الهوية
الثقافية بين
الخصوصية
وخطاب
العولمة
الهيمني
الخمسي
عبد اللطيف
إن
التفكير في
الهوية
الثقافية لا
يخرج عن مقاربة
إشكالية
العلاقة بين
المجتمعات
التابعة
و"الغرب"
المهيمن. وهنا
ضرورة فهم
علاقة هاته
الهوية
بالعولمة. إن
الأسئلة
الجوهرية
التي تتبادر
للذهن هي كالتالي:
كيف تطرح
إشكالية
الهوية
الثقافية في
المجتمع
العربي؟ وكيف
يمكن الرهان
على معركة
الدخول في
نظام العولمة
دون هوية
ثقافية قائمة
الذات؟ وأية
هوية ثقافية
قادرة على تجاوز
الارتداد
الفكري
والنكوص
التاريخي،
والنظرة
اللاتاريخية
لحقل الصراع
الدائر الآن بين
الشعوب
الضعيفة
والدول
المهيمنة على
أرضية تجدد
الرأسمالية
وآلياتها؟ إن
المرحلة تتميز
بانهيار
الكثير من
المعايير
والمطلقات
والمذاهب،
وعودة
المكبوت
الديني
والكثير من
النزعات اللاعقلانية
التي تدفع في
اتجاه إبقاء
وضع التبعية
للغرب على ما
هو عليه
وتعطيل دور
العقل النقدي
كضرورة لتأمل
نظرية
العولمة وما
تختزنها من
شعارات من
قبيل الحوار
الحضاري وكونية
العقل الغربي
ونهاية
الأدلجة
والصراع. هنا
يكتسب الكلام
عن هوية
ثقافية بديلة
قيمة عميقة من
أجل تجاوز
الكثير من
الإكراهات
السيكولوجية
و المعرفية
التي عملت
الفلسفة
اللبرالية
الجديدة على
تكريسها
وشرعنتها
باسم الكوني
والانفتاح
والتعايش. هنا
لا يكون
الكلام عن
الهوية
الثقافية إلا
إرادة لفهم
العوائق الذاتية
التي حكمت
"العقل
العربي"،
وإخفاقات
المثقف
واهتزازات
الكثير من
الحركات
السياسية. ويمكن
القول بأن
التفكير
العلمي-الفلسفي
في قضية
الهوية
الثقافية
يبقى مرتبكا
في الأصل باستيعاب
تجربة
الحداثة
الغربية في
أفق نقد نظرية
العولمة،
لصالح بناء
مشروع ثقافي
يكرس هوية
ثقافية نقدية
وعقلانية
متفاعلة مع
إيجابيات
التحولات
الكونية
بعيدا عن منطق
خصوصي ضيق لن
يجد أمامه سوى
الدفاع عن
الأصل
والأصالة والهوية
دون أدنى
مقاربة
تاريخية
لإشكالية العولمة،
أو فهم علمي
لوضعية شعوب
تابعة تبحث عن
هوية ثقافية
في ظل
معاناتها
عملية
التدمير الذاتي
نتيجة عوائق
ذاتية حكمت
وجودها الاجتماعي
والتاريخي،
ومحصلة هيمنة
شبه مطلقة لغرب
رأسمالي
يتعامل
بمطلقات ضدا
على التمايز والاختلاف.
وهنا يتمأزق
كل طرح ينتقد
العولمة بمعايير
متعالية
وتراثية قد لا
تزيد إلا في إقرار
مركزية شرقية
مقابل مركزية
الغرب. وهذه الخصوصية
القاتلة
ستهدر كل
إمكانية بناء
نقدي لهوية
ثقافية بديلة
قادرة على
تجاوز أحكام القيمة
التي حكمت
تصورنا
لوضعنا
التاريخي وللغرب
كصيرورة
معرفية
وتاريخية
أنتجت العولمة.
فما هي أسس
خطاب
العولمة؟
الأسس
النظرية
لخطاب
العولمة:
للعولمة
تاريخ محكوم
بتحولات
عميقة قد ترجع
إلى التحولات
العميقة التي
عرفتها
رأسمالية
القرن التاسع
عشر. وإذا
كانت فلسفة الأنوار
دافعت عن
كونية العقل
والإنسان ومبدأ
التقدم
(كوندورسيه)
فإن وضعية
أوكوست كونت على
الرغم من
ثورتها
الإبستمولوجية،
قد بدأت ترتب
أوراق فلسفة
جديدة مبنية
على فرض نموذج
واحد للمعرفة
والتطور
وواضعة
للتاريخ نهاية
محددة متمثلة
في الهيمنة
البورجوازية.
هذه الأدلجة
الجديدة
للفلسفة
لصالح هيمنة
محددة، شكلت
منطلقا خطيرا
على الصعيد
المعرفي والتاريخي
تمثل في وضع
حد فاصل بين
شعوب متقدمة، عقلانية،
وأخرى بدائية
ما زالت تعيش
المرحلة
الميتافيزيقية
حسب نظرية
المراحل
الثلاث الشهيرة
لدى كونت.
ويمكن القول
إن ليفي بريل
هو خير معبر
عن هذا المنطق
في كتابه
الشهير
"العقل البدائي"
والذي يمكن
اعتباره
إنجيلا لكل
التصورات
المدافعة عن
عولمة قسرية
لا ترى أمامها
إلا نظام
السوق وقيمة
الربح. إن
خطاب العولمة
الآن يجد سنده
الكبير في
الأنثروبولوجيا
الاستعمارية
المتمركزة
حول العرق
وحول ثنائية
شعوب
بدائية/شعوب
عقلانية
متحضرة. كما
أن فلسفة هيجل
باتت تشكل
المنطلق
الأساسي لأغلب
منظري
العولمة،
وذلك استنادا
إلى أطروحة "نهاية
التاريخ".
وبالفعل،
فكونية
المطلق الهيجلي
سقطت بمجرد
وضعه ذاك
التمايز
الشهير بين
الغرب،
العقلاني
والحر، وما
أسماه
بالعالم الشرقي
المؤسس على
أرضية
الاستبداد.
وكان هذا الفيلسوف
العظيم ممهدا
لأخطر تصور
استشراقي استفادت
منه الكثير من
النظريات
الكليانية والعرقية
ضدا على الجدل
الهيجلي ذاته.
وبهذا يمكن
القول إن
فلسفة هيجل
التاريخية،
في ارتباط بأطروحة
العولمة ليست
سوى تبرير
نظري لمشروعية
هيمنة السيد
العقلاني على
الإنسان
الشرقي الغارق
في ضلالات
الوهم
والتعصب وذلك
هو المجتمع
التعصبي.
