ص1      الفهرس    المحور 

 

الفلسفة، المؤسسة التربوية وأسئلة التحول

في المجتمع المغربي المعاصر: نحو رؤية سوسيولوجية نقدية

(تابع ما نشر في العدد السابق)

مصطفى محسن

المبحث الرابع: نحو رؤية تحليلية ونقدية لأهم الشروط التربوية والاجتماعية لعلاقة الفلسفة

بالمؤسسة في المجتمع المغربي المعاصر.

هكذا إذن يمكن، بعد المعطيات السابقة، أن نتساءل: ما هي أهم الشروط التي تؤطر علاقة الفلسفة بالمؤسسة في مجتمعنا المغربي الراهن، كنموذج لمجتمعاتنا العربية والثالثية على العموم؟ نعتقد أن الإجابة على هذا التساؤل تتطلب التعرف على هذه الشروط في إطارها السوسيوثقافي العام، وأيضا في إطارها المؤسسي التربوي الخاص. مع العلم بأن عرضا محدودا كهذا لا يمكنه بأي حال أن يقدم أي إلمام شمولي بالمسألة المبحوثة، نظرا لتشعبها، وتعقد أبعادها.

ونذكر، في هذا الصدد بالذات، بأن الإطار السوسيوثقافي لتداول واستهلاك الخطاب الفلسفي بالمغرب راهنا قد سبق لنا أن عالجنا بعض أهم جوانبه في غير هذا المقام، وبتفصيل لا بأس به. ولذا فإنه يبدو من المفيد منهجيا، وتجنبا لأي تكرار لا يجدي، ألا نقدم حول الإطار المذكور إلا ما هو دال ومعبر من المعطيات اللازمة، وبغرض الإشارة التذكيرية ليس إلا(1).

ولعل مما يجدر التذكير به في هذا السياق هو أن الفلسفة المدرسية والجامعية، باعتبارها تقليدا مؤسسيا أدخلته السياسة الكولونيالية، ما تزال تعاني العديد من مظاهر التهميش والاغتراب عن الواقع الثقافي والاجتماعي المغربي الموسوم بالكثير من مظاهر ومؤشرات التخلف: الأمية (النسوية خاصة)، عزلة الأوساط القروية عن المدنية التي ما تزال تحتكر بشكل كبير تعليم مادة الفلسفة، التفاوتات الاجتماعية المهولة بين مختلف الفئات والشرائح والأوساط… وعدم تكافؤ الفرص بينها أمام التربية والتعليم والتكوين والثقافة…إضافة إلى ما أصبحت تحمله هذه الشرائح من تمثلات سلبية للمدرسة والجامعة، بل وأيضا لكل قيم العلم والمعرفة والعمل المنتج. وذلك نظرا لتفاقم ظاهرة بطالة الشباب المؤهلين، والذين عجز النظام الإنتاجي-الاقتصادي - بفعل الآثار السلبية لما يتحكم في اشتغاله من آليات تقليدية أو منحرفة - عن إدماجهم بشكل إيجابي في سوق الشغل، وفي المجتمع بشكل عام.

ومما يضاعف حدة تهميش الفلسفة في مجتمعنا أيضا تلك التصورات الانتقاصية لها، التي ما تزال تهيمن على الوعي الشعبي العام، والتي تمتد جذورها وراء إلى ذلك الحصار التاريخي الذي ضرب على الفلسفة فمنع تدريسها في الجوامع والمدارس العتيقة التي عرفها تاريخنا المغربي القديم والحديث معا، اللهم إلا ما كان من بعض الاستثناءات، كما حرم تعاطيها، وجرِّم منتحلوها من المدرسين والطلاب: "من تمنطق تزدق"…إلى آخر ما هناك من المحن التي اعترضت الفلسفة كفكر وكتعلمي مدرسي، في سياقنا السوسيوحضاري الفطري والقومي العام.

ويعزز مناعة الحصار الآنف تلك المنظورات التي يتعاظم، في مجتمعنا المغربي، عداؤها للفلسفة باسم تبريرات مختلفة. ومن بين أبرز هذه المنظورات ما يمكن نعته بـ"المنظور التقنوبيروقراطي" (Technobureaucratique)، والذي ينتقد الفلسفة بكونها مجردة، لا إجرائية، وعديمة الجدوى في تحقيق أي إسهام مباشر في تنشيط الاقتصاد والاستجابة لحاجات السوق، والمساهمة بالتالي في مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة. أما ما يمكن وسمه بـ "المنظور التقليدي المحدث أو المستحدث" ( Traditionalisme Modernisé ou Moderne)، فهو غالبا ما ينتقد الفلسفة بدوره لكونها مدعاة إما للإلحاد، أو الاختلاف الفكري، وبالتالي فهي أحد أهم عوامل الفرقة والتشرذم الفكري والعقائدي والحضاري…الخ.

إلا أن ما يجعل العوامل السابقة الذكر ذات تأثير سلبي على وضعية الفلسفة المدرسية والجامعية في مجتمعنا هو أننا ما زلنا، في الظرفية الراهنة، لا نتوفر على فلسفة تربوية واجتماعية متكاملة العناصر، وواضحة الأهداف والتوجهات، أي على مشروع تربوي واجتماعي متسم بالمقومات الإيجابية المذكورة. إننا ما زلنا، في إطار هذا الوضع، لم نحدد بعد، وبكل إجرائية ووضوح كافيين، موقفنا من الثقافة المدرسية والجامعية - ومن بينها الفلسفة - بل موقفنا من وظيفة المدرسة أو الجامعة ذاتها. هل نتبنى ثقافة مدرسية للسوق، يتوخى منها تكوين وإعداد القوى البشرية ذات الكفاءة الإنتاجية التي يتطلبها الاقتصاد الوطني، على علات هذا الاقتصاد، وبكل ما يخترقه من مظاهر التشويه في إطار علاقات التبعية والتخارج، وغياب العقلنة في مجالات التشغيل والاستثمار، ومختلف مجالات التبادل والاشتغال…؟ أم ثقافة للتكوين الشمولي العام، وللتأهيل الثقافي والبحث العلمي؟ أم نريد من هذه الثقافة المدرسية أن تساهم في بناء المواطن وفق مقومات تنشئة سياسية وسوسيوثقافية معينة؟ أم أننا نهدف بشكل أساسي إلى المحافظة على نوع من "التعليم الصياني" الذي يضمن - إذا استطاع ذلك - لعموم المواطنين مستوى محدودا من التعليم من الممكن أن يجعلهم قادرين على تحقيق نوع من التفاعل مع معطيات الحضارة المعاصرة، ولكن دون أن يتمكن من الارتقاء بهم إلى مستوى الفعل أو التأثير الإيجابي في هذه المعطيات الحضارية(2).

يتضح مما سبق أن مسألة علاقة الفلسفة بالمؤسسة التربوية في مجتمعنا المغربي - بل وفي مجتمعاتنا العربية عموما، نظرا للعديد من النواظم والقواسم المشتركة القائمة بينها مما هو متداول في أدبيات سوسيو تاريخية متعددة - لا تخص فقط مادة الفلسفة، ولكنها تتعلق بوضعية نظام تربوي بأكمله تؤطر علاقاته مع محيطه الثقافي والاقتصادي والاجتماعي العام ترابطات وتبادلات غير واضحة المعالم والتوجهات. إنها إذن مسألة ترتبط بوضع مأزوم، معقد، ومتداخل المكونات. وإذا كانت ديباجة التوجيهات الرسمية المصاحبة للمواد والبرامج الدراسية، كالفلسفة مثلا، تتضمن مجموعة من الغايات والأهداف والمبادئ العامة التي لا يمكن دحضها بالمرة، فإن تصريفها عمليا أمر تعترضه، على المستوى الإجرائي، مجموعة هامة من المشكلات النظرية والمنهجية، وكذا التربوية والاجتماعية. وتلك مسألة سبق أن عالجناها ببعض التوسع في غير هذا المقام، ولذا فلا داعي لتكرارها من جديد(3).

