فإذا نظرنا إلى دور التعليم من هذه الناحية اتضح أمامنا أن مقولة إدماج التعليم في المجتمع، التي تعني في أذهان البعض، تقييد عدد المتخرجين من التعليم بعدد مناصب الشغل التي يوفرها القطاع الخاص، هي مقولة زائفة. ذلك أن الذين يقولون بذاك يقيسون الأمور بفرنسا والدول المتقدمة حيث يشكل القطاع الخاص مجالا رحبا للعمل والإنتاج يفوق المجال الذي توفره الدولة ومستقل عنها. أما في المغرب فالمطلوب في الحقيقة هو إدماج المجتمع في التعليم، أقصد تعميم التعليم والرفع من مستواه، خصوصا والعمل اليوم يتجه أكثر فأكثر ليغدو عملا فكريا في كافة القطاعات.

يجب أن نستحضر الفوارق بين الدول، ويجب أن نستحضر كذلك آفاق التطور. فالوضع الراهن في فرنسا وأوربا وأمريكا هو نتاج تطور داخلي قوامه نظام رأسمالي تغلب على مشاكله بواسطة الهيمنة الاستعمارية والإمبريالية. فلا مجال للمقارنة بين وضعنا ووضع من كانت له الهيمنة على مقدرات بلدان أخرى، فاستطاع أن يبني اقتصادا وتعليما مندمجين في بعضهما. وبالنسبة لبلد كالمغرب ليست له بعد صناعة نامية ومتطورة قادرة على توفير الشغل لأكبر عدد من الأيدي التي تطلب الشغل فلا معنى للقول بأن "الحل" هو في إدماج التعليم في المجتمع. إن المطلوب هو تعميم التعليم في جسم المجتمع لتحريك عوامل التغيير والتجديد في كيانه. أما تبرير تقليص التعليم بعدم كفاية الموارد المالية فهذا تبرير يفتقد المصداقية أمام التبذير الذي نشاهده في كثير من المجالات والمناسبات.

س- وما قولك في بطالة المتخرجين؟

ج- فعلا هناك في المغرب متخرجون عاطلون، منهم أطباء وأطر عليا في مختلف التخصصات. والذنب ليس ذنب هؤلاء، فماذا تريد من شاب كد واجتهد حتى حصل على شهادة عليا في علوم الذرة أو في فروع أخرى من الفيزياء أو الكيمياء أو تخرج طبيبا أو ذا شهادة عليا في التجارة والاقتصاد الخ؟

إن عدم اندماج هؤلاء في "سوق الشغل"، بالمغرب كما هو اليوم، يعني أن هذه السوق قاصرة في القطاع الخاص، وأن الدولة عاجزة عن توفير الحد المطلوب دوليا من الخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة الخ. المجتمع المغربي يشكو من الخصاص في عدد الأطباء. نحن ما زلنا بعيدين عن النسبة المقررة دوليا، أعني عدد الأطباء الواجب لعدد سكان المغرب. وكذلك الشأن فيما يتعلق بالتعليم والتجهيز الفلاحي وغير ذلك. أما العاطلون المتخصصون في مجال العلوم الفيزيائية والكيماوية فهم ضحية غياب مؤسسات البحث العلمي، سواء على مستوى القطاع العام أو القطاع الخاص.

وإلى هذا وذاك يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن تعليمنا الثانوي لا ينمو بالوتيرة التي تناسب عدد الشبان. إننا لو أردنا أن نرتفع بتعليمنا الابتدائي والإعدادي والثانوي والعالي إلى المستوى الذي يتناسب مع عدد السكان، المستوى الذي بلغه الأردن مثلا، لما كفتنا الأطر المتوفرة هذا المجال ولكان هناك عجز خطير. وإذن فبطالة الخريجين ليست نتيجة كثرتهم بل هي نتيجة عدم الوفاء بمتطلبات التنمية، متطلبات حقوق الإنسان في هذا المجال. ومعلوم أن حقوق الإنسان ليست في حرية التعبير وسيادة القانون فقط، بل هي أيضا الحق في التعليم وفي الصحة وفي الشغل. وماذا يبقى من إنسانية الإنسان إذا حرم من المعرفة والعناية الصحية ومن العمل الذي يكسب به قوت يومه؟

التعليم حق. وهو اليوم أول حقوق الإنسان، لأن عالم اليوم والغد هو عالم العلم والمعرفة. هذا شيء نعرفه وتلوكه ألسنتنا، فلنستحضر النتائج ولنتحمل مسئوليتنا.

ــــــــــ

* تتمة الحوار الذي نشر في العدد السابق