والمشكل هو أن
علاقة السيد
بالعبد، وفق
المنظور
الغربي لن تحل
بالعقل والحوار،
بل بالعنف.
فكانت
المرحلة
الاستعمارية إيذانا
بسقوط آخر
للإنسانية
البورجوازية،
وتمركزا أكثر
حدة حول العرق
ولذة
الرأسمال. ولم
تعد دعوة كانط
لإنسانية
كونية إلا
خيالا يخترق اللاعقل
الغربي
المتمحور حول
مفهوم إرادة القوة
لنيتشه، أو
أنثروبولوجيا
الرغبة لدى ألكسندر
كوجيف والذي
لخص
"فينومنولوجيا
الروح" لهيجل
على أساس
مقولتي:
الرغبة و
الاعتراف،
وهو القائل في
قولة شهيرة له
بـ"أن تاريخ
البشر هو تاريخ
الرغبات التي
تنصب على
بعضها البعض"
وهو الأمر
الذي دفع بعض
المفكرين إلى
نعته بأنه
يقدم تأويلا
دمويا
للتاريخ. إن
أطروحة نهاية
التاريخ
والعلاقة
الدموية بين
العبد والسيد
والصدام
الحضاري تشكل
الخلفية
الفلسفية لكل
دعاة العولمة.
وقد حاول
صامويل
هانتغتون أن
يخفي العلاقة
السببية بين
نظام العولمة و
ظهور أشكال
صراع جديدة في
البلدان
التابعة رغم
إقراره بأن
"العالم معرض
لأزمة هوية
شاملة، حيث كل
الشعوب
والأمم تسعى
للإجابة على السؤال:
من نحن؟
ويجيبون
بالرجوع إلى
كل ما هو عزيز
عليهم،
أجدادهم،
دينهم،
لغتهم،
تاريخهم،
قيمهم،
عاداتهم،
مؤسساتهم،
وبالتحامهم في
جماعات
ثقافية على
شكل عشيرة،
مجموعة إثنية،
مجموعة
دينية، أمة
وأخيرا على
شكل حضارة"(1).
لم يكن هذا
المفكر سوى
فاتحا لفهم
غربي مؤسس على
الرغبة في
استغلال كل
التمايزات
العرقية
والثقافية
والدينية
لصالح نظام
العولمة وذاك
بإذكاء
الحروب
الأهلية
والتطاحن
الديني وهو
الأمر الذي
يبين أن نظام
العولمة يريد
إقرار هيمنة
مطلقة للغرب
الرأسمالي
وفرض نمط أحادي
الجانب في
المعرفة
والوجود وهو
ما تسعى إليه
بكل قوة
الليبرالية
المتوحشة. لقد
بات من الواضح
أن نظرية
العولمة
مازالت في
حاجة إلى الوضع
الأنثروبولوجي
الذي تعيشه
الشعوب التابعة،
من أجل تأييد
عملية
الاستغلال
والاستلاب،
وهو الأمر
الذي يتطلب
ضرورة
التفكير في كل
إمكانيات
التحرر بعيدا
عن الخصوصية
الضيقة التي
لن تبرر إلا
سيكولوجيا
الخضوع
والاضطهاد. فماذا
إذن عن علاقة
الخصوصية
بالهوية
الثقافية
كمشروع ثقافي
بديل يراد له
أن يخترق
إرادة خطاب
العولمة في
الهيمنة؟
التصور
الخصوصي
للهوية
الثقافية:
يتوهم
هذا التصور
بأن العودة
إلى الجذور
والأصالة
يمكن أن تساعد
على الانفلات
من هيمنة
الغرب
وآلياته في
السيطرة. إنه
في الأصل لا
يكرس إلا نزعة
في الهروب إلى
الوراء سعيا
وراء
"النموذج
المثال"، أو
رغبة في الصدام
مع الغرب على
أرضية
العقيدة. ولعل
ذاك لن يقود
إلا إلى فهم
عدمي
لإشكالية
الحداثة والعولمة
وطبيعة
الصراع
الكوني. ويبقى
التصور
الأصولي هو
المروج لفهم
تكفيري-عقائدي
لعلاقة
المجتمع
التابع
بالرأسمالية
المهيمنة،
ومختزلا
طبيعة الصراع
الكوني في
صراع بين دار
الإسلام ودار
الكفر. لكنه
لا يعمل إلا
على صهر إسلام
تبريري داخل
رأسمالية
متخلفة-تبعية
لن تجد حلها
النظري إلا في
النظريات
العلمية لا
العقائد وحتى
"المثقف
الإسلامي
المستنير" لا
يكلف نفسه
عناء البحث في
الهوية
الثقافية
التي يدعو
لها، وفي
مضمون
"الذات" التي
يلوح بها ضد
"الغرب" وليس
أدل على هذا
من قولة الدكتور
على شريعتي :
"يجب علينا أن
نستند إلى ذاتنا
الثقافية
الإسلامية…
وأن نجعل
شعارنا الرجوع
إلى هذه
الذات" إنه
البحث عن
كوجيطو متمركز
على ذات
متعالية وغير
مفكرة ودون
وجود ذاتي أو
واقعي. ولن
تكون إلا
التراث. دون
أن يكلف
المفكر نفسه
عناء النقد
العقلاني
والعلمي
للتراث من أجل
بناء فلسفة
نقدية بديلة
قادرة على
الاستجابة
لمتطلبات
الحداثة من
موقع الشعوب
المستضعفة. إن
كتابه الشهير
المبحث والمعنون
بـ"العودة
إلى الذات"
يشكل دفاعا عن
خصوصية فكرية
غارقة في
التراث
وتفتقد لكل حوار
علمي مع الغرب
والحداثة. إنه
مجرد مدافع عن
الإسلام
مقابل
"التغريب"
وعن روح
الأديان ضد
السوسيولوجيا
العلمية. وقد
خلص الكاتب في
أغلب كتاباته
إلى الانتصار
للهوية
الإسلامية،
بعيدا عن
التفكير في
الإشكالات
التي يثيرها
عصر الحداثة
والهيمنة
الغربية
والتي لا يمكن
الإجابة عنها
من داخل
التراث. ومن
هنا يتضح أن
مواجهة
العولمة
والغرب على
المستوى المعرفي
بمنطق
ثنائيات من
قبيل
الإسلام/الغرب،
الهوية/التغريب،
لا تؤسس معرفة
علمية
بإشكالية العلاقة
بين
المجتمعات
التابعة
والرأسمالية
المهيمنة.
