ص1      الفهرس    المحور 

لتعددية الثقافية والتربية

في القرن الحادي والعشرين(*)

بقلم غاستون ميالاري

ترجمة: محمد بن الشيخ

القسم الأول: مقدمة وملاحظات أولية

لقد أضحى التسليم بالتعددية الثقافية الراهنة من لدن كافة المجتمعات بمثابة تحصيل حاصل، بحيث إن هذا التسليم إنما يأتي استجابة لنوع من التأثير البيداغوجي الرائج، إلى درجة يحق معها للمرء أن يتساءل عن الجدوى من تدبيج مداخلة من هذا القبيل لإلقائها أمام جمهور معروف بحسن اطلاعه وتتبعه. غير أننا نعترف من خلال الحديث عن هذا الموضوع، أننا كنا مدفوعين بروح المغامرة، التي قد تؤدي بنا إلى أن ننعت، من لدن الجميع، بالإسفاف، لكن هذا لا يهم ما دام الأمر، يحتاج في رأينا، إلى إلقاء الضوء على ذلك التضخم اللغوي المعجمي (وهو التضخم الذي سنعمل على تحديده فيما بعد)، كما يحتاج إلى الكشف عن العديد من السفاسف والترهات العامة، التي أضحت مع الوقت بمثابة حقائق مطلقة. تلك السفاسف التي، وبحكم الزمن، لم يعد لها أي معنى، بالنظر لما تعرفه الأوضاع الحالية من تغير على المستوى التاريخي والجغرافي، كما أننا سنعمل بعد ذلك على إجراء تحاليل أكثر دقة لبعض المفاهيم من قبيل مفهوم الثقافة، ومفهوم التعددية الثقافية، والتبادل بين الثقافات interculture.. وذلك بهدف محاولة التوصل إلى حلول عملية لطالما ظل المدرسون والآباء والإداريون التربويون يترقبونها. إذ مهما كانت الخطابات الفارغة إلى حد ما، التي أثيرت حول المسألة، ومهما كانت التصريحات الساخنة حول الموضوع من لدن السياسيين، ومهما بدا لنا أن الحلول تتوارد على الورق، إلا أنه يجب علينا، ضدا على ذلك، أن نقر بالصعوبات الحقيقية المتعلقة بمعالجة موضوع كهذا انطلاقا من وجهات النظر الثلاث التي سوف نتبناها في دراسته(1):

ـ وجهة نظر سايكولوجية

ـ وجهة نظر الباحث

ـ وجهة نظر بيداغوجية.

صعوبات الموضوع: "علينا ألا ننخدع في أعدائنا كما يقول رجال السياسة عادة".

إن نفس هذه القولة قد تنطبق علينا في تعاملنا مع هذا الموضوع. فبحكم الميل إلى التقليد، فقد كنا نسقط بدون تفكير في البحث عن (كبش الفداء) مرددين على من يريد أن يسمع، بأن المدرسة عندنا في أزمة، وانطلاقا من استعراضنا لعدد مهم من أوجه الفشل الدراسي، سرعان ما نصل إلى خلاصة مباشرة مفادها أن (الخطأ يعود إلى الآخرين!)، أي إلى أولئك الأطفال الغرباء الذين يأتون من بلدانهم للإسهام في الإخلال بالنظام الهادئ تعرفه الحياة المدرسية. وهذا يبدو، حكم جازم، علينا مع ذلك أن نتأكد من صحته خصوصا من خلال النظر عن قرب في النجاحات الدراسية التي يحققها عدد من الأطفال الوافدين من ثقافات أخرى.

والظاهر أن ما ينطبق على هذا الموضوع، ينطبق أيضا على ظواهر العنف حيث إننا "نعايش في الوقت الراهن نزعا إلى إضفاء طابع العرقية Ethnicialisation على ظاهرة العنف، من خلال ربطها بالتالي بسلالات بعينها": دوباربيو Debarbieux.

إذن علينا أن نحترس من الكمائن التي تختفي وراء الكلمات، وبين أيدينا، لهذا الغرض عدة طرق للتعامل مع مصطلحات: التعدد الثقافي والتعددية الثقافية Multiculturalite et Multiculturalisme، والتمثل والتمثلية: Assimilation et Assimulatinnisme، بحيث أن المصطلحين الأولين يشيران على المستوى اللغوي، إلى وضعية وحالة ونتيجة، بينما قد يعني المصطلحان المواليات موقفا سياسيا ذا طابع بيداغوجي، ذلك لأن التعددية الثقافية، من هذا المنطلق لا تعني فقط الإقرار بواقعية أو حدوث التعدد الثقافي multiculturel، بل تعني أكثر من ذلك، اتخاذ موقف من أجل الحفاظ على ذلك التعدد وصيانته، ومن ثمة تقوية الوضعية الناتجة عن ذلك التعدد (وسنرى فيما بعد العواقب والمخاطر الكامنة مثلا في الكمائن التي قد تنصبها لنا الكلمات على عواهنها).

نفس الملاحظات يمكن إبداؤها فيما يتعلق بمصطلحات: متعدد الثقافات Multiculturel وبين الثقافات Interculturel، بحيث إننا قد نخلط هنا بين وضعية:

1 ـ "التعددية الثقافية"، وبين سيرورة أو مشروع أو منهجية بيداغوجية تجمع بين عدة ثقافات ولعل هذا يفرض علينا، انطلاقا مما سبق القيام بمجهود أولي لتحديد المصطلحات التالية:

Monoculturel أحادي الثقافة: يمكن أن نلمس وضعية الثقافة الأحادية عندما تكون هناك ثقافة مفروضة، بحيث أنها تلزم بالانتقال من نموذج ثقافي معين إلى نموذج آخر مغاير، كما يمكن ملاحظة ذلك عندما تحل ثقافة ما محل ثقافة أخرى تاريخيا، والأمثلة متوفرة لا سيما ببعض الدول الشرقية حيث سبق للثقافة الماركسية أن أزاحت الثقافة المسيحية وحلت محلها، كما سبق أن حدث أيضا مع غزو أمريكا اللاتينية من لدن المستوطنين الإسبان.

2 ـ Poly-pluri ou multiculturel متعدد الثقافات(*):

نعني بالتعددية في الثقافات أو متعدد الثقافات أو التعدد الثقافي تلك الوضعية التي تتعايش إزاءها النماذج الثقافية في نفس الفضاء، بحيث لا يبعد أن نجد أنفسنا في النهاية في مواجهة "جيتوهات" ثقافية، (مراكز منعزلة)، ونلمس هذه الوضعية في الغالب بالدول المستعمرة حيث يقوم المستعمر بفرض ثقافته متجاهلا الثقافات المحلية، التي تنغلق على نفسها، من جراء ذلك، داخل الجيتوهات من أجل مقاومة الثقافة الغازية.

3 ـ Assimilationnisme التمثلية (الاستيعابية):

"وتعني التيار الفكري والعملي الذي يقف في مواجهة المشاكل المتولدة عن التعددية الثقافية الاجتماعية، انطلاقا من موقف معين، لترجيح كفة التيار التمثلي أو الاستيعابي على كفة الثقافات الأخرى، أما من جهة أخرى، فإن التعارض بين الثقافات المرتكز على مفهوم الاختلاف يبدو بمثابة حاجز منغلق على نفسه بإحكام وكأنه على هامش التاريخ" (هانون Hannoun). وسنتحدث فيما بعد عن العواقب الناتجة عن أمثال هذا الموقف على المستوى البيداغوجي(2).

4 ـ Intégration اندماج:

لقد أكد عديد من الباحثين (بريطو وفاسكيز خصوصا) أن تعدد الدلالات، التي يحملها ويكتسيها هذا المصطلح، ترتبط بالمكانة الاجتماعية التي يحتلها الفاعل الاجتماعي الذي يتخذها مرجعية له.

والاندماج هو بمثابة السيرورة التي تكمن في الرغبة في تزويد الشخص الغريب عن الثقافة، التي هو مدعو إلى العيش في كنفها، بالعناصر الأساسية (المعارف والمواقف وطرق التفكير..)، التي من شأنها أن تجعله يبدو بمثابة شخص "سوي Normal"، من منطلق قواعد السلوك، والعادات في المجتمع المضيف والمستقبل.

ويجدر بنا أن نشير في هذا الصدد إلى الدلالتين اللتين يمكن أن يحملهما مصطلح اندماج: الأولى قد تكون سلبية، باعتبار أن الشخص المعني يكون خاضعا كلية إلى الثقافة المفروضة عليه إلى حد ما، أما الدلالة الثانية، فنجد أن الشخص المعني يبدي كامل الاستجابة للاندماج، ويسهم بالتالي بشكل طوعي في اندماجه الشخصي.

ـ في العادة، إننا نتحدث عن الوضعية التثاقفية، (بين الثقافات Interculturelle) عندما يتعلق الأمر بحدوث تداخل وتلاق للنماذج الثقافية. وهي ظاهرة نلمسها في العديد من الدول، سواء كان ذلك التداخل فيها يتم عن قصد أم لا، ولعل أحسن مثال يمكن إيراده بالمناسبة، هو المرتبط بفعل الثقافة الأمريكية وتأثيرها في الثقافة الأوروبية، ثم وفي نفس السياق، ألم يقولوا في الماضي القديم، إن الغولْوَا من سكان فرنسا هم الذين ساهموا في إحياء الحضارة الرومانية؟

أما عن المأزق الثاني الذي يمكن أن توقعنا في شراكه مثل هذه المصطلحات: فيرتبط بالواقعية اللفظية والواقعية الملموسة.

