تلخيص السماء والعالم لابن الوليد ابن
رشد،
تحقيق:جمال الدين العلوي
سومع عبد السلام
صدر
هذا الكتاب في عام 1983م ضمن سلسلة منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس تحت عنوان (تلخيص السماء والعالم) وهو لأبي الوليد ابن
رشد الذي يعد أكبر عميد للفلسفة في العالم العربي الإسلامي. وقد قام بتقديمه
وتحقيقه المرحوم الأستاذ جمال الدين العلوي.
وقد
ولد ابن رشد في مدينة قرطبة عام 520 وتوفي عام 595هـ فمنزلته في تاريخ الفلسفة
الإسلامية أنه كان ختاما طيبا لحلقة الفلاسفة الكبار في الإسلام وصلته بين التراث
الفلسفي الإسلامي وبين النهضة الأوروبية الحديثة. وقد تولى القضاء في اشبيلية وفي
قرطبة بعد ذلك بقليل لما صار أبو يعقوب خليفة اتخذه لنفسه طبيبا.
ابن
رشد وأرسطو:
حصر
ابن رشد جهده في مذهب أرسطو فتناول كل ما استطاع أن يحصل عليه من مؤلفات ذلك
الفيلسوف ومن شروحها بدراسة عميقة ومقارنة دقيقة. وهو يلخص مذهب أرسطو ويشرحه
بإيجاز تارة أخرى. فيطالعنا بشروح ملخصة أو مبسوطة حتى أنه ليستحق أن يسمى
"الشارح" وهو اللقب الذي أطلقه عليه دانتي في
كتابه "الكوميديا الإلهية" وقد شرح ابن رشد أرسطو ثلاثة أنواع من
الشروح: شرح أكبر وشرح وسيط وشرح أصغر أي تلاخيص. في
الشرح الأكبر يتناول ابن رشد كل فقرة من كتاب أرسطو ويأخذ في شرحها وتفسيرها بطريقة
تفسيرية تفصيلية وبين كلام أرسطو وبين شرحه وتفسيره وهذا الشرح الأكبر يعد خاصا
لابن رشد بمعنى أننا لا نجد هذا النوع عند الفلاسفة الذين سبقوه ومن أجل هذا الشرح
الأكبر واهتمام فيلسوفنا به عرف ابن رشد في الغرب باسم
الشارح.
أما
في الشرح الأوسط فإن ابن رشد يذكر أول النص الأرسطي ثم يأخذ في شرح الباقي دون أن
يميز بين ما هو خاص به وما هو خاص بفيلسوفه.
وفي
التلخيص وهو النوع الثالث من الشروح فإن ابن رشد يتكلم باسمه الخاص فهو يضيف تارة
ويحذف تارة أخرى(1).
تلخيص
السماء والعالم:
يضم
هذا الكتاب 399 صفحة ويتألف من أربع مقالات وكل مقالة تشتمل على عدة فصول وجمل
ويشير ابن النديم إلى تلك المقالات ويقول: الكلام على كتاب السماء والعالم وهو
أربع مقالات نقل هذا الكتاب ابن البطريق وأصلحه حنين ونقل أبو بشر متى بعض المقالة
الأولى، ولتامسطيوس شرح الكتاب كله وأصلحه يحيى بن عدي.
ولحنين فيه شيء وهو المسائل الست عشرة، ولابن زيد البلخى
شرح صدر هذا الكتاب إلى أبي جعفر الخازن(2). المقالة الأولى تنحصر في
عشر جمل، والمقالة الثانية تشتمل على أربع جمل والمقالة الثالثة تنحصر في ثماني
جمل، والمقالة الرابعة والأخيرة تنحصر في ثلاث جمل.
ابن
رشد وبطليموس:
نجد
في كتاب (تلخيص السماء والعالم) أن ابن رشد يهاجم افتراض بطليموس أن الأرض لا توجد
في الوسط تماما، بل في نقطة بعيدة عنه لاعتبارات فلكية حسابية. ذلك أنه لو كانت في
غير الوسط، كما يقول بطليموس لكان ذلك لا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن تكون خارج
المحور أو في المحور نفسه مائلة إلى حد القطبين أو تكون موجودة بالوجهين أي: أن
تكون خارجة عن المحور مائلة إلى أحد القطبين. ولو كانت خارجة عن المحور لما كانت
أزمنة طلوع الكواكب من الأفق الشرقي إلى وسط السماء مساوية لأزمنة انحطاطها من وسط
السماء إلى المغرب. ولو كانت على المحور مائلة إلى أحد القطبين لما كانت قطعت
دائرة الأفق في كل إقليم دائرة البروج بنصفين إلا حين كانت الأرض منتصبة ولو كان
ذلك لما استوى الليل والنهار في سائر الأقاليم عند الاعتداليين ولو اجتمع الأمران، أي لو وجدت خارج المحور مائلة
إلى أحد القطبين لما وجدت المحاولات اللازمة لهما جميعا(3).