ورغم محاولة
بعض المفكرين
العرب وهو
الدكتور حسن
حنفي الدفاع
عن الأصالة
بلغة فلسفية
أكثر تحررا من
التراث، فهو
لا يزيد إلا
من دعم الفهم
الخصوصي
للهوية
الثقافية، مكثفا
نزعة مشرقية
تلهث وراء
الأصل ولا ترى
أمما إلا
التغريب،
وكما يقول
بلغة أشد
عمومية: "ولما كنا
نعاني من
التغريب في
حياتنا ومن
التبعية في
ثقافتنا
وسلوكنا فإن
الدفاع عن
الهوية والأصالة
أحد المطالب
الرئيسية
للجميع. وبسببه
تخرج الحركة
السلفية
مناهضة
للتغريب. المفاصلة
هنا ضرورية
"لكم دينكم
ولي دين" ورفض
التقليد
والتبعية
يساعد على
الحفاظ على
الهوية.
المشروع
الحضاري
الجديد يثبت
الهوية في مواجهة
التغريب.
ويتمسك
بالأصالة ضد
التبعية"(2).
يحشر الكاتب
مجموعة من
التقابلات
دون البحث في
ماهية الهوية
أو الأصالة
التي يدعو
إليها. وقد لا
يتميز
الكاتب، رغم
باعه
الفلسفي، عن
مطلب
الخصوصية
الضيقة التي
يطالب به
الأصوليون. إن
الأصالة لا
تجيب عن
إشكالية هوية
ثقافية
بديلة، مادام
ذاك الأصيل
ذاته يشكل في
بعض جوانبه
عائقا أمام
التفكير الحر
والإبداع. كما
أن التغريب لا
يترجم الفهم
العلمي ذاته
للعولمة أو
الحداثة.
والملاحظ أن
أطروحة الغزو
الثقافي ما
زالت تحكم
أغلب
التصورات
للغرب، في شكل
يؤجل السؤال
حول الأبعاد
الذاتية للتخلف
الثقافي
العربي
والإسلامي. إن
"المشروع
الحضاري
الجديد" الذي
يدعو له حسن
حنفي لا يترجم
إمكانية
تقديم بديل
ثقافي في شكل
هوية نقدية لا
تفكر بمنطق
الثنائيات
أورد الفعل. ومأزق
أطروحة
الكاتب هو أن
التمسك بما
يسمى أصالة،
وهوية معطاة
لن يفك إطار
التبعية بل قد
يزيد من دعمها
وتبريرها. مما
يعني أن الفهم
الخصوصي
للهوية
الثقافية
وللعولمة لا
يرقى للتصور
الجدلي
للثقافة
كبناء
والحداثة
كتجربة استمرارية
وقطيعات
وللعولمة
كواقع تاريخي ومادي.
ولن يجد
الكاتب أمامه
من ملاذ سوى
فلسفة تاريخ
هيجلية، إذ
يقول بأن
التاريخ "هو
فلسفة
التاريخ، أي
تاريخ الوعي
والوعي
بالتاريخ،
مسار الروح في
التاريخ،
مسار الحضارة
والوعي فيه"(3)
وهذا المنظور
سيجعل الكاتب
لا يرى في
الغرب إلا
تغريبا
والعولمة إلا
تمثلا لروح ثاوية
خلف تاريخ
الإنسان
الغربي. إن
كتاب "مقدمة
في علم
الاستغراب"
يجعل من مطلب
الهوية و التحرر
والتغيير
قضايا متحققة
لكن في المطلق.
إن د. حسن حنفي
يستقي فلسفة
تاريخية
متمحورة حول
مفهوم "عودة
الحضارات"،
من أجل تبرير
وضع الشعوب
الإسلامية
دون الكلام عن
سبل وآليات
التحرر
الفعلي. فكأن
عودة الحضارة
العربية-الإسلامية
إلى الفعل
التاريخي أمر
لا شك فيه؟
ذلك هو وهم
فلسفة
الحضارة التي
يبشر الكاتب
بها، لكنه في
العمق يهدر كل
جواب علمي عن
سبل التعامل
العقلاني مع
المجتمع
الغربي، من
جهة ومع
واقعنا
العربي من جهة
ثانية. وكلما
تعقد الواقع
العربي
واشتدت أزمته
إلا وصارت الممارسة
المعرفية لدى
المثقف
الداعي للخصوصية
أكثر ارتباطا
بالماضي
وقوالب
التراث، دون
نقد علمي حتى
لهذا الأخير.
وكمثال على
هذا المنحى
نجد الدكتور
جابر
الأنصاري،
الذي يراهن على
الفقه
الحضاري
كبديل أولي
للمعرفة، إذ يقول
"إلا أن هذا
الفقه
الحضاري، مع
ذلك مثل المصدر
الأساسي لأهم
فلسفة عربية
في التاريخ والاجتماع
لدى ابن
خلدون…
وانطلاقا من
هذين المصدرين
الأصوليين
النظريين
(الفقه
الحضاري ومقدمة
ابن خلدون)،
وباستقراء
منهجي خصوصية الواقع
المجتمعي
العربي، يمكن
أن نكتسب
الدعوة إلى
تأسيس علم
اجتماع عربي
إسلامي
منطلقها الحقيقي
للتعاطي مع
قضايا العصر
وإشكالاته،
وصولا إلى
تأسيس علم
اجتماع سياسي
عربي على وجه
الخصوص…"(4)
ليس الإشكال
في الخصوصية
مادام كل علم
نقدي متأصل
عليه أن
يتعامل مع
واقعه العياني،
إضافة إلى أن
بناء هوية
ثقافية نقدية
لا يمكن أن
يخرج عن
التعامل مع
الإشكالات التي
يفرضها
واقعنا
التاريخي. إن
المعضلة هي وضع
خط فاصل بين
الخصوصية
والتاريخ
الكوني، بين
الظاهرة
وتاريخها،
ومحاولة
إعادة بناء المناهج
التراثية
وعلوم الماضي
كبديل معرفي دون
تلمس للحداثة
وثوراتها
المعرفية. فهل
الدفاع عن
الفقه
الحضاري
وعلوم الماضي
هي الهوية الثقافية
للمثقف
النقدي
المطلوب في
المرحلة؟ إن
الرهان على
علم خصوصي
مستند للتراث
لا يشكل مدخلا
لفهم العولمة
والعلاقات
المعقدة المتداخلة
بين الشمال و
الجنوب. ويمكن
القول بأن مطلب
الهوية
الثقافية لا
ينفصل عن
إشكالات معقدة
كالتخلف
والتبعية
والتنمية
والتحرر والعقلانية،
مما يؤكد
صعوبة إقرار
أن الهوية هي
وحدها
القادرة على
إحلال وضع
الاستقلال التاريخي
محل الخصوع
والهزيمة
والارتداء. ويبقى
نقد أطروحة
الهوية
ذاتها،
ومقاربتها حداثيا
في ظل الشروط
الراهنة
والتي أنتجت
بالمقابل خطاب
ونظام
العولمة، هو
المدخل
المعرفي
لتحرير الفهم
الخصوصي من
وهم البداهات
وهيمنة المطلقات،
بعيدا عن
التعامل
المثالي
والرومنسي مع
إشكالية
الهوية كما
يتضح من كلام
المفكر برهان
غليون عندما
يقول: "ومبدأ
الهوية يصون الجماعة
من الانحلال
والاندماج في
الآخر، ومن ثم
الاندثار
كجماعة
متميزة
ومستقلة. وفي
صراعهما ومنه
تنبع
إمكانيات
تحول الحضارة
إلى مدينة، أي
يتحقق
تأسيسها في
الثقافة
العربية، ويتحول
التراث إلى
هوية
ديناميكية
حية ومتجددة،
أي إلى ثقافة
معاصرة" إن
الانشداد إلى
مفهوم مطلق عن
الهوية يزيد
من دعم التصور
الخصوصي للذات
وإشكالية
التأخر
الاجتماعي
والتاريخي والذي
يعرفه
مجتمعنا منذ
أمد بعيد.