وإذا كانت التعددية الثقافية بمثابة واقع معترف به من لدن الجميع، فإن السؤال الذي يجب طرحه يتعلق بما تعنيه هذه العبارة بالضبط، تبعا للأمكنة والأزمنة المختلفة؟ ذلك لأن ظاهرة التعددية الثقافية تبقى ظاهرة عامة، لكنها لا تكون متطابقة دائما مع نفسها من منظور الزمان والمكان. ومن هنا تبرز وكما سنرى فيما بعد، الصعوبات حتى لا نقول، استحالة تمرير بعض الحلول (البيداغوجية على الخصوص)، اللهم في حالة اتخاذ عدد كبير من الاحتياطات (من قبيل ما يقوم به بعض المتعاونين الذين يعملون جاهدين لتبرير بعض أوجه التكنولوجيا وطرق العمل أو التفكير في دول تختلف ثقافتها كثيرا عن ثقافتهم الخاصة).

إن التعددية الثقافية إذن إما أن تكون:

ـ تعددية داخل دولة تشمل عددا من الاثنيات والمناطق حسب تاريخها.

ـ تعددية قائمة إلى جانب، أو مع وجود، ثقافة راجحة وما قد ينتج عن ذلك من مشاكل ذات الارتباط بالأقليات الثقافية.

ـ تعددية ثقافية مفروضة نتيجة لظروف سياسية خاصة: هجرة جماعية مثلا.

ـ تعددية ثقافية نتيجة لأوضاع سياسية معينة: لاجئون سياسيون مثلا.

ـ تعددية ثقافية ناتجة عن متطلبات اقتصادية (حالة اليد العاملة المهاجرة من أجل كسب لقمة العيش بدولة أخرى).

ـ تعددية ثقافية نتيجة لاختيار شخصي (سياحة مثلا أو استقرار في مناطق جديدة)

ـ تعددية ثقافية في وطن أصلي، مع وجود أقلية قوية جدا، مثل ما هو الأمر بالنسبة للإسلام بفرنسا، حيث أصبح بمثابة الدين الثاني بهذا البلد.

وهكذا يمكن أن نستمر في سرد أوجه الفرق بين الواقع الحقيقي والواقع المؤسساتي، انطلاقا من حالات عدة دول كفرنسا والولايات المتحدة وانجلترا التي تعتبر دولا متعددة الاثنيات إلى أبعد حد، وذلك على مستوى التركيبات السكانية، وليس على مستوى التحديدات المؤسساتية (مثال: الشعب الفرنسي).

ومن البديهي ألا يأتي تحليل مختلف الأوضاع، ومختلف الحلول المتبعة لمعالجة الصعوبات والصراعات الناتجة عن التعددية الثقافية، على نفس النمط والشكل وفي جميع الحالات، لأن حالة التعددية الثقافية الباسكية بإسبانيا على سبيل المثال، لا تحمل نفس العناصر التي تتميز بها التعددية الثقافية الكاطالانية الإسبانية كما أن التعددية الثقافية البروطونية Bretonne الفرنسية لا تتميز بنفس الحدة والعدوانية التي اتسمت بها التعددية الثقافية اليوغسلافية (بين المسيحيين والمسلمين).

أما النوع الثالث من الصعوبات، فيتعلق بتشعب المميزات المحددة الخاصة بكل ثقافة على حدة. فنحن وبصفة مستمرة، عندما نتحدث عن ثقافة ما، إنما نعني في غالب الأحيان، لغتنا، وبعضا من تقاليدها (كاللباس والمطبخ والتغذية..)، غير أننا كثيرا ما ننسى بأن (الثقافة) هي نتيجة لسيرورة تاريخية مديدة ظلت تنسج فيما بين الأفراد والبيئة المحيطة بهم (الجغرافية والاجتماعية والتقنية والاقتصادية)، مجموعة من الروابط الكاملة والمهيكلة التي تتولى تحديد الصورة العامة لتلك الثقافة. كما أنه لكل ثقافة جذورها الممتدة في الماضي. ولكل ثقافة حيويتها الخاصة بها، ومشاريعها المستقبلية وعلاقاتها مع المحيط وأيضا مع الأفراد الآخرين… والآخرين والواقع أن أي ثقافة لا يمكن أن توجد إلا عبر/ ومن خلال أوجه التعبير والإعلان عنها من لدن الأفراد، الذين عن وعي أو بغير وعي، يعيشون تلك الثقافة وينمونها ويعربون عنها، من خلال سلوكاتهم ومواقفهم سواء كانت فردية أو جماعية. وفي هذا الصدد غالبا ما نجد الفنانين والمبدعين يتولون القيام بدور المعبرين عن مستقبل تلك الثقافة من خلال ما ينتجونه عبر أعمالهم المتنوعة (الأدبية والتشكيلية والموسيقية والسينمائية) بحيث يرسمون الخطوط الكبرى للواقعية المستقبلية التي تعكس الخصائص الجديدة التي من المتوقع أن تتميز بها تلك الثقافة. بعبارة أخرى أننا من خلال طرح الصعوبات والمآزق، ننتقل بسرعة من الاهتمام بموضوع الثقافات إلى المشاكل السياسة المرتبطة به (باعتبار أن العامل السياسي يمثل أحد العوامل الأساس في كل ثقافة ثقافة)، كما أن الأمثلة عن الواقع الحالي لن تعوزنا قصد إدراجها بهذه المناسبة، وانطلاقا مما يعرفه العالم حولنا، من مظاهر تتعلق بعودة الروح إلى الوطنيات التي تتمحور حول ثقافات ذات جذور دينية أو تاريخية أو إثنية، ولا يخفى علينا للأسف كيف أن بعض الأحزاب السياسية تعتمد في تقبل التعامل مع المنتمين إلى الثقافات الأخرى المغايرة، أو رفض التعامل معهم، على عامل الاختلاف الثقافي وتستخدمه بالتالي كأحد المحاور الأساسية في برامجها السياسية، ومن هنا فلن نتعرض نحن لهذا الجانب من المسألة.

الواقع والقوالب الجاهزة:

عند الحديث عن ثقافة ما، كثيرا ما نقوم، وبشكل تلقائي، باستحضار بعض الخصائص التي نلاحظها لدى بعض الأفراد المعدودين، بحيث جرت العادة، بتعميم تلك الخصائص في قوالب جاهزة من قبيل ما يلي:

ـ اليهودي هو..

ـ العربي هو..

ـ الفرنسي.. الانجليزي..

بحيث يبدو كأن الإسلام مثلا ينحصر فقط في تلك الخاصية الوحيدة (الخاطئة بطبيعة الحال).

الوضعية الراهنة مع بعض التعاليق والأرقام:

لقد وجدت التعددية الثقافية على الدوام بالمدرسة وفي هذا الصدد نذكر بحالة المدرسة الفرنسية في إبان الجمهورية الثالثة، كما نشير أيضا إلى الأعمال الجارية حاليا من أجل إثبات أن الثقافة المدرسية الأكاديمية كانت، من قبل، تختلف عن الثقافة الأسرية، رغم أن مفهوم الثقافة لم يكن قد أخذ بعد مكانته في الفكر المعاصر.

وعلى كل حال فإن بعض "التعدديات الثقافية" تعرف بكونها مسالمة، وبعضها الآخر ينزع نحو الصراع وكل ذلك باختلاف الأماكن والأزمان.

ولقد كان هناك دوما أجانب هنا وهناك وفي مختلف الدول، وندرج هنا مثالا من سويسرا قبل عشرين سنة:

 

 

 

 

الدولة الأصلية أو مجموعة الدول الأصلية

العدد

%

فرنسا

2167

14

اسبانيا، إيطاليا، البرتغال

8283

54

باقي دول أوروبا الغربية

2367

15

أمريكا الشمالية

793

5

أوروبا الشرقية

278

2

إفريقيا الشمالية

241

2

باقي دول إفريقيا

232

1

أمريكا الوسطى والجنوبية

363

2

آسيا

434

3

أوسيانيا

76

-

بدون جنسية

15

-

المجموع

15612

100

توزيع الأطفال بين 6 و14 سنة حسب مختلف الجنسيات (جنيف) 31/12/1979(*)

إن الوضعية الراهنة، المرتطبة بالتبادل، والتنقل والبحث عن اليد العاملة، والبحث عن سبل العيش، قد جعلت أوجه التبادل تتنوع وتتعدد، مبرزة إذن مشكلا جديدا لاسيما على مستوى المدرسة أي المؤسسة المدرسية التي سنتحدث عنها فيما بعد. مع العلم أن هناك أحداثا، غير بعيدة تاريخيا، قد أدت إلى تزايد النشاط على مستوى الحركات السكانية:

ـ من الجنوب إلى الشمال.

ـ من الشرق إلى الغرب.

ـ الأحداث السياسية والحروب مثل ما هو الأمر بالنسبة لإيطاليا وألبانيا.

ـ بروز وضعية ديمغرافية حديثة مثل ما هو الأمر بكندا، ومسألة ال 53 لغة مختلفة و المستعملة بمونتريال.

القسم الثاني: الأبعاد السايكولوجية.

"إن شخصية كل فرد منا تأتي حصيلة لتأثير الثقافات المحيطة"

الأبعاد السايكولوجية لمفهوم (ثقافة): يمكن حصر هذه الأبعاد انطلاقا من الفكرة الأساسية التي تفيد بأن تطور مفهوم (ثقافة) يأتي نتيجة لتأثير ثلاثة عوامل كبرى:

ـ المعطيات الوراثية والبيولوجية الشخصية؛

ـ معطيات الوسط المحيط؛

ـ تجارب الشخص داخل الوسط المحيط.