وهكذا، فإن من أهم ما يمكن استنتاجه، بناء على الملاحظات النقدية السالفة الذكر، أن علاقة الفلسفة بالمساق السوسيو ثقافي العام الذي ينتظم تداولها تدريسا وتعاملا هي، على العموم، علاقة ملتبسة، غامضة. اللهم إلا ما كان من بعض تجلياتها، والتي تتبدى فيما تتعرض له الفلسفة من نبذ، ومحاصرة، وتحفظ، وتهميش…: (تقليص حصصها في الثانوي، وحذف شعبها من الجامعات الجديدة). إلا أن هذا الوضع المأزوم للفلسفة في مجتمعنا لا ينحصر في هذا الإطار السوسيو ثقافي والتربوي العام، بل يمتد ليخترق علاقة الفلسفة بالمؤسسة التربوية:المدرسة والجامعة، مؤثرا في مجريات الممارسة التربوية ذاتها. وذلك في إطار لعبة التعالق الجدلي بين المؤسستي واللامؤسستي/الاجتماعي في شرطيات مجتمعية معينة. فما هي، إذن، أهم وأبرز مقومات وخصوصيات ومحددات هذه الممارسة التربوية في سياقنا التربوي والاجتماعي الحالي؟ وأي علاقة خاصة تربط بين الفلسفة والمؤسسة في إطار هذه الممارسة؟ يبدو أن من أهم المقومات المميزة للوضع المؤسسي للفلسفة المدرسية في شروطنا الراهنة - إضافة إلى بعض نتائج وخلاصات ما سبق أن أنجزناه من دراسات في الموضوع -(4) ما يمكن إجماله وتركيزه فيما يلي:

استمرار تمسك بعض مدرسي الفلسفة والمشتغلين بها بأطروحة استحالة خضوع الفلسفة، في تلقينها وتداولها، لأي بيداغوجيا موضوعية كانت أو معيارية. وذلك على اعتبار أن للفلسفة بيداغوجياها الخاصة المتضمنة في آليات اشتغالها كتفكير، كفعل للتفلسف، لا كمجرد جملة من المعارف والمعلومات المباشرة والتي يمكن إخضاع تعليمها ونقلها لإجراءات وخطوات وتصنيفات البيداغوجيا كنظرية وكإطار فني ومنهجي للممارسة الديداكتيكية بكل عناصرها ومتضمناتها. وبالرغم من كون الخطابات الحاملة للأطروحة الآنفة تبدو كما لو كانت نمطا من الاستعادة، العلنية أو الضمنية، لذلك الخطاب الإنكاري الكلاسيكي الذي يضع الفلسفة فوق كل تحزب مذهبي أو عقائدي، وفوق أي فكر مباشر ومبسط قابل للتعليم والتلقين وفق غايات وأهداف معرفية أو سياسية أو تربوية معينة… مما لم يعد الخطاب التربوي وحتى الفلسفي المعاصر يهتم به كثيرا، مع عدم إلغاء أهميته كلية في مجالات النقاش الفكري والتربوي العام؛ بالرغم من كل ذلك، فإننا نعتقد أن الخطاب المذكور أعلاه لم يتجه، بالتحديد الضابط، إلى أساس المشكلة، والذي يتمثل، في تقديرنا، في مسألتين جد هامتين: تتعلق أولاهما بأننا لا نتحدث هنا عن فلسفة بالمعنى الأكاديمي والفلسفي الصرف، عن فلسفة الفلاسفة والمذاهب والأنساق الفلسفية الكبرى، وإنما نتحدث، بصفة أساسية، عن فلسفة مدرسية أو جامعية لها أهدافها وفضاءاتها وضوابطها ومضامينها المحددة والموجهة ضمن نسق ثقافي وتربوي معين، مع تميز الفضاء الجامعي خاصة ببعض التحرر من ضغوط وإكراهات المناخ المؤسسي لاعتبارات تربوية واجتماعية متعددة تتعلق بالاستقلالية النسبية لبعض الأعراف والتقاليد والقيم الجامعية. مع العلم بأن الجامعة، كمؤسسة تربوية اجتماعية، تظل هي بدورها، وفي التحليل السوسيولوجي لميكانيزمات اشتغالها، مرتبطة بكيفية ما بالمحيط السوسيوثقافي الذي تنتمي إليه. أما المسألة الثانية فتتجلى فيما نعيشه حاليا من وضعية عدم الحسم في الإجابة الدقيقة والواضحة على التساؤلات المركزية الآتية: أي فلسفة تريد الآن ترويجها في نظامنا التعليمي؟ ولبناء اي مواطن مغربي منشود؟ وأي وعي ثقافي واجتماعي نتوخى من تعليم الفلسفة في مجتمعنا أن يسهم في تشييد أسسه وتكريسه؟ ولنشر أي قيم معرفية أو حضارية، محلية أو كونية إنسانية؟ ولتدعيم أي رهان تنموي شمولي؟ وما هي الغايات الإجماعية العامة أو الوفاقية، وكذلك الأهداف الإجرائية القابلة للإنجاز والتحقيق، والتي نضعها للوصول إلى وضعية تمكننا من توجيه الفلسفة نحو تحقيق المقاصد والرهانات السابقة الذكر…؟ إنها، إذن، مسألة لا تتعلق فقط بإشكال بيداغوجي صرف، ولكنها بالإضافة إلى ذلك، ترتبط بوضعية غياب القرار السياسي والاجتماعي والتربوي، الذي يساعد الفلسفة المدرسية والجامعية على التموضع مؤسسيا واجتماعيا. ويدرك جل المشتغلين بالحقل التربوي ما ينجم عن غياب مثل هذا القرار - وخاصة فيما يتعلق بتدريس الفلسفة - من انعكاسات، سلبية في أغلبها، على مستوى الممارسة التربوية، تتمظهر في الكثير من حالات الاختلاف في المعايير والتصورات والقيم الموجهة للفعل التربوي، تدريسا، وتقويما، وتأطيرا، وتبادلات تربوية وثقافية… وإذا كان لهذا الاختلاف بعض الإيجابيات، نظرا للتميز المعروف للفلسفة عن غيرها من المواد الدراسية، فإنه كثيرا ما يساهم في أن تتكون حول الفلسفة عدة رؤى. ومواقف، وأحكام، وتصورات قدحية أو تحفظية هي في صلب هذا الوضع الحرج الذي تعيشه في هذه الفترة المأزومة من تاريخ تطور نظامنا التربوي والاجتماعي. وسنعود إلى بعض جوانب هذا الإشكال فيما بعد(5).