ويمكن القول
بأن الدفاع عن
خصوصية ضيقة
ليس سوى هروبا
من معاينة
الإشكاليات
التي يفرضها
التقدم الغربي.
مما يقود أصلا
إلى نزعة
ثقافوية تنظر
للعالم من
زاوية
الثقافة ولا
تراهن إلا على
البعد
الثقافي في
مواجهة
العولمة.
المنظور
الثقافوي
للهوية
الثقافية
والعولمة:
لا
يخفى على أحد
أن المعارك
الثقافية هي
أعمق تجربة
يمكن لمجتمع
أن يخوضها من
أجل تجاوز رواسب
الماضي وأطر
التقليد
وآليات
الاستلاب الفكري
والهيمنة
الإيديولوجية.
إنها إرادة
إحلال هيمنة
محل هيمنة
أخرى، لكن على
أرضية التحرر.
وهذا تنشده كل
هوية ثقافية
فاعلة
ومتفاعلة مع
الخاص والكوني.
إن البعد
الثقافي هو
معيار أولي
لتحديد طبيعة
مجتمع ما.
وبغياب هوية
ثقافية نقدية
يكون مجتمعنا
العربي قد كرس
ذاتيا
الاستلاب
واللافاعلية.
وإذا كان
المنظور
الثقافوي يدافع
عن الثقافة
كمنطلق وهدف
وزاوية نظر،
فإنه يغفل
تداخل مجموعة
عوامل في
تدمير ثقافة
ما أو نهوض
هوية ثقافية.
إن الثقافي
ليس وحده مؤسسا
للوجود، مما
يعني أن
مناقشة
إشكالية الهوية
الثقافية في
المجتمع
العربي لا
تبتعد عن طرح
قضية التحرر
والتغيير
الاجتماعيين
والتنمية
المستقلة.
فمجتمع مركب
لا ينحل إلا
على أرضية
المعارك
الشاملة.
وبالفعل تعطى
الأولوية
للجانب
الثقافي لكن
ليس في انفصلا
عن المعارك
السياسية
والاقتصادية.
فمجتمع تآكلت
بنيته
الاجتماعية
والاقتصادية
لن ينتج وعيا عقلانيا
بالعالم، بل
فقط تأجج
المكبوت
الديني كرفض لواقع
استغلالي
هيمني متصالح
مع نظام العولمة
لكن لا ينتج
إلا ثقافة
البؤس
والحرمان. إن المعركة
الثقافية لن
تنجز إلا داخل
صيرورة إنجازات
اقتصادية
وسياسية،
وإلا سيتخرق
مجتمعنا
عنصران
متضادان هنا
الأصولية
الرافضة للعولمة
والغرب
والليبرالية
في شكل
لاعقلاني لاهثة
وراء
الاندماج
المطلق
بالغرب. ولن
يكون التوفيق
بين الأصولية
والليبرالية
في شكل ما يسمى
بالوسطية هو
المخرج، لأن
ذلك سيعيد
إنتاج نفس
ماضي الفكر
العربي، دون
أدنى تلمس
لمكمن الخلل
وهو غياب
مشروع
اجتماعي
متكامل وقواه
الفاعلة. ولن
يجد الثقافوي
أمامه سوى
الدعوة للثقافة
الأصيلة
والحوار
الثقافي
وأولوية الثقافي
على
الاقتصادي،
مع أن هاته
القيم قد سقطت
بعد اجتياح
الليبرالية
المتوحشة كل
أصقاع العالم.
وننسى
المنظور
الثقافوي أن
العولمة هي
معركة ثقافية
و اقتصادية.
فالبحث عن السوق
لترويح
البضائع لا
يتم بمعزل عن
تدمير الثقافات
"المستضعفة"،
كما أن
استثمار
الرأسمال المالي
يرتبط بتوظيف
الرأسمال
الرمزي في اتجاه
العصبية
والطائفية
والحجاج
الديني. مما يؤكد
أن الاختراق
الثقافي
لنظام
العولمة لن ينفصل
عن تحديد
الموقع داخل
المنظومة
الاقتصادية الكونية.
فالعولمة،
إذن، لا يمكن
اختزالها في الثقافة
بل هي
استراتيجية
معرفية-اقتصادية
وسياسية. إنها
نسق بلفظ كل
من هو دونه أو
يبتلعه وفق
معدل الربح.
كما أن معرفة
الهوية الثقافية
ليس مجالها هو
الثقافي فقط،
بل حتى السياسية
والاقتصاد.
مما يعني أن
الثقافي
سيبقى لاحقا
في الشروط
الراهنة
للمعرفة
الاقتصادية.
إذ أن تحدد
الرأسمالية
المتوحشة
سيزيد حتى من
الاقتلاع
الفكري
والثقافي.
معركة الهوية
الثقافية
ليست هي
الثقافة إذن
بل الوجود الاجتماعي
بكل مستوياته.