وعلاوة على هذا فإن النمو السايكولوجي وتكون الشخصية، يمكن أن يعتبرا بمثابة حاصل ينتج عن نوع من التوازن، يتميز بكونه، دينامي وجدلي في نفس الوقت، بحيث يجمع بين كل تلك العوالم الثلاثة طيلة الحياة، وهي عوامل لا تكتسي التأثير تبعا للفترات الزمنية. ونشير هنا على سبيل المثال إلى فترة المراهقة حيث أن العوامل البيولوجية (بداية عمل الغدد الجنسية)، والعوامل الاجتماعية ثم التجارب الشخصية لا تؤدي إلى اكتساب نفس التوازن _الدينامي والجدلي) إلا بحلول سن 8-10 أعوام حيث يبدو أن معطيات الوسط المحيط (والتربية خصوصا)، ثم التجارب الشخصية حول الوسط المحيط وداخله تكتسي أهمية كبرى أكثر مما تكتسيه العوامل البيولوجية.

ويمكن أن نميز، والحالة هذه، بين عديد من الفترات المتعلقة بـ:

ـ الدراسات حول علم النفس القياسي (جيشتل وبياجي)

ـ "التحليلية النفسية" وتدور كما هو معلوم، حول الأنا والأنا الأعلى والهو.

ـ الاهتمام بدور الوسط المحيط (البيئة)، وظروف العيش (والون Wallon) وفي جميع الحالات فالبيئة تمثل كل ما هو مادي وجغرافي وبشري واجتماعي.

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الإطار، أن عصرنا الحديث يضيف، ويعطي، مفهوما جديدا للـ(الثقافة)، هو موضوع حديثنا في الفقرات الموالية، وهو مفهوم يثري تصورنا عن نمو الطفل ونمو الشخصية، كما يتيح لنا إمكانات أحسن للتعمق أكثر في إدراك المشاكل المرتبطة بتعددية الثقافات، أي بالمشاكل التي سنواجهها طيلة ما تبقى من عرضنا هذا.

المفهوم الحديث للثقافة:

علاوة على ما تقدم، ومن خلال مواكبتنا لتطور مفهوم الثقافة نجد ما يلي:

فقديما كانت الثقافة تعني كل ما هو قابل للتنمية لدى الفرد، كما تعني الثقافة العامة والثقافة الإنسية Humaniste. وهذا الحصر الضيق كان يمثل صعوبة في إدماج الثقافة العلمية مثلا ضمن هذا المفهوم، باعتبار أن هذا الأخير قد ظل محصورا على الخصوص في العلوم الإنسانية الكلاسيكية بحيث ظل أقرب إلى مجالات تكوين الفكر وتحويله في علاقاته مع الأعمال الإنسانية الكبرى لا سيما منها الأدبية والفنية. والثقافة من هذا المنظور ذات طابع شخصي بالأساس وهي كما قال هيريوت Herriot: "ما يتبقى لنا عندما ننسى كل شيء" ومن هنا فهي تعني "الصورة" التي يتشكل عليها الفكر.

أما التيارات الحديثة في الانتروبولوجية، ثم لدى المدرسة الثقافوية الأمريكية Culturaliste(*) (روث Ruth وبينيديكت Benidict وأبرام كاردينير Kardiner..) قد أعطت مدلولا جديدا لمفهوم "ثقافة". ويعني هذا المفهوم، بإيجاز أن الأمر يكمن في الفرق بين (الطبيعة) وبين (الثقافة)، بحيث تعتبر ذلك الفرق جوهريا في المسألة، لأنه إذا كان الحيوان يعيش في حضن الطبيعة، فإن الإنسان، بالمقابل يعيش في حضن الثقافة وفي حضن الطبيعة.

إن للطبيعة قوانينها الخاصة، وهي تعني (الطبيعة) كل ما هو طيب. وشيئا فشيئا تتعرض للتحول بتدخل من الإنسان (التلوث مثلا، ثم الثقافات..)

ولقد قامت المجتمعات بإضافة عدة مستجدات إلى الطبيعة، عبر سيرورة تحولها من الحالة الحيوانية إلى الحالة البشرية، وما طرأ من جراء ذلك من تنظيم اجتماعي (الذي نلمسه أيضا لدى عديد من التجمعات الحيوانية). ثم ظهور اللغة والمؤسسات، ونظم القيم (المتبعة من لدن أفراد المجتمع الواحد)، والتاريخ، ثم مفهوم الزمان (الماضي والحاضر والمستقبل) حيث نجد أن الماضي يرتبط بدفن الموتى والأماكن المقدسة والأجداد والأسلاف، والمستقبل يرتبط بمواسيم الزرع، بينما يرتبط الحاضر بالفن التصويري، وكل هذا يترجم عبر عملية تشكل ملموسة تتم من خلال أدوات وتجهيزات مادية (أكواخ ومساكن)، وعبر وسائل للوقاية (جلود الحيوانات مثلا، اللباس)، وكل أشكال البناء والتشييد مهما كانت بسيطة. هذا علاوة على شبكة كاملة وخفية من العلاقات والسلوكات المفروضة لاشعوريا على الأفراد من لدن المجتمع ما دامت الحياة قائمة على الأرض.

ومما تجدر الإشارة إليه أيضا في هذا الإطار، أن الثقافة تنتج، في نفس الوقت، من خلال تطور تاريخي تتولى الجماعات إبداعه في عموميته، كما أن الثقافة تنتج أيضا عن النشاط الإبداعي المتوالي، الذي يقوم به كل فرد على حدة وذلك من خلال ابتكاراته المرتبطة بطرق العيش وأنماط السلوك.

غير أن علينا أن نتوغل أبعد من هذا في تحليلنا لمسألة الثقافة، إذ أننا لم نتجاوز إلى حد الآن ما هو جمعي (Macro) وعام (Global)، يعني الجانب الشمولي. وبالفعل فداخل أي جماعة معينة نجد أن "ثقافة" المجموعة تتجلى وتعبر عن نفسها عبر عدد من أنماط (الثقافات التحتية sub-culture) الخاصة بكل جماعة على حدة، أو على الأخص بكل جماعة أسرية والجماعات التحتية، ومن هنا فإن ثقافة المزارعين والفلاحين ليست متطابقة مع ثقافة الصناع والحرفيين أو العمال الصناعيين.

وبالعودة إلى المفهوم الذي أدرجناه حول النمو السايكولوجي للطفل، يمكننا أن نطبق على الرسم البياني، الذي سرنا على هديه، أحد العوامل الذي لا يمكن تجاهله هنا، وهو عامل يرتبط بكون الطفل يعيش داخل ثقافة، هي الثقافة الخاصة بأسرته، كما أن كل ما من شأنه أن يرتبط (بالثقافة) فمنذ بداية الحياة، تبدأ ثقافة الأسرة والبيئة المحيطة بالتدخل في نمو الفرد، وبالتالي في تكوين شخصيته وكذا بالتدخل في المكونات الخاصة بعقليته، وكل ذلك تبعا لسيرورة النمو لديه، مما يدل على أن الفرد يندمج داخل المجموعات المختلفة (الأسرة والمدرسة والمجموعة المهنية والطبقة الاجتماعية..)، بحيث إنه يحس بتأثير الثقافات التحتية لهذه المجموعات الفرعي sous-groupes وهكذا إذن تتشكل المظاهر البارزة الخاصة بشخصية الفرد.

لقد سبق لعلماء النفس أن بينوا بأن تأثير الثقافة الأصلية يكون على قدر كبير من الأهمية، إلى درجة أنه يرتبط بكل الأبعاد المتعلقة بالشخصية، بما فيها تلك الأبعاد التي تبدو أنها الأقرب إلى الموضوعية، مثل البعد الإدراكي (كاميليري Kamilleri).

والظاهر أن السايكولوجيين، لا يتفقون، بالفعل في النظر إلى هذا القطاع من الظواهر، بنفس الطريقة، لنأخذ مثلا على ذلك الأنشطة الإدراكية، فإدراك الثلوج مثلا من لدن الهنود الحمر، سكان الشمال، يجعلهم يعبرون عن تلك الثلوج من خلال خمس صيغ أو ست، بالمقارنة مع إحدى الفتيات الصغيرات في أوروبا،التي قد تكتفي بلفظة واحدة هي (الثلج). ولدينا عدة أمثلة حول التمييز مثلا بين اللون الغامق والفاتح، وحول خداع الحواس في مجال البصريات الهندسية، وندرج فيما يلي بعض الأمثلة:

ـ الدلالات والانفعالات والتعابير المرتبطة بها: وندرج هنا مثالا عن النظر المباشر في العينين، حسب المجتمعات، فالنظرة المباشرة التي تعني "العين في العين" مستقبحة لدى الأفارقة خصوصا عندما يتعلق الأمر بالنظرة المباشرة في عيني الرئيس في العمل.

ـ أنماط التفكير: مثل الحدس القياسي analogique في الفكر الصيني، والمنهج العقلاني لدى الأوروبيين.

إذن فعندما (نتدخل) في ثقافة شخص ما انطلاقا من المفهوم الذي سبق أن حددناه للثقافة، فهذا يعني (ملامسة) شخصيته في أعمق أعماقها، أو كما يقول رجال التحليل النفسي: إننا نحمل في أعماق لاشعورنا، ثقافتنا الأصلية منذ بداية تكونها عبر التاريخ، ومن هنا يمكن فهم ردود الفعل العنيفة أحيانا، التي قد يبديها شخص ما، اعتقادا منه بأن هويته قد (كانت موضوعا للتعريض بها) وذلك عندما يجري الحديث سلبيا عن ثقافته.