إذا كانت بعض المواقف المنفتحة، مقارنة مع المواقف المذكورة آنفا، تسعى جاهدة إلى ترشيد الممارسة البيداغوجية في مجال تدريس الفلسفة بالمغرب، وتنشيطها وتفعيلها عبر الاستئناس بمجموعة هامة من النماذج والعدد البيداغوجية الغربية المستوردة، فإننا نعتقد أن هذا المسعى هو، من حيث المبدأ، ظاهرة صحية، ومبادرة أدعو إلى تثمينها غاليا كخطوة نحو التجديد والانفتاح. إلا أن التوصل إلى تأسيس ما أسميه: "بيداغوجيا مطابقة" (Pédagogie Adéquate) يتطلب، في تقديرنا، ضرورة الوعي بالشروط والحيثيات النظرية والمنهجية والاجتماعية والتربوية الآتية:

- استحضار خصوصيات الفاعل التربوي المغربي: التلميذ، المدرس، المؤطر التربوي…وما يتحكم في كل هذه العناصر من محددات نفسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وتكوينية متعددة ومتباينة داخل سياقها المحلي الخاص، ومغايرة كذلك لخصوصيات فاعلين تربويين آخرين في سياقات حضارية مختلفة. وإذا كان لكل فاعل اجتماعي-تربوي أبعاد خصوصية وأخرى كونية بحكم انخراط كل السياقات الاجتماعية المتباينة - بقدر ما وبشكل معين - في نظام كوني شمولي متعدد، ولا سيما في الوضعية الراهنة لشيوع وانتشار قيم العولمة، والحوار، والتوافق والتشارك، بكل ما لذلك من أبعاد ورهانات فكرية وسياسية وإيديولوجية، متخفية أو ظاهرة؛ وإذا كان تجريب واختبار النماذج والعدد البيداغوجية الوافدة خطوة مهمة في سبيل تبيئتها وتوطينها وفرز الملائم وغير الملائم منها، فإننا ما زلنا في حاجة ماسة إلى المزيد من التجارب والدراسات النظرية والتطبيقية المنصبة إما على الفاعلين التربويين المعنيين، أو على مختلف مكونات العتاد البيداغوجي المعتمد، وما يربط بين هذين العنصرين: (الفاعلين والعتاد) من علاقات التقارب أو التباعد، والتقبل أو الرفض: والتلاؤم أو عدم التلاؤم…الخ. وإننا إذ نسجل هنا بداية وعي نقدي هام ببعض جوانب هذه المسألة البيداغوجية فيما ينتجه بعض المشتغلين بحقل التدريس الفلسفي من خطابات، فإننا نسجل في الآن ذاته السكوت التام والمطبق لهذه الخطابات عن العديد من الدراسات الوطنية التي أنجزت في هذا الحقل، لا سيما الأكاديمية منها، والتي تمت من منظورات بيداغوجية أو سوسيولوجية مختلفة ما تزال صلاحية استثمارها والتحاور معها إمكانية واردة، بل ضرورة مطلوبة(6). ولعل اندراج أنماط التجريب والبحث الآنفة الذكر في إطار خطة أو برنامج عمل واضح الأهداف وشروط الإنجاز والمتابعة والتقويم مسألة من الممكن أن تجنبنا الكثير من حالات التخبط والمتابعة والتقويم مسألة من الممكن أن تجنبنا الكثير من حالات التخبط والاعتباط أحيانا، والانتقال من تدبير منهجي إلى آخر، ومن اعتماد توجه بيداغوجي إلى آخر مغاير أيضا. مما يترتب عليه العديد من مظاهر الفوضى والاضطراب وغياب الضوابط المشتركة والموجه للممارسة. وتلك سمة دالة من سمات الوضع المأزوم الذي ينتظم تدريس الفلسفة بالمغرب.

- ضرورة الوعي بأن المفاهيم والنظريات والمناهج والعدد والنماذج البيداغوجية المقتبسة هي إفراز لحقل معرفي واجتماعي خاص ومتميز، وأنها ليست دائما وبالضرورة أدوات مطواعة للاستثمار في سياقات مغايرة. لذا فإن الأمر يتطلب، للاستفادة منها بشكل إيجابي، نوعا من المراجعة النقدية الشاملة والمتعددة الأبعاد: نقدها في إطار سياقها الأصلي الذي تعد منتوجا له، للكشف عن أهم الشروط والآليات التي تحكمت في إنتاجها ووجهت التعامل معها والاسترشاد العملي بها في هذا السياق بالذات، بكل مكوناته التربوية والثقافية والاجتماعية… ونقدها أيضا في إطار الحقل التربوي والاجتماعي الجديد الذي نقلت إليه بهدف تفعيله وتنشيط وترشيد ممارساته التربوية. وذلك من أجل المقارنة والبحث عن أهم نقط الالتقاء والتفارق، وعما هو أقرب إلى حاجات الفاعلين التربويين المستهدفين وخصوصياتهم وترقباتهم الاجتماعية أو الثقافية أو المهنية… وما هي الشروط المختلفة المؤسسية واللامؤسسية التي ينبغي توفيرها لإنجاح هذا "النقل أو التحويل البيداغوجي" (Transfert Pédagogique). وأخيرا نقد اللحظة الحضارية المحتضنة لتفاعل السياقات المذكورة. ذلك أن علاقة الذات بالآخر ليست جامدة دائما ولا مستقرة، بل يحكمها منطق دينامي مساوق للتحولات التي تطرأ على مختلف البنى والمكونات والأنساق الفكرية والحضارية محليا وكونيا. لذا فإن الوعي بخصوصية هذه اللحظة الحضارية أو تلك، بمطالبها ومستجداتها ورهاناتها…يعتبر شرطا ضروريا لتملك المعرفة الدقيقة التي يتطلبها نمط التعامل مع العتاد البيداغوجي السالف الذكر، ودعامة محورية لتأسيس أي حوار فكري وحضاري إيجابي بين سياقات مجتمعية مختلفة.

إن هذا "النقد المتعدد الأبعاد" (Critique Multidimensionnelle)(7)، والذي لا نقصره على المجال التربوي، بل ندعو إلى الاستئناس به في مختلف ميادين ومقاربات العلوم الإنسانية والاجتماعية كخلفية نظرية ومنهجية موجهة للتفكير والممارسة، هو الكفيل، في تصورنا، بالمساهمة في إنتاج "معرفة مطابقة"، وبالتالي "بيداغوجيا مطابقة" كما سبق الذكر. إلا أننا يجب أن ننبه إلى أن مفهوم المطابقة لا ينطوي هنا على أي تصور مثالي أو إطلاقي. بل إن ما نقصد بهذه المطابقة لا ينطوي هنا على أي تصور مثالي أو إطلاقي، بل إن ما نقصد بهذه المطابقة هو أن تكون تلك المعرفة أو البيداغوجيا المعنية متملكة لمقومات الوعي بشروط إنتاجها، وبلحظتها التاريخية، وبرهاناتها، وأيضا بحدودها ومحدوديتها، وبإمكاناتها النظرية والتكييفية، وعوائقها المعرفية والاجتماعية… إنها إذن معرفة تظل دوما واعية بقابليتها للتطور، ومنفتحة على آفاق وإمكانات ومطالب التغير والتحول الجديدة(8).

لعل من أهم سمات الممارسة التربوية في المغرب، سواء تعلق الأمر بممارسة تدريس الفلسفة أو غيرها، أو بمختلف مجالات التأطير وتدبير الموارد البشرية: الإدارة التربوية، التخطيط والبرمجة، التوجيه المدرسي والمهني…الخ أن هذه الممارسة التربوية ما تزال لم تتحول في نظامنا التربوي إلى "مؤسسة" ونحن لا نعني بالمؤسسة هنا إطارها الهيكلي المادي المقنن، وإنما نعني بها تلك المنظومة المتكاملة من الخبرات والمعارف والتجارب ونماذج التدخل والفعل… ومن القيم والمعايير والرموز والضوابط والأعراف أو لتقاليد المهنية…والتي يمكن اعتبارها بمثابة أطر مرجعية أو براديغمات موجهة للتفكير والممارسة وللتعامل والتبادل والمبادرة في مجمل المجالات التربوية المذكورة أعلاه. ونظرا للطابع التوجيهي لهذه المرجعيات فإنها تظل دوما ميدانا لمراكمة التجارب والخبرات الفنية أو المهنية، وقابلة للمراجعة والنقد، وللتجديد أو التطوير المواكبة لما تفرزه الممارسة المعنية من حاجات ومستجدات وظرفيات تكيفية جديدة.