ويتبين
من هذا النص أن ابن رشد يعارض افتراضا يستند إلى اعتبارات حسابية بتصور ينطلق من
أن على النظرية الفلكية أن تصور الواقع تعكس طبيعة العالم كما هو. ذلك هو الشرط
الوحيد كي تكون النتائج اللازمة عليها مطابقة فعلا مع واقع المشاهدات الفلكية.
يشترط كذلك ابن رشد في النظرية الفلكية أن تستعير مبادئها أو مسلماتها الأولية من
مبحث الطبيعة، فصدق هذه المبادئ عنده لا يتبين في مبحث علم الفلك لذاته. والمبحث
الطبيعي الحقيقي الذي يعكس في نظره صورة العالم الحقيقية هو الكوسمولوجيا
الأرسطية من تعديلات ابن رشد أو هو النظرية الأرسطية في الطبيعة في أسسها العامة
مع تعديل جوهره بتبسيط صورة العالم السماوي وتلخيصها من الزوائد التي أثقلها بها بطليموس وهو تعديل يقوم على افتراض ثمان كرات فقط ذات
مركز واحد.
ويبدو
أن ضمان صدق الصورة المقترحة من قبل ابن رشد، هو أنها كصورة كوسمولوجية
نجد أساسها ومبدأها في الميتافيزيقا الأرسطية. من كل هذا نفهم شكوى ابن رشد من أن
علم الفلك أو علم الهيئة غير موجود في زمانه وأن كل ما يوجد يتفق مع الحسابات
الفلكية ولا يتفق مع واقع الأشياء كما هو، يعني لا يتفق وصورة العالم السماوي في
كليته وطبيعته وإن اتفق مع أحداث معينة كخسوف الشمس في يوم معين. ولو ألقينا نظرة
على النص المقتبس من تلخيص السماء والعالم لتأكد لنا أن مضمونه هو نفسه أو يكاد
يكون نفس المضمون الذي حاول البطروجي فيما بعد أن يقدمه
في كتابه علم الهيئة مع فروق بسيطة ولا عجب في ذلك فالبطروجي
هو مكمل المشروع الرشدي(4).
أما
الأستاذ المرحوم جمال الدين العلوي فقد قام بجهد كبير لإخراج هذا الكتاب إلى النور
فهو كتاب مزود بتحقيقات دقيقة وهوامش عديدة مفيدة وفهارس كثيرة. ويتميز الكتاب
بمقدمة طويلة استغرقت حوالي عشرين صفحة شرح فيها المحقق منزلة كتاب السماء والعالم
من الموسوعة الأرسطية. ثم بين مؤلفات ابن رشد في العلم الطبيعي ومكانة تلخيص
السماء والعالم في الفهارس القديمة ثم أنهى عمله بالحديث عن مخطوطتي ليدن وأكسفورد
اللتين اعتمدهما المحقق في تحقيق الكتاب. وقد ذيل المحقق الكتاب بمعجم للمصطلحات
الواردة في نص التلخيص، وهذا يقدم إحدى الخطوات الأولى في وضع معجم اللغة الفلسفية
لابن رشد وهو المعجم الذي شرع المحقق في توفير أسبابه وأدواته. الواقع أن هذا
العمل الذي قام به المرحوم الدكتور جمال الدين العلوي
يعتبر مساهمة في إحياء التراث العربي الإسلامي الكبير الذي مازال في حاجة إلى من
يمد إليه العون لينفض عنه غبار القرون الوسطى.
الهوامش:
1
- د. يبور: تاريخ الفلسفة الإسلامية، ص 255.
2
- مجلة الفيصل، العدد 94.
3
- مجلة الثقافة المغربية، العدد 7.
4
- مجلة الثقافة المغربية، العدد 7.