ـ الصراع الباطني للثقافات لدى الأفراد:

ويمثل هذا الصراع بالفعل أحد أهم المشاكل الراهنة التي تواجهها نظمنا التعليمية نحن خلال رغبتنا في الإسهام في النشاط الفكري والأخلاقي العالمي، دون أن نخسر شيئا (أو بأقل خسارة ممكنة) من تراثنا الثقافي الوطني من خلال رغبتنا تلك، يبدو أن الهدف المسطر للتربية يرمي إلى تكوين الفرد بصفته في نفس الوقت كائنا ذا شخصية مستقلة، وكائنا اجتماعيا. كما يرمي إلى إدماج الفرد داخل (ثقافة) دون أن يعني ذلك طبعا حرمانه من خصوصياته أو حرمانه من قدراته الفردية. ومما لا جدال فيه أن عصرنا الحديث يعيش تضخما في الغايات التربوية Finalités العامة، غير أن المقصود طبعا يبقى مرتبطا بتنمية الفرد بكامل مؤهلاته المحتملة، بهدف إدماجه داخل المجتمع الذي يبني عليه بعض الآمال.

بل وأيضا من أجل تهيء الفرد حتى يكون مستعدا للدخول في الآفاق الاجتماعية العالمية التي تعرف توسعا مضطردا وتفتحا مستمرا، وهذا يعني أن نجعل من ذلك الفرد عضوا قادرا على التفتح على الثقافات الأخرى المغايرة لثقافته، مما يفترض والحالة هذه، قيام بيداغوجية حديثه تكون مبنية على الانفتاح، كما تعمل على تزويد الشخص بأكبر عدد من الأشياء العامة المشتركة، دون أن تقتلعه، مع ذلك من ثقافته الخاصة. إذن يغدو من الضروري أن نجد الطريقة الفعالة (بالمفهوم التربوي) التي ننطلق فيها من كل الثقافات الموجودة، دون أن نحرم أي واحدة من تلك الثقافات من حقها في الوجود، وبالتالي دون أن نبخسها حقها في الوصول إلى جذع مشترك من القيم التي تستطيع إدماج كل الثقافات الوطنية دون إفقارها أو تشويهها. إلا أن هذه الثقافة الجديدة يجب ألا تكون مجرد انعكاس باهت لما هو مشترك بين جميع الثقافات الأخرى، مما يحتم علينا بذل مجهود للتخيل والإبداع، يشارك فيه بالضرورة، كل المربيين وفلاسفة التربية.

فعلا لقد ألفنا أن نتحدث عن تعددية الثقافة عندما يتعلق الأمر بالجماعات والمجموعات الصغرى غير أن كل فرد على حدة، وكما قمنا بتبيانه، يحمل في دواخله ثقافته الخاصة، ويبقى المشكل البيداغوجي في هذه الحالة، مرتبط بتحديد الطريقة التي على رجل التربية أن يلجأ إليها ليتدبر مسألة التعددية الثقافية لدى تلاميذه، انطلاقا من ثقافته الخاصة هو في حد ذاته. إنها كما يبدو قضية لم تكن مطروحة بالأمس على المستوى التربوي، وها هي اليوم تفرض نفسها علينا بإلحاح، باعتبار أن هذه الظاهرة المتعلقة بالتعددية قد اكتسبت حجما أكبر، تبعا للتحولات والوقائع الاجتماعية الحديثة التي أبرزناها قبل قليل.

إذن إن المشكل الذي نواجهه في هذا الصدد ذو طبيعة مزدوجة، يرتبط أولا بالكيفية التي ندخل من خلالها، في عملية تواصل مع الأفراد المنتمين إلى الثقافات الأخرى المغايرة لثقافتنا. وهذا المشكل مما لا شك فيه، يمثل حجر الزاوية في ربط العلاقات الإنسانية ما دامت ثقافاتنا بصفة عامة بما فيها التحتية والأسرية والشخصية تختلف اختلافا كبيرا عن بعضها البعض، بحيث يمكن اعتبارها بمثابة أصل المشاكل في الميدان التربوي، مادامت التربية في حد ذاتها ظاهرة تواصلية قبل كل شيء. كما ترتبط ثانيا بالمجال المفتوح أمامنا لاتخاذ المبادرة للعمل على تحويل المعطيات الأساسية لـ (ثقافة) (ثقافات فرد ما؟). بعبارة أخرى هل يوجد حل تربوي لتجاوز التعددية الثقافية، التي هي وكما تأكدنا من ذلك واقع إنساني له طابع مدرسي.

وهل من الممكن ثالثا، الملاءمة والتوفيق بين جميع الثقافات الشخصية، ثم السير، انطلاقا من ذلك وبفضل التربية، نحو ثقافة واحدة؟ إذا كان الجواب بالإيجاب، فنحو أي ثقافة نتوجه؟ ولا يخفى عليكم طبعا الخصائص ثم المخاطر الكامنة خلف هذه الأحادية الثقافية المدرسية.

وهذا ما يتطلب منا تحليل سيرورات التواصل من أجل أن نفهم جيدا الصعوبات. وفي نفس الوقت، الإمكانيات المتاحة، وكذا الحدود التربوية المتوفرة، وذلك انطلاقا من أخذنا بعين الاعتبار لمجموع هذه العوامل "الثقافية".

مشاكل التواصل: تحليل المخطط البياني:

ـ فيما يتعلق بالرموز، نشير إلى أنه لا يكفي فقط حفظها عن ظهر قلب (حالة اللغة مثلا)

ـ أما المعاني المختلفة التي تحملها هذه الرموز:

*بالنظر إلى موضوع الشخصية،

*بالنظر إلى التجارب الشخصية،

*بالنظر إلى الثقافة الراجحة: (مثال: ليس من اللائق النظر مباشرة

في عينين الرئيس).

الإدراك

مصادر الخطابات الترميز البث الإرسال التلقي حل الرموز و

التأويل

1 2 3 4 5 6

ملاحظات موجزة حول بعض الفقرات من هذه الخطاطة:

1 ـ إن مصادر الخطابات (الرسائل) متعددة بشكل كبير: تأتي من أوساط: مادية وجغرافية… وبيئية، ثم من أوساط اجتماعية (الأسرة وأوساط اجتماعية مقربة…) أما التعبير عن مختلف المواضيع البيئية فيتم بطرق إيمائية، ومواقف عامة، ومن خلال لغة الحديث اليومي.

ـ بالفعل إن كل الأبعاد المتعلقة بالثقافة الراجحة تبعث بخطابات كل حسب طريقتها الخاصة.

2 ـ إن كل الرسائل أو الخطابات، والتي يتم إرسالها، تخضع للترميز إما بطريقة عادية (حالة الإدراك مثلا وهو مثال يبقى قابلا للنقاش) وإما عن طريق الثقافة (مثلا الدلالات المتعلقة بالإيماءات والحركات في الثقافات المختلفة)، وإما عن طريق اللغة.

وتجدر الإشارة إلى أن بعضا من هذه الرموز Codes تكتسب وفق نمطية الارتكاس الشرطي، بينما بعضها الآخر يتوقف اكتسابها (كاللغة مثلا) على التمرن والتدريب.

3 ـ إن الفرد وهو منغمس كلية وسط كل تلك المحفزات الموجهة إليه، يتقبل شعوريا أو لا شعوريا) بعضا منها ويرفض أخرى وإذا أردنا أن نعلق على هذا الأمر نقول إننا نجد هنا مشاكل ذات علاقة بالحوافز (الحوافز المدرسية مثلا).

4 ـ من أجل الرموز في الرسائل أو الخطابات المتوصل بها، يجب الاطلاع على طريقة الترميز، وإلا فإن التواصل يتعرض للانقطاع، أو أن عملية التواصل لن تتم على الوجه الأكمل، وهذا ما يمثل المشكل الأساس المرتبط بالتمرن على لغة التواصل بهدف اكتسابها، بل إنه يمثل أيضا المشكل المرتبط بالتمرن على المواقف الإيمائية، أي على الرموز ما بعد اللغوية Paralinguistique أو اللغوية الخاصة.

5 ـ يؤدي الحل الأصوب للرموز إلى مستوى أعلى للإدراك (الأرض كروية الشكل).

6 ـ إن حل الرموز الذي يؤدي إلى فهم جيد، يصاحب عادة بنوع من (التأويل) للخطاب الذي فكت رموزه وفهم مضمونه ومن هنا ندرك الأهمية الكبرى والحضور الراسخ للثقافة الراجحة المسيطرة.

ومع ذلك، قد يحدث لدى البعض عدم الفهم والإدراك، رغما من امتلاك الرمز المشترك، كما قد نجد انعدام التفاهم لدى بعض الناس، حتى وإن كانوا يمتلكون نفس الرمز.

القسم الثالث: مظاهر "البحث العلمي"

البحوث العلمية في هذا الميدان:

ليس في نيتنا هنا رسم نظرة عامة على البحوث العلمية التي أجريت في مجال التعددية الثقافية، ويمكن أن يتصور القارئ مدى الصعوبة فيما يخص هذه النقطة. وسنقتصر هنا على الإشارة إلى بعض رؤوس الأقلام والخلاصات من قبيل ما كتب باييت Payet وفان زانتن Van Zanten(3)، وستكتفي بإبداء بعض الملاحظات حول المشاكل العلمية ذات الارتباط الخاص بموضوع التعددية الثقافية.