ومن الأسس التي يفترض أن تقوم عليها هذه المأسسة المنظمة للعمل التربوي تلك المعايير أو قواعد اللعب ذات الطابع الوفاقي الإجماعي، التي يتواضع الفاعلون المعنيون على قبولها بدل المعايير اللاعقلانية، الشخصية أو الأهوائية. وهكذا فعندما ينتقل أحد هؤلاء الفاعلين من مجال إلى مجال، أو يستبدل بغيره، أو يلتحق بالمجال المعني فاعل جديد…الخ، فإن المفترض هو أن يجد المرء أمامه عدة متكاملة من التراكمات ومن المرجعيات الموجهة، التي تسهل مأمورية اندماجه في هذا الإطار الممأسس، كما تيسر انخراطه في " ثقافة مهنية" مبنية بشكل عقلاني منظم، وبأقل كلفة ممكنة من المشكلات والعوائق.

وبما أن لكل مؤسسة أو مأسسة (بالمعنى السابق الذكر للمفهومين) هواشها المتحررة نسبيا، فإن المأْسسة المشار إليها لا تلغي العناصر الهامة في عملية المأْسسة. إنه في مجتمعات العقلنة والتنظيم، اختلاف إيجابي منتج، ومحرك لدينامية الجدل المؤسسي. إن كل مأْسسة/مؤسسة هي اختلاف داخل وحدة، كما أنها وحدة قائمة على احتواء العديد من عناصر الاختلاف والتعدد والتمايز. اللهم إلا ما نوهنا به سالفا من استثناءات خاصة.

ونعتقد أن نظرة متفحصة لواقع الممارسة التربوية في نظامنا التربوي المغربي (سواء في المدرسة أو الجامعة مع فروق سبق التنويه بها) كفيلة بأن توقفنا على الكثير مما يعتور هذه لممارسة من تخبط، وعشوائية المبادرة، واختلاف، وتشتت الجهود، وأهوائية اتخاذ وتنفيذ القرار مهما كان خطيرا وحاسما…إلى غير ذلك من مظاهر التناقض والتشرذم. وهي مظاهر لا يمكن اعتبارها - إلا في حدود جد ضيقة، وفي حالات جد نادرة - من قبيل ذلك الاختلاف الإيجابي الداعم لسيرورة المأسسة البانية والمجددة. ويعود ذلك، في تقديرنا، إلى وضعية غياب القواعد والمعايير الضابطة والموجهة كما أسلفنا. وهي وضعية تطال الممارسة التربوية بل والاجتماعية برمتها ، بما في ذلك حقل تدريس الفلسفة عندنا(9).

وإذا كانت الفلسفة نظرا لفرادتها ما تزال تحتل في جميع الأنساق التعليمية مكانة متميزة بين مواد التلقين والتعليم، وأنها ما تزال تشكل، بامتياز، مجالا للتعدد والاختلاف - ولا سيما في حقل الممارسة البيداغوجية - فإن هذا الاختلاف ما يزال، في شروطنا التربوية الراهنة، لم يستكمل بعد شروط الاختلاف المؤسس أو الممأسس، ولم يقع استدماجه وفهمه وتوجيهه في إطار نسق متكامل من الأعراف والقيم والمعايير وقواعد اللعب المشتركة. إلا أننا لا نود أن توفتنا هنا فرصة تسجيل ملاحظة هامة بصدد هذه المسألة. ويتعلق الأمر بما أصبح يعرفه حاليا ميدان تدريس الفلسفة من نقاشات هامة يبدو أنها قد أخذت تتجاوز حدود "المسألة البيداغوجية" إلى ما هو أعمق منها، إلى محاولة التقاط وعي مطابق بمختلف الشروط السوسيولوجية والتربوية والفكرية…الخ، التي تؤطر تداول الخطاب الفلسفي بالمغرب مؤسسيا (في المدرسة أو الجامعة) واجتماعيا. ونعتقد أن مجموعة هامة من الشروط تتوفر حاليا لإنضاج هذا الوعي، نذكر منها شرطين أساسيين: عودة الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة إلى ساحة العمل التربوي والفكري بنفس يبدو واعدا رغم الظروف المادية والمعنوية، الذاتية والموضوعية المحيطة به، وهذا هو الشرط الأول. أما الشرط الثاني فيتمثل في كون الحقل الثقافي والعلمي بالمغرب قد أخذ يشهد - منذ مستهل الثمانينيات تحديدا - مدا متناميا لـ "مدرسة فلسفية" متمثلة في الإبداعات الفكرية الرائدة للعديد من الباحثين والمفكرين المغاربة في كافة حقول المعرفة الفلسفة بمفهومها العام. هذه الإبداعات التي تؤسس الآن لحضور فكري دال ومتميز نظريا ومنهجيا كان محل تقدير واهتمام وطنيا وقوميا وكونيا(10).

ونظرا لكل الاعتبارات والحيتيات السوسيولوجية والتربوية الآنفة، فإن الفلسفة في مجتمعنا المغربي تعيش حالة معقدة من الاغتراب المضاعف: غربة عن خصوصيات السياق الثقافي والمجتمعي العام، وغربة عن مجال مؤسسي ما تزال تبحث فيه عن استراتيجية ملائمة للتموضع والاندماج الفاعل. وذلك عبر المجهود المتواصلة لنخب من فاعليها: مدرسين ومؤطرين وباحثين… وهكذا، فإذا كان الخطاب التربوي والسياسي - الرسمي خاصة - يدعو إلى أن تتبنى المؤسسة المدرسية والجامعية ومختلف مؤسسات التكوين منظورا مقاولاتيا للثقافة المدرسية يجعلها موجهة نحو تلبية حاجات السوق، وتشريب الأطفال والشباب ثقافة المقاولة أو المبادرة، وثقافة الاندماج والانفتاح على مستجدات التغير المتسارع… وإذا كان هذا الخطاب أيضا يلح أن تنفتح المؤسسة التربوية على مكونات وشروط محيطها الثقافي والاقتصادي والاجتماعي العام، وعلى ضرورة بناء هذه المؤسسة لمشروعها الخاص، ولأنماط شراكاتها وتبادلاتها مع مختلف المؤسسات ومكونات المجتمع: مقاولات، مصانع، جمعيات، مؤسسات ومنظمات دولية أو محلية…الخ، فإن مضامين الفلسفة المدرسية والجامعية، ومحاور اهتمامها، وما يدور حولها من نقاشات فكرية وتربوية واجتماعية… غالبا ما تظل بعيدة ‘ن هذا الخطاب، وغير مساوقة له، أو منخرطة بشكل ما - اللهم إلا ما ندر - في نقده أو تقييمه وإبراز مدى أو عدم صلاحيته المعرفية والاجتماعية، إذ أنه بالفعل صالح للنقد والمراجعة. وقد أنجزنا بعض هذا النقد في مقام آخر غير هذا العرض(11).

إننا نعتقد أن خطابا تربويا، حول الفلسفة المدرسية والجامعية، متسما بالموضوعية العلمية والواقعية يفترض فيه أن يأخذ بعين الاعتبار هذا المعطى التربوي والاجتماعي الهام: ما هو الموقع الجدير بأن تأخذه الفلسفة المدرسية والجامعية ضمن هذا الخطاب المشار إليه؟ واعتمادا على أي رؤية تربوية واقتصادية وسياسية واجتماعية هادفة؟ إننا لا ندعو إلى أن نجعل من الفلسفة مجرد معلومات جامدة معدة للتلقين والاستهلاك ضمن توجهات المنظور المقاولاتي الآنف، وإنما ندعو فقط إلى ضرورة البحث عن الشروط الملائمة لموضعتها الإيجابية والمنهجية داخل سياق تربوي ومجتمعي محدد، له مقوماته، واهتماماته، وأولوياته، ورهاناته المتعددة المستويات والأبعاد، رغم حالات الغموض واللاتكامل التي تكتنف هذا السياق، والتي تم التأكيد على أهمية الانتباه إليها غير ما مرة.