ويركز أحد
رموز التيار
الثقافوي
تحليلاته على
مسألة القيم
والثقافة، واضعا
العولمة في
إطار من
العموميات،
معتمدا على
تقريرات
غربية، بعيدا
عن الربط بين
المعركة
الثقافية
والمعركة
الاقتصادية،
وكأن تشييد
صرح الثقافة
لدول الجنوب
هو المدخل لكل
تحرر اجتماعي
وتاريخي. وهنا
يورد الكاتب
مقطعا من
تقرير نادي
روما وهو من
واضعيه، حيث
يقول: "وتشكل
الهوية
الثقافية على
المستويين
الوطني
والدولي
واحدة من أهم
الحاجات
النفسية غير
المادية،
ويمكن أن تكون
مصدرا من
مصادر الصراع
المتزايد
داخل
المجتمعات
وبين مجتمع وآخر…
فنحن نواجه
صراعا جديا في
مجال القيم…
ويوجد نوع من
التحمل ولكن
لا يوجد تقبل
صاف أو ترحيب
خالص بقيم
الجنوب، ذلك
لأنه لا يوجد
جهد جاد
لمحاولة
فهمها"(6)
صحيح أن خطاب
العولمة يرفض
كل تنازل
لصالح ثقافات
الشعوب غير
الغربية.
محافظا على
التراتبية
الثقافية
التي دافع
عنها
الأنثروبولوجي
الاستعماري.
لكن ما يهمنا،
نحن كشعوب
تابعة هو
إقرار تحرر
شامل يساهم في
كسب رهان
الهوية
الثقافية
الذي هو معركة
صعبة وليس
مجرد نداء
لرفض الوصاية
الغربية. ومن
المعقول
القول بأن آخر
ملجإ للدول
التابعة هو
الثقافة، لكن
كيف يتجادل
الدفاع عن الثقافي
والبحث عن
المورد
الاقتصادي
داخل نظام السوق؟
مما يعني أن
المنظور
الثقافوي
عليه أن يعدل
عن مفهوم حوار
الثقافات
والكلام عن نظام
القيم، لصالح
البحث عن
مشروع
اجتماعي متكامل
قادر على
التفاعل مع
العولمة بشكل
إيجابي.
وأثبتت
التجارب أن كل
تقدم اقتصادي
يدفع في اتجاه
الانفتاح
الثقافي
وتصليب
الهوية (نموذج
الصين،
اليابان) وأن
كل تخلف
وتبعية اقتصادية
لا تزيد إلا
من فرض البؤس
الثقافي. وهنا
يكون البحث عن
هوية ثقافية
داخل نظام
التبعية والانفتاح
اللاعقلاني
والغير مخطط،
مجرد ترميم
لثقافة ممزقة
لن تساهم في
معركة التحرر.
مما يؤكد أن
ثقافوية
المفكر
المهدي
المنجرة مطالبة
برصد جدلي
أكثر عمقا
للعلاقة بين
المعركة
الثقافية
والمعركة
الاقتصادية
في ظل نظام
العولمة. وإذا
كان كل
مجتمعىمطالب
بتحصين ذاته
ثقافيا فهو
مجبر كذلك على
خوض المعارك الاقتصادية
لكن في اتجاه
التحرر
الاجتماعي من
كل آليات
الاستغلال و
الاستلاب
الداخلية والخارجية.
إن الحل يكمن
إذن في البحث
عن سبل التعامل
الجدلي
والنقدي مع
نظام
العولمة، وهو
الأمر الذي
يتطلب إعادة
النظر في مطلب
الهوية، ليس
على غرار
الطرح
الخصوصي، أو
على شاكلة دعاة
الإندماج
المطلق في
النظام
الغربي، بل وفق
عملية بناء
نقدي للثقافة
والرأسمال
الرمزي
الموجودين
دابخل
مجتمعنا، دون
حنين للعبة الرهان
على الأصول،
أو رغبة في
الانكفاء
الدراماتيكي
داخل شعار
الأصالة
المفهوم لدى
بعض الخصوصيين
بشكل متعال.
إن هوية
ثقافية نقدية
قادرة على
الربط بين
الثقافي
والاقتصادي
والكشف عن
مفارقات خطاب
العولمة،
تبقى هي المدخل
لتجاوز
الكثير من
العوائق
المعرفة
والسيكولوجية
التي حكمت
سواء الخطاب
السلفي أو
الأصولي أو
الإيديولوجيا
الليبرالية.
مما يعني أن
بناء هذه
الهوية هو
نفسه مشروع
معرفي لن
يستقيم إلا
على أرضية
النقد
والعقلانية
والاختلاف.
هوية
ثقافية بديلة
عن خطاب
العولمة
الهيمني:
بالعقلانية
النقدية يمكن
للهوية
الثقافية المنشودة
أن تنصهر داخل
نظام العولمة
مع الحفاظ على
استقلالية
"الذاتّ.
ويبقى الفهم
للإشكاليات
المركزية
الملحة هو
المدخل للبحث
عن منهج فعال
لمقاربتها.
هنا يكون
المثقف قد وضع
نفسه في قلب
الصراع
الثقافي
بعيدا عن
ترديد شعار
الهوية دون
أدنى تفاعل مع
الواقع. إن
الأمر يتعلق
بهوية ثقافية
نقدية حداثية
لا تقدس الماضي
ولا النماذج
المثالية.
والأساس في كل
هذا هو بناء
هوية ثقافية
داخلية تهم كل
الشرائح الاجتماعية
التواقة
للتحرر
والفعل،
وتجاوز
استلابها
المركب، مما
يعني أن هذه
الهوية الثقافية
الحداثية
ستكون مدخلا
لبناء ذات مستقلة
في إطار معارك
سياسية
واقتصادية لا
يمكن خوضها
دون إقرار
الثقافة
العقلانية. إذ
أن كل مجتمع
بدون مرجعية
ثقافية حية
متنورة،
ويعاني الشتات
الفكري، هو
مجتمع لن
يستطيع خوض
معركة
تاريخية وهي
الاستقلال
النسبي داخل
نظام العولمة.
ولنلاحظ أن
الدعوة لهوية
مؤسسة على التراث
أو الماضي
واللامعقول
لن تكون إلا
عملية إعاقة
كل وعي بضرورة
ثقافية
عقلانية وديمقراطية
واختلافية.
وبالتالي عوض
التفكير في ثقافة
حداثية
بديلة، ينتقل
الخصوصي إلى
مواجهة
الانهيار
الحضاري
والتخلف
والتقليد بهوية
النكوص ورد
الفعل
والإيمانية
المفرطة في
التصديق
والخضوع. وكل
محاولة
لتسييد
النموذج
الحضاري
العربي-الإسلامي
لن تضمر إلا
الرغبة في الإبقاء
على التخلف
التاريخي
والاستغناء
عن الحداثة
والتي لا محيد
عنها إن أردنا
أن نمارس موقفا
نقديا اتجاه
وجودنا
التاريخي.