تفتح تصور التعددية الثقافية المجال، وكما رأينا، لإثارة نقاشات مطولة، سواء على المستوى الفلسفي أو على المستوى السياسي. لكن كيف يمكننا ملامسة المشكل على المستوى العلمي؟ وإذا كان كل الكتاب يشيرون إلى وفرة النصوص ذات الارتباط بالموضوع (مواقف وبرامج سياسية، تصريحات بالمبادئ، تقارير حول بعض التجارب والتطبيقات التربوية) فإننا نلمس، رغم ذلك فقرا نسبيا في الأبحاث العلمية، خصوصا من زاوية المفهوم العلمي الذي نخصصه لهذا الموضوع، بحيث تتجلى بوضوح صعوبة الفصل بين النصوص ذات المرجعية السياسية، وبين الأعمال أو الدراسات العلمية الحقة، حتى ولو ظل الفصل في نطاق الممكن في هذا المجال.

ويبدو من البديهي، منذ البداية، أن على الباحث أن يأخذ حذره عند مباشرة دراساته لهذا الموضوع، بحيث ينطلق من التعريفات والأوضاع الواضحة، ومن خلال الاعتماد على معايير أكثر دقة للتعريف بالقضايا ووصفها(4). ومن جهة أخرى إن المشكل، مثله في ذلك مثل سائر المشاكل العلمية، لا يمكن أن تجري ملامسته أبدا في شموليته وفي مجموعه وعلى تماميته sa globalité بالنظر إلى أن عدد المتغيرات يكون على درجة كبرى من التوسع إلى درجة أن حواسبنا، ومهما بلغت من القدرة، لا بد وأن تلزمنا بعزل قسط منها (المتغيرات) بهدف تحليله على حدة. ويبقى المشكل التكميلي عندئذ هو كيفية القيام بربط القسط المعزول سابقا بالأقساط الأخرى؟ أي أن هذا المجال، مثل ما هو الأمر بالنسبة لغالبية المجالات العلمية، يتطلب دوما أن نقوم بتأويل المعلومات الرقمية بالخصوص، على ضوء الوضعية العامة(5) بحيث يصبح الاختلاف في العدد وفي الكمية متطابقا مع الاختلاف في النوعية والصفة، وهذا ما يترتب عليه وجوب اتخاذ الاحتياطات المنهجية الابستملوجية من لدن الباحثين، إن الصعوبات والحالة هذه تكمن في كون اللوحة الاجتماعية هي لوحة متحركة، مما يجعل عقد المقارنة بين الأجيال صعبا جدا.

لقد جرت العادة عند الحديث عن التعددية الثقافية أن نقارنها بأبسط التصورات الخاصة بالطفل المهاجر، لكن وهنا أيضا يجب التنبيه إلى أن مفهوم "مهاجر") ينبغي ألا يخفي علينا التباين الداخلي الذي لا بد وأن يوجد بين مجموع الأطفال المهاجرين.

كما نشير بهذا الصدد، إلى إحدى الدراسات الدقيقة التي توصلت إلى الكشف عن عدد من القوالب الجاهزة المستعملة عادة (كالتلميذ الآسيوي الجيد) وإذا كنا نأخذ بعين الاعتبار مختلف الدول التي وفد منها الأطفال المهاجرين، وكذا السنوات التي جاء فيها أولئك التلاميذ إلى فرنسا، فإنه يبقى على الباحث أيضا أن يدخل في اعتباره مختلف تيارات الهجرة تبعا للفترات التاريخية، مع أنه من البديهي ألا تكون حركات الهجرة التي تلت سقوط جدار برلين مثلا، قابلة للمقارنة مع حركات الهجرة التي جاءت مثلا نتيجة للحروب، أو نتيجة لما كان يعرف سابقا بيوغوسلافيا، لا سيما وأن حوافز الشعوب لا تأتي دوما على نفس الشكل، أو بعبارة أخرى إن علاقة تلك الشعوب مع الثقافة الأصلية لن تبقى هي هي بمجرد ما توضع الرحال بالدول المستقبلة، ولن تبقى على نفس الشكل تبعا لمختلف الوضعيات والحالات.

إذن ومن خلال تطبيق هذه الاحتياطات فإن التحليل العلمي للأوضاع الخاصة "بالتعددية الثقافية"، يمكن أن يستعمل جميع المناهج والتقنيات المعروفة في العلوم الإنسانية(6).

1 ـ المناهج المتبعة، وهي:

ـ المقابلات من النوع الاثنو/منهجي التي تستعمل عادة جميع أنواع الملاحظة، المباشرة منها أو التي تكون في شكل وثائق تسجيلية.

ـ جميع مناهج المقابلات والتحقيقات؛

(من أجل توضيح هذا النوع من المناهج واستعمالاتها، انظر أعمال أنا فاسكيز Anna Vasquez وبريطو Brito: دراسة نسقية للعلاقة بين الندين (Pairs) داخل المدرسة، حيث أن المعروف عن الندين أن علاقتهما تكون متناغمة في غالب الأحيان).

ـ جميع أشكال التحليلات الإحصائية (انظر: المثال الإحصائي أسفله).

2 ـ من البديهي في هذا الميدان التربوي، أن تكون الأسئلة المطروحة، أو التي نطرحها على الباحثين، متعلقة بالتدريس، وكذا بمقارنة مسار التدريس، لدى الأطفال أبناء البلد الأصليين والأطفال المهاجرين، ثم التأثيرات التي قد تبرز من جراء وجود أطفال ينتمون إلى ثقافات مغايرة، بحيث إن الإجابة عن هذه الأسئلة تحتم علينا العمل على القيام بتحليل المتغيرات ذات الصلة الوثيقة بالموضوع أي المتغيرات التي تدخل في صلب الموضوع، والتي على التحليل أن يأخذها بعين الاعتبار.

3 ـ مثال عن بحث أجري بفرنسا حول والتحصيل المدرسي للأطفال الوافدين من بلدان أجنبية مع تأويل لنتائج البحث: اختيار مبني على معطيات فرنسية.

ـ تعريف دقيق للمشكل المراد دراسته: "نعني بلفظة تحصيل مدرسي للأقليات الوافدة عن طريق الهجرة، تلك السيرورة التي يتم عبرها، ومن خلال تدرج التمدرس فيها، ذلك التعلم الذي يقطعه الأطفال، المنتمين إلى الأقليات المهاجرة، وما يطرأ عليه من تحسن وتقارب مع المسارات المدرسية التي يستطيع التلاميذ الآخرون تحقيقا في المتوسط".

وهذا ما يدفعنا إلى القول بلزوم تحديد ماهية الاختلافات التي تكمن بين مجموعة الأطفال المهاجرين، ومجموعة الأطفال الآخرين، وذلك طبعا على صعيد مسارهم الدراسي: بما في ذلك النتائج الدراسية والمجالات المفتوحة للتوجيه نحو مختلف المستويات التعليمية، ثم التكرار.

ومن جهة أخرى، يلزم أيضا محاولة تمييز كل تلميذ على حدة، على ضوء عدد من المتغيرات ومن جملتها المتغيرات التي تتصف بقدر من الثبات (متغيرات مستقلة)، وذلك بهدف دراسة درجات الاختلاف في المتغيرات الملحقة بغيرها (تابعة): وهذا يعني دراسة الفوارق بين المجموعات.

ـ أما عن المعايير المتبعة في التحديد، فقد اختار الدارسون منها ثمانية معايير ترتبط كلها، من وجهة نظر إحصائية، بهجرة الطفل أو والديه. وفي هذا الإطار، سنقوم فيما بعد، باستعمال التعبير التالي: (الانتماء إلى المجموعة السكانية الأجنبية والانتماء إلى مجموعة المهاجرين). وهذه المعايير هي كما يلي:

*جنسية التلميذ (فرنسي أو أجنبي).

*جنسية التلميذ انطلاقا من سبعة مناطق أو انطلاقا من مجموعة من الدول

المختلفة.

*مسقط رأس التلميذ.

*عدد سنوات التمدرس خارج فرنسا.

*أقدمية الوالدين بفرنسا.

*لغة الحديث بالبيت.

*الطبقة التي ينتمي إليها التلميذ، وهذا المتغير ذو الطابع التركيبي، جاء نتيجة

عملية تنسيق جمعنا فيها بين عناصر الجنسية ومسقط الرأس ثم اللغة.

*عدد المواصفات التي تتخذ صفة للأجنبي: لكي يعتبر فرد ما أجنبيا لا بد وأن تتوفر فيه إحدى الخصائص الخمس التالية: أن يكون المعني بالأمر من جنسية أجنبية، أن يكون قد ولد خارج دولة فرنسا (دون المستعمرات). أن يكون قد قضى على الأقل سنة دراسية خارج فرنسا، ألا يكون له قريب من الأسرة عاش حياته كلها بفرنسا، أن يكون له أقرباء يتحدثون بصفة مستمرة، لغة أخرى غير الفرنسية.

وتبقى الإشارة إلى أن من شأن التحليل الإحصائي أن يفتح المجال للقيام بتحليل جميع المعطيات المحصل عليها. أما العينة التي بين أيدينا في الجدول الموالي فتشمل 18657 تلميذا، وسنكتفي، بعرض نتيجتين فقط على سبيل المثال:

 

 

 

(18657 = N)

(18538 = N)

 

 

انعدام التكرار بالمدرسة

انعدام التكرار بالإعدادي واقتراحات التوجيه بالثانوي

جنسية التلميذ

قبل

فرنسي

أجنبي

3،76%

22.0-

5،48%

15.6-

 

يتحدثون لغة أخرى مع أبنائهم

لا

نعم

3،76%

13.0-

5،48%

10.4-

 

 

عدد المواصفات التي نصدر على ضوئها صفة أجنبي

لا أحد

1.

2.

3.

4.