إلا أن ما نلاحظه بصدد المسألة الآنفة هو أن جل ندوات وأنشطة التكوين والتأطير والتكوين المستمر - رغم محدوديتها وظرفيتها وعدم استمراريتها بشكل ممنهج، نظرا لاختلاف اهتمامات ومبادرات الفاعلين المعنيين، والتي سيتم بعضها بالكثير من مقومات الخلق والابتكار والتجديد - إن جل هذه الأنشطة غالبا ما تتجه نحو تركيز النقاش حول المسألة البيداغوجية. وتبرز ذلك مختلف المداخلات والتقارير والمساهمات والمحاور والوثائق التي تعتمد عليها هذه الأنشطة. وإذا كانت الهموم البيداغوجية مهمة لكافة الفاعلين التربويين ولمدرسي الفلسفة في أوضاعنا الحالية، فإذ الأمر يتطلب، بالموازاة مع ذلك، انفتاح هذه الهموم والاهتمامات على خصوصيات وشروط ومتطلبات اللحظة الراهنة التي يعيشها نظامنا التربوي والاجتماعي، والتي تتنامى فيها، بفعل هذه الخصوصية، خطابات متعددة تحتاج إلى المزيد من التحليل والنقد والتحاور والتأصيل. أليست هذه بعض مهام النظر الفلسفي؟ مهام النقد والانفتاح والبحث عن المواقع والأدوار الفاعلة؟(12)

المبحث الخامس: تعقيب عام: الفلسفة، المؤسسة، وأسئلة المرحلة في المجتمع المغربي

المعاصر: الراهن والرهانات.

لقد حاولنا، في المحاور السابقة من هذا العرض، أن نبرز - بقدر المستطاع، وبالكثير من التركيز والاختصار - بعض جوانب العلاقة المكتسبة بين الفلسفة والمؤسسة، ومكانتها ودورها ضمن الثقافة أو المعرفة المدرسية والجامعية في كل من المجتمعات الغربية ومجتمعات العالم الثالث كما هو واقع مجتمعاتنا العربية، كالمغرب على سبيل المثال. ولعل مما هو مستخلص مما سبق هو أن الفلسفة، في مجتمعنا المغربي والعربي على السواء، تعيش الآن وضعا حرجا تتصاعد خطورته باستمرار، سواء داخل المؤسسة التربوية أو خارجها، ويتجلى هذا الوضع في العديد من المواقف المعادية للفلسفة ولكل فكر عقلاني رشيد، مواقف التخوف والتحفظ والحصار والتهميش… وهي كلها مواقف تحيل، على مستوى خلفيتها الاجتماعية، إلى تخندق في تلك المواقع التي تتحصن فيها بعض الفئات والشرائح الاجتماعية، إما مضللة مستلبة الوعي، أو مدافعة بذلك عن مصالحها التي يضمنها لها ذلك التموقع الاجتماعي. وسواء كان ذلك بشكل علني أو مستتر، وعبر خطابات وممارسات متعددة. لذا فإن الدفاع عن الفلسفة، في شروطنا هذه، لا يستمد شرعيته ومشروعيته فقط من الأهداف التربوية "النبيلة" التي تريد أن تبوئ الفلسفة مكانتها المفتقدة في نظام تربوي مأزوم… وإنما لكونه أيضا دفاعا عن قيم العقلانية والحداثة والتقدم… التي حملت الفلسفة لواء تدعيمها وشرعنتها والدفاع الواعي عنها. إنه، إذن، دفاع ذو مضمون سياسي واجتماعي متعدد الأبعاد والدلالات. فما هي، إذن، الآفاق التي يمكن أن تفتح أمام الفلسفة في ظل أوضاعنا المأزومة هذه، كي تساهم بشكل إيجابي في تطوير ممارساتنا التربوية والاجتماعية في آن؟ وإذا كان من المتعذر أن نقدم، في هذا التعقيب الاستخلاصي، إجابة شاملة وشافية على هذا السؤال الهام، فلا أقل من أن نقدم لهذه الإجابة ببعض الملاحظات النقدية التي نريد منها أن تساهم في التشييد لأرضية حوار اجتماعي وتربوي منفتح حول هذه المسألة. ونجمل أهم هذه الملاحظات فيما يلي:

1 - ضرورة التذكير بأهمية استحضار الدور التاريخي للفلسفة كتموقع استراتيجي ذي وظيفة مزدوجة: دفاعية، وتتجلى في تقعيد وشرعنة بعض الخطابات والأوضاع… وتأسيسية (هجومية)، وتتمثل فيما تقوم به من نقد ونقض وهدم: واقتراح للقيم والمعايير البديلة: (عملية المأسسة). إن جدلية هاتين الوظيفتين، وما يتحكم فيها من آليات معرفية واجتماعية هي الخاصية الهامة - من بين عدة خاصيات أخرى - التي أعطت للممارسة الفلسفية فرادتها وأيضا قيمتها التاريخية، وحضورها الفاعل في مختلف آنات التغير والتحول(13).

2 - يترتب على التذكير الآنف أن الدفاع عن الفلسفة، في شروطنا الراهنة، يتطلب التخلي عن بعض القناعات الفكرية والبيداغوجية المثالية أو التقليدية، التي ما تزال تهيمن على الكثير من الخطابات التي تتناول علاقة الفلسفة بالمؤسسة في مجتمعنا: استحالة تعليم الفلسفة، التناقض بين أهداف الفلسفة وأهداف المؤسسة، وبين الفلسفة والبيداغوجيا…الخ. إن مكانة الفلسفة في ظل أي نظام تربوي أو اجتماعي محدد مشروطة على الدوام بوعي الفاعلين المعنيين بنوعية وأهداف ورهانات الأدوار التي يراد من الفلسفة أن تقوم بها في شروط معينة، وعي بحدودها ومعقوليتها وإمكاناتها، وأيضا بقابليتها للتنفيذ والإنجاز. ويبدو أن التجربة الغربية المعاصرة في مجال تدريس الفلسفة - مع التنبيه إلى اختلافها عن أوضاعنا الراهنة - قد أصبحت تتسم أكثر فأكثر بتوجه تربوي وفكري عام يقوم على اهتمام متنام بضرورة الانتقال من التركيز على القضايا الكليانية الكبرى إلى تحديد وتوجيه هذا التركيز، وربطه بالقضايا والرهانات المحددة للمشروع المجتمعي المتنفذ. إنه، إذن، توجه يقوم على الكثير من المعايير والقيم الواقعية، إلا أنها ليست مجرد واقعية ساذجة، بل واقعية واعية بأهدافها وشروطها الموضوعية. وعلى هذا الاعتبار، يمكن أن نتساءل: أي دور وأي مكانة وأي حضور نريد أن تتأسس عليه علاقة الفلسفة بالمؤسسة في مجتمعنا؟ إن المسألة ليست في عمقها -وكما سبق التنويه بذلك - مسألة تربوية أو بيداغوجية فحسب، ولكنها مسألة اختيار سياسي واجتماعي واضح ومتكامل الأهداف والعناصر. إننا نعتقد أن مهمة المرحلة وأسئلتها الكبرى ترتبط بتنشيط البحث والحوار التربوي والاجتماعي والسياسي حول عوامل غياب أو ضبابية هذا الاختيار، وأيضا حول أهم الشروط الكفيلة بتجاوز هذا الغياب، وتوجيه الفكر والممارسة الاجتماعيين نحو بلورة الاختيارات المطابقة، الممكنة، والمتساوقة مع متطلبات المرحلة الراهنة. إن ما نقصده هنا بالذات هو ضرورة وأهمية نقل النقاش الفكري والتربية حول علاقة الفلسفة بالمؤسسة في وضعنا الحالي من حقل الممارسة التربوية، رغم أهميته، إلى حقل الممارسة السياسية والاجتماعية بشكل عام، وإذا كنا نلاحظ، بالفعل، بداية ما لبعض جوانب هذا النقل أو التحويل للنقاش، فإن ذلك ما يزال، في تقديرنا، في حاجة إلى المزيد من التعميق والتكريس، والدعوة إلى إشراك كل فعاليات المجتمع المدني والمجتمع السياسي، بهدف صياغة رؤية حضارية واضحة متكاملة الأهداف واستراتيجيات الفعل حول هذه المسألة التربويةوالاجتماعية الحاسمة(14).

