ص1       الفهرس      المحور

نص من التراث

ابن رشد

 

كتب ابن الأبار في كتابه "التكملة" ترجمة لابن رشد هذا نصها:

"محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد [بن محمد بن أحمد بن عبد الله ] بن رشد، من أهل قرطبة وقاضي الجماعة بها، يكنى أبا الوليد. روى عن أبيه أبي القاسم، استظهر عليه الموطأ حفظا وأخذ يسيرا عن أبي القاسم بن بشكوال وأبي مروان بن مسرة وأبي بكر بن سمحون وأبي جعفر بن عبد العزيز، وأجاز له هو وأبو عبد الله المازري. وأخذ علم الطب عن أبي مروان بن جريول البلنسي. وكانت الدراية أغلب عليه من الرواية. درس الفقه والأصول وعلم الكلام وغير ذلك.

ولم ينشأ بالأندلس مثله كمالا وعلما وفضلا، وكان على شرفه أشد الناس تواضعا وأخفضهم جناحا. عني بالعلم من صغره إلى كبره حتى حكي عنه أنه لم يدع النظر ولا القراءة، منذ عقل، إلا ليلة وفاة أبيه وليلة بنائه على أهله، وأنه سود فيما صنف وقيد وألف وهذب واختصر نحوا من عشرة آلاف ورقة. ومال إلى علوم الأوائل فكانت له فيها الإمامة دون أهل عصره، وكان يفزع إلى فتواه في الطب كما يفزع إلى فتواه في الفقه مع الحظ الوافر من الإعراب والآداب. حكى عنه أبو القاسم ابن الطيلسان أنه كان يحفظ شعري حبيب والمتنبي ويكثر التمثل بهما في مجلسه ويورد ذلك أحسن إيراد.

وله تصانيف جليلة الفائدة منها: كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد في الفقه أعطى فيها أسباب الخلاف وعلل فوجه فأفاد وأمتع به ولا يعلم في فنه أنفع منه ولا أحسن مساقا، وكتاب الكليات في الطب، ومختصر المستصفى في الأصول، وكتابه بالعربية الذي وسمه بالضروري وغير ذلك.

وولي قضاء قرطبة بعد أبي محمد بن مغيث فحمدت سيرته وتأثلت له عند الملوك وجاهة عظيمة لم يصرفها في ترفيع حال ولا جمع مال، إنما قصرها على مصالح أهل بلده خاصة ومنافع أهل الأندلس عامة.

وقد حدث وسمع منه أبو محمد بن حوط الله وأبو الحسن سهل بن مالك وأبو الربيع بن سالم وأبو بكر بن جهور وأبو القاسم بن الطيلسان وغيرهم.

وامتحن بآخرة من عمره فاعتقله السلطان وأهانه، ثم عاد فيه إلى أجمل راية. واستدعاه السلطان إلى حضرة مراكش فتوفي بها يوم الخميس التاسع من سفر سنة خمس وتسعين وخمسمائة، قبل وفاة المنصور الذي نكبه بشهر أو نحوه، ودفن بخارجها، ثم سيق إلى قرطبة فدفن بها مع سلفه رحمه الله".

التكملة لابن الأبار.1496 طبعة القاهرة. 1956.