8،76%

2.9-

10.2-

18.3-

29.7-

7،48%

3.7-

7.0-

15.2-

15.8-

 

 

 

جنسية التلميذ عبر سبعة (7) مناطق

فرنسي

مغاربي

أفريقي آخر

أوربا الجنوبية

آسيا الجنوبية الغربية

تركي

آخر

3،76%

25.1-

*24.0-

20.2-

*7.9-

31.4-

8.4-

3،48%

17.1-

*18.1-

17.1-

*9.6-

19.2-

0.6-

تعليق مختصر: يتجلى من خلال الجدول أن الفوارق في النسب المأوية تميل إلى التناقص، غير أن تحليلا نقديا إضافيا يبقى ضروريا لتقديم تأويل ملائم لهذه الاختلافات، ومع ذلك يمكننا أن نتحدث عن هذه المعطيات، التي سمحت لنا بالقيام بتحليل إحصائي معمق.

نتائج أخرى:

ـ بناء على عدد من البحوث المقارنة بين النتائج المدرسية للأطفال الفرنسيين، والأطفال الأجانب، توصلنا إلى الملاحظات التالية:

حصول تأخر ملموس لدى الأطفال الأجانب، بينما ظلت منافذ التوجيه محددة في الغالب، وفي انحصارها في التعليم القصير. غير أن هذه النتيجة الشمولية يمكن أن تتعرض لبعض الاختلافات الدقيقة على ضوء جنسية التلميذ، وكذا على ضوء المستوى السوسيو اقتصادي للأسرة التي ينتمي إليها.

مثلا: الفروق بين معدلات الانتقال إلى السنة الرابعة للتلاميذ الفرنسيين والتلاميذ الأجانب تتمثل في كوننا نجد 65.1% بالنسبة للفرنسيين(7) مقابل 51.7 لدى الأجانب (دراسة أجريت على 2500 تلميذ من أكاديمية ديجون بفرنسا).

ـ كما نلمس نفس النتائج، المتعلقة بالفوراق، في الخصائص الدراسية بين الذكور والإناث، حيث يكون السبق من حظ الإناث.

القسم الرابع: الأبعاد البيداغوجية

الحلول البيداغوجية: تحليل نقدي(8)

ملخص لتصوراتنا التربوية: من البديهي أن يعني التفكير في التعددية الثقافية في نفس الوقت طرح مجموع المشاكل التربوية على بساط البحث، ومن هذا المنطلق يصبح من الضروري أن نضع خطاطة بل ومنذ البداية أن نرسم لوحة عامة لتصوراتنا التربوية، حتى ولو أدى بنا الأمر، بطبيعة الحال، إلى تبيان كيف دفعنا تأملنا في التعددية الثقافية، إلى إجراء بعض التعديلات على هذه التصورات.

1 ـ لمحة موجزة عن تصورنا التربوي من خلال الذاتي.

ـ على التربية أن تستعين بتجربة الطفل، ثم في ضوء هذه التجربة، الانطلاق معه في بناء السيرورة التربوية.

ـ التربية تعني إعادة بناء المعرفة بشكل ذاتي.

ـ تعني التربية تكوين الشخصية تكوينا تاما على جميع المستويات المادية والفكرية والأخلاقية والعاطفية والاجتماعية والفنية.

ـ على التربية أن تضمن نوعا من الترابط الاجتماعي، من خلال تزويد جميع الأفراد بالحد الأدنى من التكوين المشترك، وهنا يكمن الدور التنشيئي للمدرسة.

بالفعل إن الأمر، وحسب هذه التصورات، يتعلق بإيجاد قدر من التوازن، فيما بين المتطلبات الاجتماعية، ومتطلبات النماء الشخصي لدى الفرد، وهذا التوازن ليس من السهل إيجاده دوما.

أما على صعيد المبادئ التربوية الكبرى:

ـ الأحادية الثقافية Monoculturalisme والاستيعابية (التمثلية) Assimilationnisme وهما تصوران يكونان معا زوجا ثنائيا، بل وعلينا أن نضيف إليهما مفهوم "الثقافة الشمولية" Universelle. وهذا ما كان يعكس الوضع الثقافي في القرن الماضي، حيث كان الاعتراف ينحصر في ثقافة الرجل الأبيض الأوروبي المتحضر، مما جعل الحلول التربوية المتبعة في الدول المستعمرة، في أواخر القرن الماضي، تتطلب اللجوء إلى استعمال "الثقافة الرسمية" بحيث كان الأطفال الأفارقة يتلقون مثلا درسا تحت عنوان: أجدادنا الغاليون !! Goulois). كما تجدر الإشارة هنا إلى ضرورة الاعتراف بالجميل للباحثين الانتروبولوجيين الذين توصلوا إلى إقناع العالم بوجود ثقافات أخرى غير الثقافات الأوروبية، من أمثال ليفي ستراوس ومارغريت ميد وما لينوفسكي،… لا سيما وأنه من الصعب في الوضعية الإنسانية الراهنة، تقبل الفكرة التي تدعى وجود ثقافة إنسانية وحيدة من النوع الكوني Universel، وبهذه المناسبة لا يفوتنا التنويه بالجهود المشكورة التي تقوم بها اليونسكو في هذا الإطار.

ولكن هذا يلزمنا الإشارة إلى بعض الانحرافات الممكن حدوثها رغم النوايا الحسنة، فوجود غرباء مهاجرين ببلد مستقبل ما، قد يدفع مثلا بالمسؤولين، ومن بينهم بعض رجال التربية، إلى اعتبار أنه من الواجب، ومن مصلحة التلاميذ، إدماج هؤلاء القادمين الجدد في المجتمع، الذي عليهم أن يتهيأوا للعيش فيه، مما يعني، وكما أشرنا إليه من قبل، الاكتفاء من بين جملة العوامل المخولة للمدرسة، بعامل واحد ينحصر في المهمة التنشيئية.

ونعتقد أنه لاداعي للإلحاح على هذا الموقف التربوي الملاحظ في الدول وفي الثقافات ذات الطابع السلطوي (حتى وإن كان الأمر لا يتعلق إلا بأحد أقصى حدود الرقعة السياسية).

- التعددية الثقافية: Le multiculturalisme : تبعا لـ: د.هـ. هنون: Hannoun "تنبني الدعوة إلى التعددية الثقافية عبر ذلك الموقف الذي يميز جماعة بشرية ما، والتي تؤكد من خلاله، على أن ثقافتها تختلف جوهريا، وبدون جدال، عن الثقافات الأخرى، مع العلم أنها (الجماعة) لا تدعي مع ذلك، بأن ثقافتها الخاصة تستوعب بالضرورة الثقافات الأخرى. أي أن المشهد الثقافي، والحالة هذه، يتشكل في لوحة فسيفسائية من الثقافات المتعددة وذات الحدود المرسومة بدقة صارمة، تجعل لكل ثقافة على حدة مجالها الخاص بها، أي أننا نجد في ذلك المشهد: الأنا Le Moi في مقابل الآخرين Les autres أو ثقافات الآخرين الممتزجة كلها في القالب الوحيد للغيرية Altérité".

إذن فالهدف الأساسي كما يتبين من هذا التعريف، هو الاحتفاظ ما أمكن بخصوصية الجماعة. أما العواقب المباشرة لهذا الموقف، فتتجلى في نزوع الجماعات إلى الانعزال من أجل الدفاع عن أصالاتها، مما قد يؤدي بالتبعية إلى تكوين (غيتوهات Ghettos) ثقافية لا تستفيد من الثقافات الأخرى، ولا تفيدها بأي شيء. والجدير بالذكر هنا، تلك الصعوبة المتعلقة بالتطبيق الكلي للتعددية الثقافية، الذي توحي به تلك الفكرة التي تقول "إن لكل الثقافات مميزاتها الخاصة، التي لا تقل أهمية عن المميزات التي تتحلى بها الثقافات الأخرى"، إذن، فهذه المشكلة تطرح علينا صعوبات عويصة عند وضعها على بساط البحث، لا سيما وأننا لا يمكن أن نحكم على أية ثقافة إلا من خلال ما ترسخ لدينا من اقتناعات ثقافية خاصة، وليس هناك في الأخير أي مقياس مطلق وشمولي لعقد المقارنة.

أما على المستوى المدرسي، فإن هذه الوضعية المتعلقة بالتعددية الثقافية تبرز في الواقع نسقين تربويين يوجدان معا في خطين متوازيين، ونعني بهما النسق التربوي الخاص بالمجتمع المستقبل الذي سيحاول فرض تصوره الثقافي الخاص، ثم النسق الخاص بالأقليات (لا سيما على مستوى التعليم الديني: كالتعليم الديني المسيحي بالنسبة للأطفال الفرنسيين، والتلمود بالنسبة للأطفال ذوي الأصل اليهودي، ثم القرآن بالنسبة للأطفال ذوي الأصل الإسلامي).

من هنا، نرى وجوب الانطلاق في دراسة الإجراءات المتخذة في بعض الدول لإيجاد الحلول لمشاكل الأطفال المهاجرين: إذ قد تكون تلك الحلول في فتح فصل دراسي خاص، أو في برمجة بعض الدروس للتكيف والتوافق، من شأنها أن تفتح المجال لقدر من الاندماج الأولي، اندماج قد يهيئ الظروف للعودة إلى النظام المدرسي العادي: (دروس لتلقين لغة المجتمع المستقبل على الخصوص).

وفي موازاة مع هذا قد نجد أيضا برمجة تعليم تكميلي ينصب على الاحتفاظ باللغة الأم لدى المهاجرين، كما يرتكز على أسس الثقافة الأصلية لدى هؤلاء وذلك بهدف تيسير عودتهم إلى وطنهم الأصلي عند الاقتضاء، والجدير بالذكر أن هذه الإجراءات البيداغوجية لا تأتي منفصلة عن المواقف السياسية للبلد المستقبل.