3 - وتأسيسا على الحيثيات السالفة الذكر، فإن من المقدمات الأساسية لبناء منظور إيجابي لعلاقة الفلسفة بالمؤسسة التربوية والاجتماعية الاعتراف بدورها التأسيسي: النقد والنقض والهدم وإعادة البناء والتأسيس…إن المقاربة السوسيولوجية لأي مؤسسة اجتماعية تبرز أن وظائف هذه الأخيرة لا تقف عند حدود القمع، والقهر، والمراقبة والعقاب…بل إنها بفضل خطابها وأفعالها الطقوسية تخلق لدى فاعليها نوعا من الانجذاب، الواعي أو اللاواعي، نحو سلطتها وإغراءاتها وقيمها. هذا الانجذاب الذي يندرج فيما يسميه بعض السوسيولوجيين بـ"الجهل أو اللاشعور المؤسسي" وهو ما يمكن أن نسميه أيضا بـ"العمى أو الوهم المؤسسي"(15). أليست الفلسفة، كتفكير نقدي، كفيلة بالمساهمة في تعرية بعض جوانب هذا الوهم، والتساؤل عما يؤسسه من رؤى، وتصورات، وحكايات، وممارسات…؟ أليس هذا التفكير أيضا أداة للتخطي والتجاوز وطرح القيم والمعايير والسلط البديلة الكفيلة بتحرر الفاعلين، وتموقهم حسب حاجاتهم ومطالبهم ورهاناتهم المتجددة؟ إنها عملية المأسسة بمدلولها الآنف التحديد، والتي من الممكن أن تتموضع الفلسفة المدرسية والجامعية ضمنها في موضع الفاعل المجدد لسيرورة البناء والتشييد والتقدم إلى الأمام.

وإذا استحضرنا وضعية غياب القيم والمعايير المنظمة والممأسسة للممارسة التربوية في مجتمعنا، والتي تحيل على مستوى مرجعيتها الاجتماعية إلى حالة التفكك التي يعرفها هذا المجتمع، بنيات، وعلاقات، ومؤسسات…وما ينجم عن ذلك من تكريس لواقع الفوضى القيمية والثقافية والاجتماعية… وشيوع وتبني القيم الرديئة مثل: الأنانية، والتواكل، والتحفظ، والخوف، وتقديس المصلحة الخاصة، وتدعيم الاعتماد على المحسوبية والزبونية والرشوة وعلاقات القرابة… المنافية لكل القيم الإيجابية المنتجة مثل: التعاون والحوار والمشاركة وتقدير مكانة العقل والعلم والمعرفة والعمل الجماعي والمصلحة العامة… الأمر الذي يفقد معه الفاعلون الاجتماعيون - داخل المؤسسة التربوية وخارجها - الكثير من القدرات الابتكارية، ومن الثقة في الذات أو في الآخر، ومن التحفز بالتالي للانخراط في أي مأسسة بانية ومجددة؛ أقول: إذا استحضرنا هذه الوضعية المأزومة الموسومة بما سبق، اتضحت لنا بجلاء مكانة الفلسفة ودورها كتفكير نقدي حر في تعرية زيف وتناقض وغموض هذه الشروط الاجتماعية، وفي المساهمة أيضا في إنضاج وعي الفاعلين المعنيين بأسس وخلفيات ومستتبعات هذه الشروط، وبقدراتهم وإمكاناتهم الظاهرة أو الكامنة أو المحتملة، وبمواقعهم وأدوارهم وبمسؤولياتهم في التأسيس لإنتاج وإعادة إنتاج شروط جديدة، أي الانتقال بهم من وضعية العناصر المستلبة أو المستبعدة إلى وضعية الفاعلين القادرين على فعل المأسسة وإنتاج المعنى والقيم، وتملك شروط ومقومات الانعتاق والتحرر. ولا سيما في لحظتنا الحضارية الراهنة الموسومة بكونها لحظة تنامي مد العولمة، خطابات وممارسات، وقيما ثقافية وسياسية وحضارية جديدة… تتطلب الفاعلية في التحاور والتواصل والمنافسة الندية في مجالات معرفية وتكنولوجية واقتصادية واجتماعية متعددة.

4 - ونحن بصدد الحديث عن علاقة الفلسفة بالمؤسسة، التربوية تحديدا، من المفيد أن نطرح للنقاش في هذا المجال مفهوما تربويا جديدا تم الزج به حاليا في سياقنا التربوي والاجتماعي، ألا وهو "مشروع المؤسسة" ((Projet d'Etablissement/d'Institution. هذا المشروع الذي يمكن تعريفه، باختصار مركز، بأنه هو تلك المحاولة التي تهدف من ورائها مؤسسة ما (تربوية أو اجتماعية عامة)، عبر الجهود المنظمة والمتكاملة لفاعليتها، إلى وضع خطة أو استراتيجية محكمة تبلور وتشخص فيها، بشكل واضح وممنهج، خصوصياتها، ومشكلاتها وحاجاتها وأهدافها وأولوياتها. كما تحدد فيها إطارا تنظيميا معقلنا وهادفا لتقسيم الأدوار والمهام. وأنماط العمليات والتبادلات وعلاقات التواصل والتشارك بين مكوناتها وفاعليها، وأيضا فيما بينها وبين مكونات ومؤسسات اجتماعية مختلفة… كما يتم الاتفاق في هذا الإطار على مجموعة من المعايير المعتمدة في أساليب التدخل، والبرمجة الزمنية، وتقويم سيرورة المشروع ونتائجه(16).

وبغض النظر عما يؤطر هذا المفهوم/المشروع من خلفية نظرية وتاريخية ترتبط، من بين ما ترتبط به، بتيارات فكرية واجتماعية متعددة الأبعاد والدلالات، مثل حركة "التدخل المؤسسي" (Intervention Institutionnelle)، أو موجة "البيداغوجيا المؤسسية" (Pédagogie Institutionnaliste)…الخ، فإننا نرى أن هذا المشروع، باعتباره على المستوى الفكري نوعا من الاستباق للمستقبل، أي محاولة تملكه نظريا بشكل يدعم ويوجه التحكم فيه عمليا في إطار سيرورة متكاملة للتغيير المخطط: يظل دوما في حاجة إلى إطار نظري موجه، وبالتالي إلى تفكير فلسفي نقدي متسائل عن أهداف المشروع، وخلفياته، ومراهناته، وعوائقه وأبعاده وحدوده… وما يطرحه الاستئناس به كآلية تجديدية لتدبير وتفعيل وتنشيط الممارسة التربوية، ولا سيما في ظل شروطنا الاجتماعية والتربوية والتي تختلف عن مجمل الشروط التي أفرزت المفهوم المعني، وأطرته فكريا وتاريخيا(17).