لكنها حداثة
يجب صهرها
داخل واقعنا
العياني، لا
التبشير بها،
فقط. فكل خطاب
حداثي لا
يتعامل مع الحداثة
نفسها ومع
شروطنا
الحالية بشكل
نقدي لن يكون
إلا خطابا
تبريريا.
وسيرورة
الحداثة والتحديث
والعقلنة في
مجتمعنا
العربي تؤكد
ذلك. فالدعوة
لهوية ثقافية
متعالية
مفصولة عن وقاعها
لن تساهم إلا
في تكريس
الاغتراب،
وفي اعتماد أو
تبريري
جدالية العبد
والسيد، وبالتالي
إرادة
العولمة في
الهيمنة. وكما
قلت آنفا،
فالعوائق
الذاتية التي
تكبح كل
محاولة تبلور
هوية ثقافية
عقلانية
بديلة، تشتغل
بقوة وتدفع في
اتهام مطلق
للغرب من جانب
وفي تمجيد للماضي
من جانب آخر
على أرضية
الرفض لكل
الثقافي
والاجتماعي.
وإذا كنا ندعو
إلى دمقرطة
ثقافة
العولمة
فكذلك يجب
الدفع في أفق
بناء هوية ثقافية
ديمقراطية
على المستوى
الداخلي أي غير
مكرسة لإرث
الاستبداد
وسلطة الفرد
ومنطق الهيمنة
والإقصاء.
فالتشريع
لثقافة
ديموقراطية
مطلب أساسي
لتجاوز رواسب
العصور الثيوقراطية
والأوتوقراطية
والتي ولدت في
لا شعورنا السياسي
والاجتماعي
الرغبة في
الهيمنة
والتسلط. وهو
ما ينعكس أصلا
على مطلب
الهوية
الثقافية.
فكيف يمكن نقد
البعد
الهيمني في
خطاب العولمة
إذا كان نقد
البعد
الهيمني في
خطاب العولمة
إذا كان البعض
يكرس هوية لا
ديموقراطية
لا تسعى إلا
للهيمنة إما
باسم الذات أو
الطبقة أو
القبيلة أو
الدين أو باسم
الحداثة
نفسها. وكل
هوية ثقافية
عربية أو
إسلامية
مؤسسة على الهيمنة
لن تكون إلا
التبرير
النظري
للجذور الفلسفية
اللاعقلانية
التي حكمت
تاريخ العولمة.
وهنا لن ننسى
أن الكلام عن
كونية
الإسلام
وكونية
الحضارة
العربية
الإسلامية في
الشروط
الراهنة لا
يكثف إلا نزعة
في رفض الآخر،
وفق مطلق ديني
أو
ميتافيزيقي
ما زال يحكم
الكثير من
التيارات
الفكرية
الأصالوية،
والتي لا تعير
الاهتمام
لمطلب
العقلانية
والتحديث الجذري
ومفهوم
النسبية
الثقافية
والاختلاف داخل
الثقافة
الواحدة.
فالتنظير
لهوية ثقافية
من منطلق
أحادي الجانب
سواء كان باسم
العرق أو العقيدة
أو المشروعية
التاريخية لن
يهدر إلا إمكانية
تأسيس ثقافة
اختلافية لكل
الشرائح الاجتماعية
بعيدا عن
ميتافيزيقا
الجوهر. إن التعدد
والتنوع
الثقافيين
سيساهم في
بناء هوية منفتحة،
متجادلة مع
الواقع،
قادرة على
التطور، دون
تمركز نخبوي
أو مرجعي. مما
يعني أن الهوية
الثقافية على
المستوى
الداخلي هي
إقرار لحق كل
شعب ومكون
وعنصر في
تقرير مصيره
الثقافي على
أرضية النقد و
الاختلاف و
الديموقراطية.
وتجاوز ثقافة
الاضطهاد
والنموذج
الواحد هو المدخل
الحداثي
لتشييد
الثقافة أو
الهوية الثقافية
البديلة. وإذا
كنا نطالب
بتجاوز الاستلاب
الثقافي، فقد
نكرس استلابا
داخليا أشد
إذا قمنا بفرض
هوية ثقافية
لا عقلانية
وأحادية
التوجه.
فالغرب
البورجوازي
يحاول إعادة
إنتاج آليات
الهيمنة ووضع
الاستلاب
والتشيؤ، ودعاة
هوية ثقافية
خصوصية
ونكوصية
يكرسون هيمنة
واستلابا أشد
وطأ وتأثيرا.
إضافة إلى كون
الخصوصية
الضيقة لن
تقطع مع
الثقافة
السائدة المشرعة
لثقافة أو
لهوية ثقافية
لا تحتوي إلا على
قيم الخضوع
والانفعال،
واللاعقل،
والقدرية
والعجز
الذاتي. وكل
هذا يساهم في
وضع خط فاصل
داخل الهوية
الثقافية بين
"الأنا"
و"الآخر"
كتحديدين
متعالين.
والأهم من كل
هذا، هو فهم
أن عجزنا عن
إدراك
"الأنا" إلا
من خلال الآخر
يؤكد انسداد
أفق "عقل
عربي" سقط في
فخ التقليد
والاجترار،
ولم يعد قادرا
على تأكيد رغبته
في التقدم
والنقد،
وتجاوز وضعية
هوية مهزومة
فقدت طباعها
التاريخي،
فراحت ترسخ
طوباويات
بشكل أكثر
تصنيما
وأسطرة و
غيبية. هنا يكون
تاريخ مطلب
الهوية
الثقافية عند
العرب والمسلمين
لا يوازيه إلا
تاريخ هيمني
للغرب كانت
العولمة
خلاصته
المحتومة. يجب
الاعتراف أن
الهوية
الثاوية خلف
نظام العولمة
هي هوية العقل
النقدي
والمنهج
التجريبي
والتحقيب التاريخي
إضافة،
بالطبع، إلى
اللاعقل. كما
أن الغرب
المهيمن لم
يفرض ذاته
طوال التاريخ
إلا لأنه
امتلك آليات
الهيمنة
الفكرية
والمادية. ومقابل
هذا فالهوية
الثقافية
السائدة في المجتمع
العربي هي
هوية تحمل
بذور الهزيمة.
مما يتطلب
بناءها نقديا
وحداثيا قبل
مقابلتها
بالعولمة.