مجمل القول يمكن الإشارة إلى أن وراء ذلك التوحيد الممركز Centraliste في الموقف الاستيعابي، ينعكس نوع من التفكك في بنية المدرسة في إطار البحث عن أكبر قدر من التنوع (هانون، ص 76)

- التبادلية بين الثقافات Interculturalisme:

من البديهي أن يكون المنطلق للبحث عن حلول للمشاكل التربوية من منظور التبادلية الثقافية الديناميكية، غير أن هذا لن يتم دون أن تبرز إلى السطح عدة مشاكل صعبة كما أشارت إلى ذلك كاميليري Camilleri في مؤلفها (الانتروبولوجية الثقافية والتربية)، حيث قالت: "من البديهي أننا لا يمكن أن نقتصر في الميدان التربوي، على حالة واحدة من أوجه التعددية الثقافية، لما قد يتسبب فيه ذلك من انعزال كل منا داخل الغيتو Ghetto الثقافي الخاص به". ويبدو أن اللجوء إلى التبادلية الثقافية يمثل الحل الأنسب الملائم للعملية التربوية الإيجابية، غير أن أي تبادل للحديث أو النقاش حول مواضع كالثقافات المغايرة، والثقافة الخاصة وثقافة الآخر، لا يمكن أن يجري دون أن يكون سببا في إثارة نزعات عميقة وعاطفية، غالبا ما تتصف بالعدوانية والعنف، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، إلا أننا نعتقد جازمين أن على المربي أن يبدأ، من المدرسة، بتعويد التلاميذ على الاعتراف بالآخر وتقبله وتبادل العلاقات الطيبة معه، مع ما يندرج في ذلك من قبول ثقافة الآخر وعاداته في الحياة وطرق التفكير. فالحوار يجب أن ينطلق من المدرسة وأن ينعقد بين الأطفال من أجل بناء أسس الحوار اللاحق بين الكبار الراشدين، ولا ريب أن هذه المسألة مسألة تربوية ليست سهلة على الحل أو المعالجة، بل تتطلب التعمق فيها بقدر الإمكان.

وذلك ما سنسعى القيام به فيما يلي:

يمكننا في البدء، أن نتساءل عن طبيعة الشكل الثقافي الذي على المربي أن يوصل إليه تلاميذه؟ وكيف يمكن إعداد برنامجين ثقافيين جديدين، في حاله ما إذا كان هذا ممكنا؟

مهما يكن، فمما لا جدال فيه أن هذا الميدان يتطلب القيام بجهد كبير للتأمل والتفكير لأنه لا يمكننا الاكتفاء فقط بتناول ما هو مشترك بين جميع الثقافات من أجل أن نصنع من ذلك الحاصل رمزا للثقافة الأوروبية الجديدة.

فهذا الحد الأدنى الفسيفسائي، سيأتي دون شك، فقيرا جدا إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية المفاهيم Conceptuellement، كما أنه لا يمكننا أيضا أن نكتفي فقط بتجميع العوامل (الخصائص) الأصيلة والمتميزة في كل ثقافة على حده من أجل أن نكون من تلك العوامل مزيجا يشمل كل ما هو جيد، لأن هذا الخليط لن يستطيع أن يجمع إلا عددا قليلا من النقط المشتركة بين جميع الثقافات الأخرى، بحيث لن يكون إلا بمثابة باقة بدون عطر أو أريج، وعلاوة على ما سبق، لا يمكننا من جهة أخرى أن نقصي كل الأبعاد المتناقضة التي يمكن أن تجملها تلك الثقافات من قبيل المقاصد التربوية لدى الدول الغربية مثلا. وفي هذه الحالة لا يبعد أن نسقط في مغبة ما يسمى بثقافة الإقصاء. من الضروري إذن البحث عن النماذج الثقافية المقبولة من لدن الجميع، أو العمل على ابتكارها، بحيث نجعل منها نماذج قادرة على إدماج جميع ما في الثقافات المحلية من كنوز في جذع مشترك مقبول من لدن الجميع. وفي نفس السياق هناك مسألة التوازن الذي علينا إيجاده بين المقاصد Finalités العامة والشمولية، والمقاصد الخاصة بكل جماعة سكانية، وهكذا يصبح على كل نظام من الأنظمة المسطرة لتحديد المقاصد، أن يدخل في حسبانه الواقع التاريخي، والعوامل الجغرافية والاجتماعية، والسياسية والتقنية للبلد، وهو ما يكاد يكون من قبيل المستحيل. هذا وقد يطرح البعض نفس السؤال المطروح آنفا لكن بصيغة أخرى: كأن يقول مثلا هل سيكون من الممكن استحداث لغة جامعة شمولية؟ ألن تتولد هذه اللغة، من جهتها، عن سيرورة تاريخية طويلة المدى تأتي نتيجة لعقد عديد من اللقاءات والحوارات والمواجهات وبرامج للتعاون بين مختلف الثقافات؟

ومن هذا المنطلق لا يسعنا إلا العودة إلى التذكير بالأفكار التكميلية حول بيداغوجية التبادلية الثقافية التي أعربت عنها كاميليري/ "وراء هذه الحركة الثانية(المعارضة لما كان يعرف بتعدد الثقافات Polyculturalité) تكمن إحدى الإيديولوجيات، التي لا تدعو فقط إلى تراتبية الثقافات أو تدرجها، بل تتحدث إذن عنها باستعمال صيغ تدل على التنوع والاختلاف وليس على التفاوت، غير أنها، علاوة على ذلك، تثمن الاختلاف الثقافي، وتنظر إلى الاختلاف بين الثقافات باعتباره منبعا للإغناء والتفتح. وهذا ما يمثل المبرر الأول، لإطلاق اسم "التربية التثاقفية" حسب ما أشار إليه م.ريموند ألمين، ذلك لأن هذه التسمية "جاءت في محلها فعلا، لا سيما وهي توحي بأعمق ما في هذه التسمية من معنى من خلال صدر الكلمة (Inter) التي تحيل إلى التفاعلية Interaction والتبادل وتجاوز الحواجز والتعادلية والتضامن الموضوعي". كما أنها توحي، أيضا، من خلال إضفاء معناها العميق على مصطلح "ثقافة"، بالاعتراف بالقيم، وبأنماط العيش والتمثلات الرمزية التي تتخذها الكائنات البشرية مرجعيات لها في علاقاتها مع الآخرين وفي إدراكها للعالم من حولها، وبالاعتراف بأهمية كل تلك المرجعيات في اشتغالها وتنوعها، ثم أخيرا بالاعتراف بتلك العلاقات التفاعلية التي تتدخل في آن واحد، في العديد من السجلات التي تمتلكها نفس الثقافة، كما تتدخل في مختلف الثقافات (ص 154)" وهذا من شأنه أن يبرز، من زاوية تربوية، المشكل الأهم والمرتبط بمسألة النظر في الاختلافات ومعالجتها على صعيد أنظمتنا التعليمية. ويبدو أننا قد غدونا مقبلين على مواجهة صعوبة من نوع جديد تتحدد على مستوى آخر، بحيث إنها ستنضاف إلى المشكل السابق، ويتعلق الأمر بكيفية التعامل مع الاختلافات الثقافية، في نفس الوقت الذي نأخذ فيه بعين الاعتبار الاختلافات ذات الطابع الفردي؟ وهنا تقترح علينا كاميليري وجهة نظرها التالية: "استنادا إلى المنظور الجديد الجاري به العمل حاليا: فإن اختيار التثاقفية Interculturel لا يتطابق مع البرامج الموجهة أصلا إلى بعض المجموعات المعزولة، بل إنه خيار لا يمكن أن يتحقق بجدية إلا بالارتكاز على نشاط تربوي يرتبط الجميع بفضله بما هو ثقافي، بحيث يضم النشاط التربوي أيضا الجماعات التي لا تنتمي إلى الأقلية، من خلال وجهة نظر تبادلية تجمع بين المنظورات جميعها. وهكذا يتحول ذلك النشاط التربوي إلى عمل بيداغوجي يهتم بالاختلافات الثقافية، أكثر مما هو تربوي ينحصر فقط في ما هو خاص ثقافيا" (ص 156).

ومع ذلك فهذا الموقف، الذي يبدو معقولا من الناحية الفكرية، لا يعالج المشاكل التربوية التي تعترض طريقنا.

- تحليل دقيق للتثاقفية:

لإنجاز هذا التحليل يجب الانطلاق من موقف محدد ينبني على الوعي بأن هناك، ما بين الجماعات الثقافية، دائما علاقات تجمع بين التنافر من جهة والتكامل من جهة أخرى. كما يرتكز على أن أي ثقافة من الثقافات لا يمكن إدراكها إلا على ضوء البيئة التاريخية المتعلقة بها، وهكذا فإن الخطوة الأولى التي علينا أن نخطوها، في إطار التثاقفية، يجب أن تقوم على توضيح أوجه التجانس والتشابه، بل وأيضا توضيح أوجه الخلافات بين الثقافات المماثلة أمامها، وذلك دون التسرع طبعا في إصدار أحكام قيمه حول تلك الاختلافات.

من البديهي أن توضيح الاختلافات الثقافية، يجب أن يستعمل بصفته وسيلة من جملة الوسائل المستعملة من أجل الإدراك الفعلي لخصوصيات الثقافة الذاتية Propreculture. ونشير في هذا السياق إلى الظاهرة الكلاسيكية التي سبق لـ دوكرولي Decroly أن بينها منذ زمن بعيد، حيث أشار أن القيام بدراسة مقارنة بين التفاحة والخوخة، سيفتح لنا المجال لتبيان الخصائص الأصلية لكل من التفاحة والخوخة، مما يعني أننا ننطلق، في ضوء المقارنة، من موقف نسبوي معد مسبقا بطريقة مضبوطة أحسن من مجرد القبول البسيط بنسبية الثقافات.