إننا نتوقع أن تفتح محاورة هذا المفهوم فلسفيا بعض إمكانات الحوار حول بعض آثار وعواقب التحولات التي تعرفها أنساق القيم والممارسات الاجتماعية والتربوية الموسومة بغياب المعايير والمأسسة المنتجة. وخاصة في هذه الظرفية الحساسة الحرجة التي يمر منها المجتمع المغربي المعاصر، والتي يهيمن فيها خطاب العولمة والجهوية، والخوصصة، والتراضي والتوافق، وتنشيط مختلف آليات وشرط الانتقال الديمقراطي…الخ. أي دور يمكن أن تلعبه الفلسفة، على مستوى المؤسسة التربوية، وفي إطار هوامشها وضفافها وارتباطاتها الاجتماعية، في محاورة هذه الظروف والخطابات ونقدها وفضح تهافت بعضها أو تكريس وتثمين البعض الآخر؟ إنه بالتأكيد، ذلك الدور الإرشادي التاريخي الذي سبق التنويه به!(18)

5 - ولعل من الملاحظات الهامة، التي من المفيد إثارتها في هذا التعقيب الاستخلاصي المركَّز، هي أن الفعل التربوي هو، بالضرورة وبطبيعة فكر إبداعي حر. إن كل لحظة فيه وليدة لشروطها وحاجاتها وخصوصياتها، ولما تولده من أفكار وتصورات وتمثلات وردود أفعال… إنها، إذن، لحظة فريدة متميزة، لا تستطيع تقعيدات البيداغوجيا أن تنزع عنها حريتها وابتكاريتها. وإنما أقصى ما تفعله هو أن تقترح خطاطات للتفكير والقراءة أو الفعل والتدخل… وهنا يمكن التساؤل: إلى أي حد يمكن لهذا المعطى التربوي أن يفتح واجهة جديدة منفتحة في إطار مناقشة علاقة الفلسفة بالمؤسسة التربوية؟ أليست الفلسفة كفكر حر مبدع متكاملة مع الفعل التربوي لا مناقضة له؟ أي تبادل حواري منتج يمكن إقامته بين الفلسفة والبيداغوجيا، وبالتالي بين الفلسفة والمؤسسة؟ وهل من مقومات الموقف العقلاني والواقعي ما نلاحظه من استمرار لبعض المواقف المتطرفة: إما موت الفلسفة، وإما موت المؤسسة؟ وهنا لا بد من أن نستحضر، مرة أخرى، تلك الوظيفة التأسيسية لفعل التفكير الفلسفي، قدرته على الانخراط في جدلية ديناميكية مسترسلة بين مهام نقد المؤسسة، والعمل في نفس الآن على تفعيلها وخلخلة إيقاعاتها ومعاييرها وقيمها من أجل تحررها والانتقال بها إلى وضع مؤسسي جديد متقدم. إنها عملية المأسسة كما حددناها سابقا. لم ولن تموت الفلسفة إذن، ولم ولن تموت المؤسسة كذلك، ولكنهما ستظلان محكومتين بهذه العلاقة الجدلية الدائمة والمسترسلة: على الأقل في إطار الأوضاع المجتمعية والحضارية الراهنة، أوضاع المأسسة والتنظيم والعقلنة، وأيضا في حدود إمكاناتنا الآن على التفكير والتوقع وفق أطر مرجعية معنية. غير أن من أهم الخلاصات التي يجدر التأكيد عليها في هذا المساق هو أن ما يشرط علاقة الفلسفة بالمؤسسة في مجتمع معين، وتوجيهها في هذا المسار أو ذاك، أو جعلها إيجابية منتجة أو سلبية عقيمة، مسألة لا تتوقف دوما على النوايا أو الإرادات والرغبات فقط - رغم أهميتها ودورها الحاسم - وإنما ترتبط بشكل أساسي، وكما نوهنا بذلك غير ما مرة، بنمط ومستوى الوعي الذي يحمله الفاعلون المعنيون، في شروط تاريخية محددة، حول إمكاناتهم وقدراتهم التأسيسية في لحظة زمنية معطاة، والتي يمكنهم استثمارها لإنتاج قيم ومعايير جديدة للتجاوز والتأسيس والتحرر، وبالتالي لإنتاج شروط إنتاج مؤسسات جديدة، ومجتمع جديد(19).

ولا ريب في أن من أبرز وأهم سمات المنعطف الحضاري الذي يؤطر المنظومة الكونية راهنا ذلك الاكتساح الشامل للعالم والذي تمارسه العولمة بإيديولوجيا وارتباطاتها وقيمها وتحدياتها… واضعة بذلك بعض أسس ما أصبح يدعى بـ"النظام الكوني الجديد"، والذي ما تفتأ معالمه وصبواته الهيمنية تفصح عن نفسها يوما بعد يوم. إن هذه اللحظة الحضارية التي تلفنا تعد، في تقديرنا، من بين آكد الشروط التي أصبحت تتطلب منا - سواء على المستوى الوطني القطري، أو على المستوى القومي العربي، ولم لا على المستوى الثالثي - ضرورة التموقع الحضاري استنادا على رؤية فكرية وسوسيوحضارية واعية بأوضاعها الذاتية والموضوعية وبأهدافها ورهاناتها… ولعل الفلسفة - كما نوهنا بذلك آنفا - باعتبارها فكرا نقديا تنويريا كفيلة بالمساهمة في مساعدتنا على بناء "مشاريعنا" المجتمعية والحضارية وفق فلسفة شمولية ناضجة وواعية، مؤطرة لفلسفة تربوية واضحة المعالم، هي بدورها موجهة لفلسفة مدرسية هادفة وقادرة على المساهمة في تكوين وبناء الإنسان/المواطن الفاعل المنتج والمؤهل للتواصل والتفاعل الحضاريين. إن مثل هذه الرؤية، أو هذه الفلسفة الشمولية الموجهة هي التي يمكن التعويل عليها في المساهمة في إخراجنا من أوضاع الخواء الفكري التي نعيشها. ومن التقليد والتبعية والتخلف والدوران اليائس في الحلقات المفرغة، وأيضا في منحنا شروط التأهيل والاقتدار المستحق لاقتحام أزمنة التنمية والتقدم والحداثة.

هكذا، إذن، نكون قد حاولنا من خلال هذا العرض أن نقدم بعض أهم المداخل السوسيولوجية النقدية، التي نعتقد أن بإمكانها أن تشكل أرضية منهجية استئناسية يمكن الانطلاق منها للمساهمةفي تأصيل النظر الفكري حول علاقة الفلسفة بالمؤسسة التربوية والاجتماعية عامة، وفي مجتمعنا على وجه التحديد. غير أنه يجب التذكير من جديد بأن هذه المقدمات/الأرضية تظل دوما مرتهنة بزاوية المقاربة المقترحة، وبإطارها النظري والمنهجي المعتمد، وبخلفياتها الفكرية والإيديولوجية الموجهة، العلنية منها والضمنية من جهة، كما أنها، من جهة أخرى، مقاربة تحاول، قدر المستطاع، تحقيق المزيد من الوعي بهذه الأبعاد والمتضمنات، وأيضا بحدودها ومحدوديتها وجدواها التحليلية، وبالتالي لقابليتها للنقد والتحاور والتبادل، وللإضافة والإغناء، أو التعديل… شأنها في ذلك شأن كل المقاربات المعتمدة في مختلف حقول البحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية بشكل عام. إلا أننا نعتقد أن هذه الواجهة السوسيولوجية في التحليل، والتي حاولنا أن نفتح عليها إشكالية علاقة الفلسفة بالمؤسسة، كفيلة - ضمن الوعي بالحدود والشرطيات والعوائق المعرفية والاجتماعية الآنفة الذكر - بأن تقدم مقتربا تحليليا متميزا ببعض مقومات الجدة والمرونة والانفتاح لا يرى في المنظور المتبنى سوى زاوية للتحليل من بين عدة وزوايا أخرى ممكنة ومتعددة بتعدد أبعاد ومكونات ودلالات المسألة المبحوثة، كما نوهنا بذلك في أكثر من محطة ضمن هذه المساهمة المتواضعة، وفي غيرها أيضا. ويبدو لنا أن الوعي بكل هذه المعطيات الفكرية، وبسطها بالقدر المطلوب من الوضوح أمام القارئ يعتبر شرطا منهجيا أساسيا لقراءة موضوعية ما أمكن لهذه المحاولة، ومحاورتها، والدخول معها في لحظات تبادل إيجابي منتج.