فهوية تعتمد
ثنائية
إسلام/رأسمالية،
لن تدعم إلا
الفهم
اللاعلمي
لعلاقة
المجتمع التابع
بالغرب.
والخلاصة لن
تكون إلا
تكريس النظرة
العدوانية
لكل مغايرة
واختلاف رغم
أن العولمة
ذاتها ترفض
المغايرة. إن
الإيمان بالفكر
العقلاني
الحداثي
سيساهم في
العدول عن
التوظيف
اللاعقلاني
للإسلام ضد
الديموقراطية
والعقلانية
على المستوى
الداخلي وضد
العولمة
ذاتها على
المستوى
الخارجي. إن
جدلية الصراع
الثقافي
والحضاري في
العصور
الوسطى أنتج هيمنة
العرب
والمسلمين
لكن في إطار
فلسفة عقلانية.
وجدلية
الصراع
الثقافي
والاقتصادي
الآن يمكن أن
تنتج ثقافة
محلية
عقلانية
حداثية على
أرضية
التغيير
الاجتماعي
والديمقراطية
ولو من موقع
الضعف
التاريخي.
فهوية ثقافية
تؤمن بجدلية
الخاص
والعام،
وبالتنوع،
وبالعقلانية يمكن
لها أن تعي
الاختلاف حتى
داخل الثقافة
الغربية.
فالغرب ليس
كلا مطلقا بل
تيارات فكرية
واجتماعية
متصارعة، حيث
هنا المدافع
عن الهيمنة وهناك
الناقد لها
بأسلوب فلسفي
وعلمي كما يتضح
من خلال
أطروحات
هابراماس
وفلاسفة
الاختلاف
وبيير بورديو
وغيرهم من
ناقدي
المركزية الغربية
والمدافعين
عن الاختلاف
الثقافي. ولكن
إذا كان حق
إقرار
الاختلاف
الثقافي داخل
نظام العولمة
ضرورة، فإن
الثقافة التي
يمكن الدفاع
عنها باسم
الهوية يجب أن
تحمل عناصر
العقل والنقد
والفاعلية،
لا الأساطير
وقيم النكوص. فقد
نحقق
اختلافنا
الثقافي لكن
بإغفال عناصر
الحركة
التاريخية
وأطر التفكير
العلمي، لن تزيد
إلا في تكريس
الأسطرة
والتراجع
والاستلاب.
وهنا يتضح أن
بناء هوية
ثقافية نقدية
وعقلانية يجب
أن يتأسس على
فهم عميق
لنظام
العولمة الذي
لا يهدف إلا
إلى إقرار
سلطة السوق،
دون نسيان
ضرورة النقد
للطباع
اللاعقلاني
للفكر الغربي
وكل إرادة
هيمنية
متسترة وراء
النزعة
الإنسانية.
لكن لا يمكن
نقد هذا
الجانب دون تملك
العقل وخوض
معركة العقل
التي مازالت
تعرف الكثير
من العوائق.
فهوية ثقافية
لا عقلانية لن
تستوعب جدلية
العقل
واللاعقل
داخل خطاب العولمة.
كما أن هوية
في ظل وجود
اجتماعي لا ديموقراطي
لن تكون قادرة
على التحفيز
في اتجاه
الدفاع عن
المواطنة
والمجتمع
المدني وحقوق
الإنسان. مما
يعني أن
الإذعان
لسلطة لا ديموقراطية
لن ينتج إلا
الهوية
المغلقة، بل
حرب الهويات.
لا مجال إذن
للعدول عن
تأصيل ثقافة
العقل
والصراع
الديموقراطي
والتنوع. مما
يؤكد أن تبسيط
مسألة الهوية
الثقافية في
العودة
للأصول
والتقاليد،
أو الرهان على
الثقافة لذاتها،
يعد اندفاعا
يشوبه نوع من
التفاؤل والحس
الرومنسي.
فالمسألة في
الجوهر هي
معركة من أجل
التحرر
الداخلي، أي
معركة سياسية
واقتصادية
وثقافية على
أرضية
الديموقراطية
لصالح كل
المكونات
الثقافية وكل
التوجهات
الإيديولوجية.
في أفق بلورة
منظور ثقافي
حداثي لا
يستهين
بالثقافة
الشعبية ولا
بالحس
المشترك ولا
ثقافة الهامش.
وإلا سنمارس
التدمير
الذاتي على وجودنا
دون الوعي
بذلك. كما أن
بناء هوية
ثقافية على
أساس
المعايير
الكونية مثل
العقل والتسامح
والإنسانية
يجب ألا
ينسينا ضرورة
تقويضه كل
نزعة عدوانية
تتستر وراء
الإنسان والحوار
ووحدة
التاريخ
البشري.
فتسييد كونية
العقل
والاختلاف لن
يكون إلا على
أنقاض أطروحة كونية
الثقافة
الغربية،
وكونية
الرأسمال. فإرادة
المعرفة حق
لكل الشعوب،
وحق الاختلاف مطلب
كوني، لكن وفق
معايير
التاريخ لا
الشعارات الطوباوية
الملوحة
بالحوار
الحضاري أو
عودة
الحضارات،
وضرورة
العولمة
لتدمير
العتيق. وقد
أتبت التاريخ
أن تجدد
الرأسمالية
لم يزد إلا في
تأزيم الوضع
بل عولمة
الاغتراب
والثقافة
الاستهلاكية.
وإذا كان خطاب
العولمة يحاول
إخفاء
التمايزات
باسم الكوني
فهو يوظف كل "وحشي"
لصالح تدمير
شعوب العالم
التابع. مما
يستدعي الوعي
بأهمية
التداخل بين
مقولة
الاختلاف
وأطروحة
الكونية من
أجل بناء هوية
ثقافية بديلة
رافضة
للهيمنة
والعرقية
والتوجه الأحادي
في المعرفة
والوجود. حيث
أن الانتصار
للمطلق هو
سقوط، ولو من
داخل
الخصوصية، في
فخ خطاب العولمة
الهيمني. ولن
تكون معركة
الهوية الثقافية
العقلانية
والديموقراطية
إلا صداما بين
إرادة التحرر
والرغبة في
الهيمنة وهو
صراع يعززه
جدل التاريخ
وفعالية
الفرد، دون قدرية
ودون استلام.
وتبقى مهمة
المثقف
العقلاني هو
استثمار
الفكر
والعلوم
الغربية
النقدية من أجل
نقد التمركز
العرقي
والطبقي
لنظام العولمة.