"إن أي اختيار تثاقفي فعلي، لا يعني نفي هذه الثقافة أو تلك، بل إنه على العكس من ذلك، إقرار بالثقافة الذاتية الخصوصية في علاقاتها بالثقافات الأخرى (هنون: ص 103). وهكذا تصبح ثقافتي، بالنسبة إلي، بمثابة وسيلة للمضي نحو الثقافات الأخرى، فالاعتراف بالاختلاف إذن يجب ألا يقودنا نحو نوع جديد من الانغلاق أو إلى انغلاق ثقافتنا على نفسها. بل على العكس يجب أن يؤدي إلى نمط جديد من الانفتاح على الآخرين، انطلاقا من وعي جيد بخصوصيات الآخر.

ويتعلق الأمر إذن ببذل جهد مستمر من لدن المدرسة لإقناع جميع التلاميذ بتقبل فكرة "الاختلاف أو التنوع المثري"، بحيث لا يكون ذلك الإقناع فقط من أجل أن يتقبلوا فكرة الاختلاف، بل من أجل أن يعترفوا به ويقدروه حق قدره ويعملوا على البحث عنه. ولا جدال في أن تنمية الوازع التثاقفي Interculturelle لا يتم من خلال إلقاء دروس، أو عبر تكوين خاص، بل إنه يمثل الموقف الذي ينبني على اجتهاد المدرس والتلاميذ ومثابرتهم، فيصبح هو الكفيل بتنمية هذا النزوع نحو الانفتاح والتفهم، ونحو بناء تربية تعنى بالاختلافات بين الثقافات.

إن موقفا تثاقفيا من هذا القبيل يجب ألا يتطور فقط من خلال وجود أطفال أجانب، إذ وكما سبق أن بينا، فإن كل تلميذ يعتبر في الواقع، حاملا لثقافة ما، ومن هنا فإن التربية التي تهتم بالاختلاف يجب أن تظل بكل بساطة في صميم العملية التربوية من خلال الاهتمام بفردانية كل تلميذ على حدة، واعتبار ما يمكن أن يضيفه إلى المجموعة، وكذا ما يمكن أن يجنيه أيضا من فائدة من لدن المجموعة.

إن هذا الموقف التحليلي، والموقف الذي يعترف بأوجه الاختلاف بين الثقافات التي يحملها مختلف التلاميذ، يجب أن ينطبق أيضا على تحليل الثقافة الرسمية لدى المدرسة، من منطلق أن للمدرسة دورا في التنشئة وإدماج مختلف الأفراد الوافدين، داخل المجموعة السوسيولوجية المستقبلة، فعلى هذا الصعيد إذن، يمكن للصراعات أن تنشأ بين المربي وبين ما تعبر عنه الجهات الرسمية من وجهات النظر. ويبقى السؤال الذي علينا طرحه هو هل يمكن أن تتوفر الظروف المواتية لقيام موقف انفتاحي داخل نظام وطني ما، تسيطر فيه مختلف أشكال التطرف الديني أو السياسي؟ وهنا تكمن جميع المشاكل التي تتولد عن العلاقة بين التربية والنظام السياسي القيادي.

أما على مستوى التطبيقات التربية (سنكتفي بمجرد الإشارة إليها دون تحليلها بتفصيل).

فيمكن الرجوع إلى الجهود المرتبطة بتدويل هذا النشاط التربوي، والجهود المذكورة في التقارير الوطنية والجهود التي تقوم بها المجموعة الأوروبية في إطار تبادل التلاميذ والطلبة والمدرسين، بخصوص:

- تعليم اللغات الأجنبية؛

- تدريس التاريخ.

ثم وبطريقة عامة أكثر، هناك القضايا المتعلقة بالمقررات التعليمية والمضامين والمناهج الدراسية.

خاتمة:

1 ـ لقد ساهمت أوضاع التعددية الثقافية، أي الأوضاع التي لاحظنا قيمها في جميع جهات العالم في تبيان أهمية العامل الثقافي، وكانت بالتالي بمثابة العدسات المجهرية المكبرة بالنسبة لبعض الأوضاع التربوية التي لم تأخذ بعد العامل الثقافي، بعين الاعتبار، وذلك على صعيد مجموع السيرورات التربوية. بالفعل إن الأمر يتعلق بانتشار المبدأ الذي يدعو التربية إلى أن تأخذ في اعتبارها جميع العوامل المكونة لشخصية الفرد الذي نرغب في تربيته.

2 ـ لقد حاولنا في هذا العرض أن نوضح التساؤل أو نطرح عددا من الأسئلة باعتبارها وسيلة لتبيان التناقضات الأساسية في العملية التربوية:

- كيف يمكن تحقيق الوحدة انطلاقا من التنوع؟

- كيف الوصول إلى إحداث انسجام ثقافي نسبي انطلاقا من الثقافات المختلفة، دون أن ننسى بالطبع، الثقافات الأصلية؟

- كيف يمكن الربط بين طرفي النظام التواصلي المزدوج الذي يقوم عادة بين المدرس والتلاميذ، ومجموعة الفصل الدراسي من جهة وبين تلاميذ نفس هذا الفصل الدراسي من جهة أخرى؟ وكل ذلك بالطبع داخل هذا الفضاء المزركش إلى أبعد الحدود بألوان قوامها الثقافات والشخصيات؟ فالبحث كما أسميناه سابقا في "تربية التحول" من أجل المرور من ذلك الوضع الخاص بكل تلميذ على حده، والانتقال بالتالي إلى ذلك الوضع الذي يصبو إليه المدرس، يعتبر عملا ضروريا، من منطلق أن التعمق في هذا التحليل سوف يؤدي بنا إلى الاهتداء إلى بعض المواقف التي سبق لباشلار Bachlard أن أشار إليها حول العوائق الابستمولوجية وهي عوائق لا تدخل في المجال المعرفي بل في المجال الثقافي.

3 - طبعا إن هذا يدفعنا إلى طرح التساؤل حول تكوين المدرسين في مجال التربية التبادلية (بين الثقافات).

إن التفكير في مسألة التعددية الثقافية، كما حاولنا تقديمه من خلال هذا العرض، لا يعتبر بالنسبة للتربية الراهنة، مجرد مسألة تقليدية، بل إنه في رأينا، يعد من بين أهم الأسئلة التي على التربية أن تجد لها الحلول مع بزوغ القرن الحادي والعشرين، وذلك بهدف الاهتداء إلى السبل المؤدية نحو حضارة شمولية تدفع الناس إلى أن يتفاهموا أحسن، ويتبادلوا من ثمة المحبة والود، وتجعلهم يتوقفون عن مظاهر الاقتتال. وكما تلاحظون لقد صغت هذه الجمل الأخيرة داخل سياق شرطي، لأن تحقيق مثل هذه الآمال، من جهته، قد يثير عددا كبيرا من المشاكل، لعل أهمها هو هل من الممكن فعلا تحقيق الحضارة الشمولية؟ وهل ذلك التحقيق مرغوب فيها حقا؟

 

هوامش

1 - رغبة منا في الإنجاز، وليس بعدم الاهتمام، لن نتعرض للجوانب السوسيولوجية والانتربولوجية والتاريخية والسياسية.

(*) ترجمنا plurisultirel: polycul و multiculturel بمتعدد الثقافات باعتبار أنها ذات مرجعيتين لاتينية وإغريقية، أما المعنى اللغوي فهو التعدد.

2 - انظر أيضا: L’assimilation qu'est ce que c’est? A. Vasquez

(*) مستخلص عن: “Etre migran". P. 54

(*) مدرسة اجتماعية أمريكية تؤكد تأثير الوسط الثقافي مقابل الوسط الطبيعي للفرد.

3 - بايت، وفان زاتن: المدرسة وأطفال الهجرة والأقليات الاثنية: مجلة أدبية فرنسية أميركية بريطانية، المجلة الفرنسية للبيداغوجية.

4 - مسألة المصطلحات أساسية في مناهج العلوم الاجتماعية وتحديدات العالم ضدا على الاستعمالات السياسية العادية، فهي تعتبر شرطا ضروريا لمهنة الباحث العلمي، وكذا لإجراء الحوار فيما بين الأسرة العلمية. إن الحاجز أو المانع على درجة كبرى من الأهمية على مستوى الهجرة والعلاقات ما بين الثقافات وما بين الاثنيات. وهذا ما يبين إلى اي مدى يمكن للألفاظ (المصطلحات أن تتدخل لتصبح مواضيع للاستعمالات الايديولوجية (ص 38 O.C)

5 - في أحد النصوص حول حياة طالبة من أصل جزائري، يجري الحديث عن الوحدة العائلية في كامل تعقداتها التي تحيل على دينامية زمنية، فبين المولود البكر والمولود الموالي يتغير الزمن في سريانه ويتقدم الولدان في السن - ثم تكبر العائلة وتتقوى العلاقات الأخوية. أما خارج العائلة فالأيام تتغير، أما العلاقات بين العائلة ومسقط الرأس ودول الهجرة فتتطور… ويأتي دور الأبناء الآخرين في الأسرة لمعايشة تجربة أشقائهم السابقين في شكل معاناة أو في شكل استفادة سلبية،فيمكن أن يكون لها أيضا دور باعتبارها نموذجا لما كان منتظرا.

6 - بايت Payet وفان زانتن Van Zanten، ص 91.

7 - عن دورو منجاط Durun Mungat

8 - نظرا لضيق المجال، لن نتعرض للأبعاد العامة كالسياسات التعليمية، وسنكتفي بالأبعاد الملموسة أكثر على مستوى الممارسة التربوية.