 

هوامش وإحالات:

1 - ارجع، فيما يتعلق بهذه المعالجة، إلى:

- مصطفى محسن: المعرفة والمؤسسة…مرجع سابق الذكر

2 - مصطفى محسن: الفلسفة والتنمية البشرية… مرجع سابق الذكر

3 - نفس المرجعين السابقي الذكر (في هامش 29 وهامش 30)

4 - نفس المرجعين السابقين الذكر

5 - لقد أخذ اهتمام المشتغلين بتدريس الفلسفة في المغرب بـ"المسألة البيداغوجية" وبعلاقة الفلسفة بالمؤسسة التربوية يتخذ منحى نقديا هاما، وخاصة في مجلة: "الجدل" في غضون الثمانينيات، وكذلك مجلة: "اختلاف"، وخاصة العدد 2/1991، وأيضا مجلة "فلسفة": (مجلة الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة) عدد 3/1995، وعدد 5/1997.

6 - من بين بعض هذه الدراسات:

- مصطفى محسن: في سوسيولوجيا الخطاب المدرسي، بحث في الدلالة الاجتماعية للخطاب الفلسفي المدرسي بالمغرب، مساهمة في سوسيولوجيا التربية والثقافة، أطروحة سلك ثالث في علم الاجتماع، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، دجنبر، 1990.

- B. Benomar : Analyse des comportements verbp-cognitifs dans les calsses de philosophie de Rabat-Salé.., Post-Graduat, Université libre de Bruxelles (U.L.B) 1980-1981.

- M. Tlemsani: Contribution à une critique de la didactique de l'enseignement de la philosophie au Maroc de 1967 à 1976.., Post-Graduat, (U.L.B) 1979-1980.

- L. Wafi: Etude relative à la correspondance entre les intentions et l'évaluation dans l'enseignement de la philosophie ( Casa et Rabat), Post-Graduat, (U.L.B), 1985-1986.

7 - مصطفى محسن: في المسألة التربوية…مرجع سابق الذكر، ص ص(5-8)

8 - من المساهمات الهامة التي أنجزها بعض مدرسي الفلسفة بالمغرب في إطار اهتمامهم بنقل بعض التصورات والنماذج البيداغوجية الغربية المستأنسة في تدريس المادة إلى السياق المغربي:

- ميشيل بينوا، ميشيل كاري، ميشيل توزي: الدراسة الفلسفية للموضوعة وللنص، ترجمة عزيز لزرق ومحمد شريكان، مطبعة المغربية إتقان، سلا، الطبعة الأولى، 1996.

9 - ارجع إلى معالجتنا لبعض جوانب هذه المسألة في :

- مصطفى محسن: مشروع المؤسسة، الشراكة، وإشكالية تدبير وترشيد الممارسة التربوية، (حوار)، أجرى الحوار ذ. نور الدين الطاهري، مجلة عالم التربية (مغربية)، العدد الخامس (سيصدر في فضول الموسم الدراسي والجامعي: 1997-1998).

10 - لقد أشار الأستاذ عبد الله العروي إلى بداية إيجابية لتبلور "مدرسة فلسفية" وأيضا"مدرسة تاريخية في المغرب"، وذلك في ندوة "الفكر الفلسفي بالمغرب المعاصر". ارجع إلى أعمال هذه الندوة في :

- مجموعة مؤلفين: أعمال ندوة "الفكر الفلسفي بالمغرب المعاصر"، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة: ندوات ومناظرات رقم 23/1993 (ورد رأي الأستاذ العروي في المناقشات ولم ينشر في أعمال الندوة)

11 - عد إلى :

- مصطفى محسن :الشباب وإشكالية الاندماج الاجتماعي، مقاربة سوسيولوجية، في : مجموعة مؤلفين:الشباب ومشكلات الاندماج، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرابط، سلسلة: ندوات ومناظرات رقم 49/1995، ص ص(23-44)

- ------ : الإدماج المهني للشباب وعلاقته بقضايا الهوية والاندماج الاجتماعي، رؤية سوسيولوجية نقدية، في :مجموعة مؤلفين: اندماج الشباب وقضايا الهوية، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة: ندوات ومناظرات رقم 54/1996،

ص ص(17-46)

12 - للوقوف على هذه المسألة، يستحسن الرجوع إلى بعض النماذج الهامة من مساهمات مدرسي ومؤطري الفلسفة ضمن هذه الدورات والأنشطة التربوية التكوينية. وجلها، على حد معرفتنا،مساهمات غير منشورة وغير معممة حتى الآن، اللهم إلا بعض النماذج منها.

13 - عد، فيما يتعلق ببعض أوضاع الفلسفة المدرسية في المجتمعات الغربية، إلى هذه الأعمال، كمجرد أمثلة ونماذج:

- L. Pinto: op.cit

- P. Henriot: Crise de la philosophie et crise de son enseignement, notes polémiques,(R.E.PH.), n° 1, oct.nov. 1984, pp. (95-112).

- Brun de solère: Est-il possible d'enseigner la philosophie à tous? (R.E.PH.), n°2, Décembre 1984 et Janvier 1985, pp. (34-39)

- Pascal Marignac: les professeurs de philosophie des empiristes par contraintes? (R.E.PH), n° 5, Juin-Juillet 1980, pp. (3-13)

- J. Lefranc: L'enseignement de la philosophie sera-t-il "technocratisé ? (R.E.PH), n°3, Fevrier-Mars 1976, pp. (24-32)

14 - ارجع إلى بعض جوانب هذا النقاش في المساهمات المتضمنة في مجلات: "الجدل"، "اختلاف" و"فلسفة" المشار إليها سابقا.

15 - Cf. D. Zay: op.cit, pp. (7-10).

16 - مصطفى محسن: مشروع المؤسسة… نفس الحوار السابق الذكر.

- G. Snyders: op.cit.

17 - لأخذ فكرة عامة عن "مشروع المؤسسة"، عد إلى:

- د.محمد الدرج: مشروع المؤسسة والتجديد التربوي في المدرسة المغربية، الجزء الثاني: مشروع المؤسسة والشراكة التربوية، دفاتر في التربية، رقم 2، سلسلة التجديد التربوي، منشورات رمسيس، الرباط، الطبعة الأولى، 1996، وارجع أيضا، للتوسع، إلى:

- Claude Paquette: Le projet éducatif, Ed. NHP, Otawa, 1979.

- J.¨. Obin et F. Gros: Le projet d'établissement, Ed. Hachette, Paris, 1991.

- Jaques Bonnet : L'enseignement au coeur du projet d'établissement, les Eds. d'organisation, Paris, 1994.

- Isabelle Bordallo et Jean-Paule Ginestet:pour une pédagogie du projet, Ed. Hachette, Paris, 1993.

- Cf. Jaques Ardoino et al: L'intervention institutionnelle, Ed. Payot ( P.B.P), Paris, 1980.

- M. Lobrot: La pédagogie institutionnelle, Ed. Gauthier-Villard, Paris, 1966.

- A. Vasquez, F. Oury: Vers une pédagogie institutionnelle, Ed. F. Maspero, Paris, 1967.

18 - د. سمير أمين: ملاحظات حول العولمة، مجلة "الفكر العربي"، معهد الإنماء العربي، بيروت، عدد 66، أكتوبر/ديسمبر 1991، ص ص(36-53). وانظر حول راهن إشكالية الانتقال الديمقراطي في العالم، ملف:

- "إشكالية الانتقال الديمقراطي في العالم" (ملف يضم آراء مجموعة من المفكرين المشاركين في المنتدى السياسي الثاني لمؤسسة عبد الرحيم بوعبيد للثقافة والعلوم حول هذه الإشكالية - ملف من إعداد امحمد نجيب)، مجلة "شؤون مغربية"، العدد 12، فبراير 1997،

ص ص(4-13).

19 - CERI: La créativité à l'école, conclusions d'une enquête, O.C.D.E. Paris, 1978, pp. (15-20)

- Cf. G. Snyders: op.cit.