وهو أمر ليس
بالسهل بل
يندرج ضمن
معركة الحداثة
ذاتها، ضد كل
هيمنة
رأسمالية وكل
دفاع عن كونية
العولمة
والتي ليست في
الأصل إلا مقصلة
للضعيف ودمجا
للشعوب
المتخلفة في
النسق الرأسمالي،
مما يترجم
أزمة الحداثة
الرأسمالية
ذاتها التي
انفلتت من
العقلانية
الكانطية والإرث
النقدي نحو
فلسفة
التدمير
وإرادة القوة.
وإذا كان
الغرب
الرأسمالي
يعاني أزمة
حداثة، فمن
الطوباوية
التلويح
بأطروحة سقوط
الغرب وعودة
الإسلام، أو
سهولة
الاختراق
الثقافي
لنظام
العولمة ما
دامت تجربة
الحداثة في مجتمعنا
لم تنجز بعد،
وينقصها
المشروع
الاجتماعي البديل.
وعلى الهوية
الثقافية
البديلة أن تعي
أن الحداثة هي
معركة مريرة
ستترك جراحا
وتهدم أو هاما
وتقلب
موازين، وهو
ما حصل في
الغرب منذ أمد
بعيد، وذلك
أمر يجهله
دعاة حداثة
مبسطة
استهلاكية،
أو الرافضون
لكل مشروع
حداثي متجذر.
وكما يقول
آلان تورين:
"إن تاريخ
الحداثة هو
تاريخ
القطيعة
البطيئة وغير
القابلة للتوقف
بين الفرد
والمجتمع
والطبيعة"(7).
فمهمة ثقافة
أو هوية
ثقافية
عقلانية
نقدية هي مهمة
حداثية رافضة
لشعار إحياء
الماضي أو التراث،
ومراهنة على
كسر طوق
الثقافة
الأسطورية التي
تكبل البنية
الثقافية
لمجتمعات
الشرق. وإلا
سنكون
مدافعين عن
هوية تنتج
الأزمة دون القدرة
على تجاوزها.
وتروج لثقافة
الاستهلاك
دون إمكانية
تحصين
"الذات"
خاتمة:
يتضح
إذن أن الهوية
الثقافية
البديلة هي
هوية مؤسسة
على قيم
أساسية هي
العقلانية
والديموقراطية
والاختلاف
والتنوع. وهنا
يمكن طرح بعض
الاستنتاجات
الأساسية وهي:
1 -
ليست الهوية
الثقافية
مقولة مطلقة
وليست معطى
ثابتا، بل
يمكن
اعتبارها
إنجازا
وعملية بناء
طويلة، خصوصا
عندما يتعلق
الأمر بمجتمع
متخلف وتابع،
يعاني من
الهيمنة
المطلقة للغرب.
2 -
ليست العولمة
إذن هي الشر
المطلق، بل هي
آليات
واستراتيجيات
معرفية
وسياسية.
3 -
ليس الغرب
مقولة مطلقة،
بل علاقات
مادية وفكرية،
مما يقود أصلا
إلى النقد
التاريخي بعيدا
عن الاستشراق
والذي يحاول
وضع تقابل
مطلق بين
"شرق" و"غرب"
ليبرر
تراتبية
بينهما وليشرعن
أطروحته حول
التأخر التاريخي
لبلدان الشرق.
4 -
ليس التأخر
إذن مقولة
أبدية كما
يوهمنا خطاب
الهوية
المطلقة وكذا
خطاب العولمة
الهيمني. وإذا
أسسنا هوية
ثقافية
عقلانية
وعلمية، منسجمة
مع مطامح
التحرر،
سنفهم أن
الحداثة هي ضرورة
تاريخية، بل
هي مشروع
اجتماعي
تتجادل فيه
الاستمرارية
مع القطيعة.
هنا
يتبين أن
الهوية
الثقافية
البديلة لن تكون
وحشية
بالمعنى
الأنثروبولجي
للكلمة، بل هوية
تاريخية
مبنية على
الصراع
العقلاني والديموقراطي.
إن مواجهة
هيمنة
العولمة ليست
مجرد شعار، بل
هي معركة
طويلة، تبدأ
بضرورة تقويض
الأسس
الفلسفية لكل
رأي هيمني،
سواء كان باسم
العولمة
ذاتها أو باسم
خصوصية ضيقة.
مما يستدعي
نقد مبدأ
السيطرة
ومفهوم
الجوهر وتراتبية
الأعراف
ومقولة الأصل.
وهذا يتطلب استثمار
إنجازات
الفكر
الحداثي
النقدي، ضد كل
خطاب
استهلاكي أو
أسطوري يمارس
عنفا ضد إرادة
الشعوب
المستضعفة. إن
بناء هوية
ثقافية على أرضية
الحداثة
العقلانية
وفق مقوماتنا
التاريخية
يمكن أن يخلص
ثقافتنا من
الفصام، وعقدة
الاضطهاد،
والنزعة
العدوانية.
وإذا كان خطاب
العولمة
يحاول إقرار
فوضى جديدة
باسم النظام
فالتشريع
لثقافة جديدة
قادرة على دمج
كل القوى
اللاهثة وراء
التحرر في
معركة البناء
على أرضية
الصراع
الديموقراطي،
والفعل
الاقتصادي
الوطني، يمكن
أن يذكي
التعامل
الواقعي مع
نظام العولمة
دون انكفاء
على الذات
ودون اندفاع
نحو الاندماج
القسري.
الهوامش
1 - صمويل
هانتنغتون:
الغرب وصدام
الحضارات، جريدة
أنوال
المغربية،
ترجمة محمد
سعدي، عدد 10
يوليوز، ص 10.
2 - د.حسن
حنفي: المشروع
الحضاري
الجديد،
الماضي،
الحاضر،
المستقبل.
مجلة الوحدة،
عدد يناير،
فبراير، مارس
1995، ص 26.
3 - د,حسن
حنفي: مقدمة
في علم
الاستغراب
الدار الفنية،
القاهرة، ط 1،
1991، ص 785.
4 - محمد
جابر
الأنصاري:
مناقشة كتابه
تكوين العرب
السياسي
ومغزى الدولة
القطرية،
مجلة
المستقبل العربي،
عدد 93/92، ص 64.
5 - د.برهان
غليون: اغتيال
العقل، دار
التنوير بيروت،
1985، ص343.
6 - د,المهدي
المنجرة: حوار
التواصل،
سلسلة شراع، ط
4، ماي 1997، ص 38.
7 - آلان
تورين: "نقد
الحداثة"،
مجلة
المنطلق، ترجمة
د.عقيل الشيخ
حسين، العدد 115
سنة 1996، ص 202.